ليبيا دولةٌ حديثةٌ يعيش سكّانها خارج الزمان الحاضر، القصّة تبدأ من حيث بدأ جميع من على كوكب الأرض، بعد انتهاء حربٍ عالميّةٍ كلفت ملايين القتلى وأمماً متحدةً تلقي بهاراتها على خارطة وضعتها الدول المنتصرة، رفقة ظروف معيشة سكان كوكب الأرض وأشياء أخرى.

المشكلة الحقيقيّة هي أن الليبيّين يعتقدون أن ليبيا هي هذا الجيل فقط متناسين الأجيال القادمة، والأجيال التي سبقت أيضاً، مجموعةٌ من الناس يعيشون في وطن ويؤمنون بأوطان أخرى.

ليبيا دولةٌ حديثةٌ يعيش سكّانها خارج الزمان الحاضر، القصّة تبدأ من حيث بدأ جميع من على كوكب الأرض، بعد انتهاء حربٍ عالميّةٍ كلفت ملايين القتلى وأمماً متحدةً تلقي بهاراتها على خارطة وضعتها الدول المنتصرة، رفقة ظروف معيشة سكان كوكب الأرض وأشياء أخرى.

المشكلة الحقيقيّة هي أن الليبيّين يعتقدون أن ليبيا هي هذا الجيل فقط متناسين الأجيال القادمة، والأجيال التي سبقت أيضاً، مجموعةٌ من الناس يعيشون في وطن ويؤمنون بأوطان أخرى.

المسألة برمّتها تنطلق من فكرة القطيعة والتاريخ المشترك، الانتماء للأرض التي هي سابقةٌ للإنسان باقيةٌ بعده، حيث يحمل كل ليبيٍّ حول عنقه عنواناً آخر يعلن أنه قد أتى منه رغم أنه وبحساب متوسط عمر المواطن الليبي يستحيل أن يعلم أيٌّ كان متى وطئت أقدامه ليبيا قبل ميلاده، وهي مهمة غير ممكنة ومثيرة للسخرية أيضاً.

الكارثة هي عندما تتوارث الأجيال جيلاً وراء جيل حقيقةً لا يمكن التحقق منها، كوننا مجموعةٌ من الشعوب المهاجرة، هذه الهجرة التي لم يشهدها أحدٌ منّا لأنها حسب الرواية التاريخية حدثت قبل أن يولد الجميع.

الوطن ليس مجرد قطعة أرض، بل هو معنى، معنى الحياة المشتركة بين المقيمين فوقها، بغض النظر عن أصول من يسكن تحتها، فبانطلاقنا من خرافة السكان الأصليّين وصولاً إلى أسطورة الأمة العربية أو الأمازيغية أو حتى الإسلاميّة، لا يمكننا أن نصل إلى مكانٍ بعينه ونحن نعيش فوق أرض كل منّا يريد الطيران فوقها، لأننا في نهاية المطاف لا نملك سواها، وتاريخها ليس تاريخ أناس انقرضوا ما دمنا لا نزال أحياء.

تاريخ ليبيا هو تاريخ الليبيّين بغض النظر عن حقيقته، أو قدرتنا على تحمل السوء الذي يحمله، أو مشاعر الفخر الزائف التي تنتابنا، حالنا حال كل شعوب الأرض وهي ترسم تاريخها الأسود بألوان زاهية، رغم أنه حقيقةً لا أحد يعرف ما الذي حدث، لكن الفكرة الرئيسية من الانتماء للتاريخ هو القدرة على الاستمرار في العيش فوق الأرض ككتلةٍ واحدةٍ اسمها الشعب الليبي .

كلنا ليبيّون حسب حقائق وثائق الأمم المتحدة والواقع الدولي، ولا يمكننا تغيير هذا الواقع إلا من خلال تغيير العالم نفسه، وهي مهمةٌ شبه مستحيلةٍ، إذا ما لم تكن مهمة من يخدع نفسه ويسمي الخدعة حقيقة غير قابلة للإنكار والتصديق في ذات الوقت.

وإنكارنا أننا ليبيّون وكفى ليس فقط خيانة بل شيء أكبر من ذلك بكثير، إنّه ترجمة واضحةٌ المعنى لكلمة الموت، والبقاء خارج العالم الحقيقي لمدةٍ لن تكون بالقصيرة، ليبيا دولةٌ لم تصبح دولةً ولن تصبح، لأن الشعب الليبي يرفض أن يكون شعباً تمتد جذوره فوق الأرض الليبية بغض النظر عن روايات المؤدلجين وأرباب التاريخ المشكوك في صحّته، وصحة نوايا أصحاب قصص الهجرة الشرعيّة والتي شاركتنا فيها كل شعوب الأرض قاطبة، وانتهت ما أن وطئت أقدامهم أراضٍ أصبحوا فيها مجرد أبناء للمهاجرين، مواطنين في دول العالم الحديث، لأن هذا الشعب لا يريد إلا أن يكون شعباً من اللاجئين فوق أرض لا يملك سواها، وهذه هي الحماقة بعينها.

ليبيا تبدأ منذ بداية الإنسان، وتاريخها لا ينتهي حيث نريد نحن، القصة تبدأ منذ كان الليبيون عراة يرسمون صور أشقائهم على جدران (أكاكوس) وما جاورها أو ربما قبل ذلك بكثير، ليصبح (الفينيقيون) ليبيين بعدها بقرون طوال، يصاهرون من وجدوا فوق الأرض الليبيّة من ليبيّين أيضاً، و(الرومان) كذلك و(النوميديون) وتجار العبيد في غدامس وسكان قورينا أبناء (باتوس) الليبي، فكان أن أصبح المهاجرون من جنوب اليونان حينها ليبيّين أيضاً، وصولاً إلى وصول (مرسيلينيوس) الليبي قائداً لروما الليبيّة، ليخوض الليبييون حرباً أهليّة بإمرة (بومبي).

الليبيّون شعبٌ يمتد عبر التاريخ ولم يبدأ البارحة مع الفاتح أو فبراير أو استقلال إدريس، فهم البونيقيون وهم النوميديون أيضاً، هؤلاء هم نحن رغم تحول بعضنا إلى مصريين أمثال (شيشنق) أو رومان أمثال (سيبتيموس)، لكن هذا لا ينفي كون ليبيا لم تبدأ البارحة.

الليبيون كاثوليك ودوناستيون عندما كانت المسيحية الدين الوحيد في العالم القديم، أو هكذا يقول (ؤغوستين) القديس الليبي، وهذا فيض من تاريخ ليبيا الذي لا ينتهي عندما نبدأ الحديث عنه، بغض النظر عن مشاعرنا أو نوايانا من الحديث عنه، أو حتى حقيقة ما يرد فيه من وقائع وأحداث.

التاريخ في نهاية المطاف أكاذيبٌ متفقٌ عليها لكن الفكرة ليست التاريخ بحد ذاته، بل أننا نتفق جميعاً كليبيّين رغم أنوف الكثيرين منّا أننا نشترك فيه لنسير إلى الأمام بغية تغييره على الأقل ناحية الأفضل، لكن أن ينحصر انتماء التاريخ على جماعةٍ عرقيةٍ غير محددة المعالم والتضاريس، أسماها الجميع السكان الأصليين بغية هزيمتها، كونها جماعة أقل عدداً من أن تحوي تاريخ شبه القارة الليبية التي كان (هيرودوث) يقول : أن الماء يحيطها من كل جانب، فإن الأمر لا يتعدى كونه خيانة أخرى مرفوعة الرأس.

إنه سؤالٌ غير ممكن الإجابة مفاده، كم جثّة يجب أن يدفنها المرء تحت الأرض لكي يصبح مواطنا فوقها !؟، إذ في نهاية المطاف فإن 1+1 = 2 إلا إذا كان أحدهما مهاجراً، حينها سيفقد الوطن كل سكّانه ويتحول الشعب إلى مجموعة من الأصفار، التي لا تستطيع أن تفعل شيئاً سوى كيل الشتائم لمكان وزمان الميلاد الخطأ، فوق الأرض التي ستبقى بعد فناء الإنسان تضحك ملء شدقيها وهي ترى محاولاته اليائسة في نبش قبور أجدادٍ لا يعرفونه، ليلد أثناء انشغاله بالمهمة ضيقّة الأفق أبناء وأحفاد يلعنون قبره، الذي يسكنه ويطلق عليه الجميع سواه اسم وطن.