أسفرت الانتخابات التشريعية التي جرت في تونس يوم 26 تشرين أول/أكتوبر عن حصيلة مخيبة لأحزاب المؤتمر والتكتل اللذين جرّبا السلطة ومارسا الحكم في السنوات الثلاث الماضية، والحزب الجمهوري وحزب المسار قطبي المعارضة زمن بن علي وفي المجلس التأسيسي. ولا تنسجم حصيلة الأصوات التي نالتها هذه الأحزاب مع تاريخها قبل الثورة، ولا مع الوضع السياسي المريح نسبيا لها قبل الانتخابات.

حزب الرئيس ينهار

أسفرت الانتخابات التشريعية التي جرت في تونس يوم 26 تشرين أول/أكتوبر عن حصيلة مخيبة لأحزاب المؤتمر والتكتل اللذين جرّبا السلطة ومارسا الحكم في السنوات الثلاث الماضية، والحزب الجمهوري وحزب المسار قطبي المعارضة زمن بن علي وفي المجلس التأسيسي. ولا تنسجم حصيلة الأصوات التي نالتها هذه الأحزاب مع تاريخها قبل الثورة، ولا مع الوضع السياسي المريح نسبيا لها قبل الانتخابات.

حزب الرئيس ينهار

انهار حزب المؤتمر من أجل الجمهورية – حزب الرئيس المؤقت المنصف المرزوقي- في هذه الانتخابات البرلمانية ولم يحصل سوى على أربعة مقاعد بشق الأنفس في كل من الدوائر الانتخابية بالقصرين (وسط) وقابس وقبلي ومدنين (جنوب) التي ترشّح عنها أمينه العام عماد الدايمي.

حزب المؤتمر الذي كان “نجم” انتخابات المجلس التأسيسي سنة 2011 حين تعلّقت به آمال عدد كبير من التونسيين وراهنت عليه النخبة الثقافية والفكرية اختار بعد انتخابات أكتوبر 2011 التحالف مع حركة النهضة بعد أن دعمته في المجلس التأسيسي حتى يصل إلى قصر قرطاج وهو ما حصل فعلا.

لكن التحالف الهجين بين العلمانيين والإسلاميين عاد بالوبال على حزب المؤتمر الذي تلقى صفعة مؤلمة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عمّقت حالة التشرذم التي كان يعيشها بعد أن انشق عنه حزبان هما حركة وفاء بقيادة عبد الرؤوف العيادي أحد الرموز التاريخية لحزب المؤتمر، وحزب التيار الديمقراطي بقيادة أمين عام الحزب سابقا محمد عبو.

يصف الملاحظون في تونس حزب المؤتمر بأن حصيلته في الانتخابات التشريعية الأخيرة تجعله منه “حزبا على وشك الاندثار السياسي”، بعد أن كان القوة الثانية في المجلس التأسيسي السابق.

ويواجه الحزب اليوم مصيرا غامضا، حيث سيجد نفسه في البرلمان القادم من الأقلية، كما أن رئيسه ورئيس الجمهورية الحالي المنصف المرزوقي سيجد نفسه يطير نحو الانتخابات الرئاسية بعد أقل من شهر “دون أجنحة” . فقواعد الحزب تخلت عنه وقيادات الحزب انفضت من حوله.

حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الذي صمد زمن الدكتاتورية، انهار زمن الديمقراطية ، وربما يندثر زمن الجمهورية الثانية.

التكتل حزب من الماضي

بمقعد وحيد في البرلمان (عشرون مقعدا في انتخابات 2011) سيخوض مصطفى بن جعفر زعيم حزب التكتل من أجل العمل والحريات ورئيس المجلس التأسيسي في السنوات الثلاث الماضية، الانتخابات الرئاسية القادمة.

حزب التكتل الحليف الأصغر لحركة النهضة في ائتلاف “الترويكا” كان حظه عاثرا في الانتخابات الأخيرة، وبحزبه المهزوم برلمانيا، ستكون معركة الظفر بمنصب رئيس الدولة قي سباق يضم 27 مرشحا صعبة على بن جعفر.

ورغم ثبات حركة النهضة في هذه الانتخابات البرلمانية وحلولها في المرتبة الثانية بعد حزب نداء تونس فإن حليفيها حزب المؤتمر وحزب التكتّل لم يتحليا بنفس الثبات والصمود وانهارا شعبيا وانتخابيا.

الملاحظون في تونس يرون أن التكتل دفع باهظا فاتورة تحالفه مع الاسلامين في انتخابات المجلس التأسيسي الماضية، خاصّة وأن قيادات الحزب آنذاك كانت قد وعدت أنصاره بأن لا تتحالف مع حركة النهضة.

اليوم يتقاسم التكتلّ مع حليفه الثاني في الترويكا حزب المؤتمر المصير الغامض. هما يسيران جنبا الى جنب نحو التراجع من الساحة السياسية رغم الوضع المريح نسبيا لحزب المؤتمر مقارنة بحزب التكتل.

زعيم التكتل مصطفى بن جعفر، المترشح للانتخابات الرئاسية يجد نفسه في وضع محرج رغم إصراره على أنه لم يكن تابعا، أو ذيلا من أذيال حركة النهضة. ولطالما استدل قادة الحزب على ذلك بأن التكتل دافع بشراسة عن مدنية الدولة وجنّب البلاد حرب أهلية عندما جمّد عمل المجلس التأسيسي بعد اغتيال النائب محمّد البراهمي في 25 تموز/يوليو 2013.

وحزب التكتل الذي تأسس منذ عشرين سنة، وتحمّل بن جعفر لأجله الكثير زمن الاستبداد، يراه اليوم ينهار أمام عينيه دون أن يستطيع فعل شيء. فقواعد الحزب تخلت عن حزبها وحليفته حركة النهضة تعتبره من الماضي غير المأسوف عليه، وحلم الدخول إلى قصر قرطاج كأب للجمهورية الثانية كما كان أبا للدستور، يبدو أنه بدأ يتبخّر.

ويردد كثير من التونسيين أن استعادة هذا الحزب لإشعاعه يتطلّب معجزة، لكن هذه المعجزة لا يملكها مصطفى بن جعفر في المرحلة الحالية.

الحزب الذي فقد صوته

لا أحد في تونس كان يتوقّع هذه النهاية الدرامية لحزب المسار (الحزب الشيوعي سابقا).

الحزب الذي يوصف في تونس بحزب النخب والذي استطاع جمع أسماء لامعة من أدباء وفنانين ونقابيين وجد نفسه على هامش الخريطة السياسية الجديدة التي تشكلت بعد الانتخابات، فقد خسر كل رصيد سنوات النضال الماضية ولم يحظ بأي من مقاعد البرلمان.

السقوط المدوّي للأحزاب طال أيضا الحزب الجمهوري (وسطي). الحزب الذي تزعّم المعارضة في المجلس التأسيسي طوال الثلاث سنوات الماضية، يجد اليوم في رصيده مقعدا يتيما في البرلمان الجديد عن دائرة سليانة حيث استطاع إياد الدهماني أصغر قيادات الحزب أن يحتل مكانه في البرلمان القادم، في حين وجدت قيادات الحزب التاريخية -كأمينته العامة مية الجريبي- نفسها خارج المشهد السياسي القادم بعد أن فشلت في أن تضمن لها مقعدا برلمانيا، مثلها مثل عصام الشابي الذي فشل بدوره في اجتياز امتحان الانتخابات التشريعية.

ويرى كثر من أنصار الحزب السابقين أنه دفع ثمن أخطاء زعيمه أحمد نجيب الشابي، السياسي المهووس بمنصب رئيس الجمهورية والذي اقترف أخطاء سياسية قاتلة في وقت قاتل. من بين هذه الأخطاء خروجه من التحالف الانتخابي “الاتحاد من أجل تونس” الذي ضم خمسة أحزاب ديمقراطية.

اليوم يتجه نجيب الشابي، مثله مثل المنصف المرزوقي ومصطفى بن جعفر، لخوض انتخابات الرئاسية بأحزاب مهزومة سياسيا، أحزب التهمتها السلطة أو قتلت زعاماتها شهوة الحكم.