في ظل تقلبات إقليمية وتهديدات إرهابية، تمكنت حكومة مهدي جمعة من اجتياز اختبار 26 أكتوبر/تشرين أول، وهو موعد أول انتخابات تشريعية بعد الثورة، والتي تعد أهم عقبة أمام عملية الانتقال الديمقراطي، بهدف نقل البلاد من المرحلة المؤقتة نحو الاستقرار.

 في ظل تقلبات إقليمية وتهديدات إرهابية، تمكنت حكومة مهدي جمعة من اجتياز اختبار 26 أكتوبر/تشرين أول، وهو موعد أول انتخابات تشريعية بعد الثورة، والتي تعد أهم عقبة أمام عملية الانتقال الديمقراطي، بهدف نقل البلاد من المرحلة المؤقتة نحو الاستقرار.

مراسلون التقت المهدي جمعة يوم الانتخابات فكان معه هذا الحوار:

س- انتهت الانتخابات بنسبة مشاركة جيدة، فكيف تفسرون الإقبال الكبير للتونسيين على صناديق الاقتراع، وما هي الرسالة الأساسية؟

ج- أفسّر ذلك بنضج التونسي الذي له حسّ سياسي جيد نما وتعمّق في الثلاث السنوات الماضية بغض النظر عن الاحتراز وعدم تحقق أحلامه التي راودته بعد الثورة. المواطن التونسي واقعي ويعرف أن تجربة الانتقال الديمقراطي يلزمها المزيد من المثابرة والتضحيات. والرسالة التي يوجهها التونسي عبر مشاركته الجيدة هي لمن يريد تقويض الدولة التي بنيت على القواعد الديمقراطية، ومفادها أنه متمسك بترسيخ التجربة ومؤسسات الدولة.

س- بالحديث عن ترسيخ التجربة هل هذه الانتخابات قادرة على أن تعيد الثورة إلى أهدافها، وبناء دولة ديمقراطية؟

ج- نأمل ذلك فجميع التونسيين يعلقون آمالاً على الانتخابات ونجاحها لتحقيق أهداف الثورة، فقد كنا في فترة سابقة في مرحلة إزالة النظام السابق، ثم لحقها مرحلة المخاض وتجاوز الإشكاليات التي واجهتها تونس. وتبقى المرحلة الثالثة، التي نريد لها النجاح، وهي مرحلة البناء.

س-هل سيعيد نجاح التجربة التونسية الروح للثورات العربية، خصوصاً وأن التجارب الأخرى تعثرت؟

ج- مثل كلّ التغييرات، الثورات تستوجب الوقت لتجد طريقها إلى النجاح، ونأمل أن تكون تجربتنا في تونس بادرة أمل لكل البلدان الشقيقة التي تواجه تعثرات أو مشاكل، كما نرجو أن يتبع الآخرون طريقتنا للخروج من الصعوبات، وهي طريق الوفاق والحوار.

نعلم أن لكل بلد خصوصياته وتجربته، لذلك نحن لا نتدخل في الشؤون الداخلية لغيرنا، لكننا نأمل أن يكون نجاحنا بادرة أمل لهم.

س-هل تعتبر أن نجاح التجربة التونسية مرتبط بما يراه البعض نجاح حركة النهضة الإسلامية أو فشلها، وله علاقة بالمشهد الإقليمي وصعود التيارات الإسلامية (الأخوان المسلمين)؟

ج- لن أدخل في هذا الجدل وفي الاعتبارات الحزبية، سأتحدث عن تونس التي اعتبرها في اعتقادي قد حددت ملامح كلّ العملية والمنظومة السياسية، وجعلتها مبنية على مواثيق أولها الدستور، الذي حدّد ملامح الدولة المدنية، والكل انخرط في هذا وهو الميثاق الذي يحدد مستقبل تونس.

س- هل تعتبر أن الأفضل لتسيير تونس اليوم بناء تحالفات كتجربة الترويكا التي عاشتها البلاد منذ 3 سنوات أم أن الأفضل حكم الحزب الواحد؟

ج- في رأيي حكم الحزب الواحد غير ممكن لأن التحديات تتطلب وفاقاً أوسع حتى من ائتلاف حكم، فمن الأفضل أن يكون هناك ائتلاف مبني على قواعد وبرامج، وعلى هذا الائتلاف أن يكون منفتحاً على المعارضة لأنه يجب لمّ شمل التونسيين من أجل مشروع يوحد أكبر شرائح المجتمع.

س- نجحت حكومتك في المهمة الأساسية لها، فهل تحدثنا عن الضغوط التي تعرضت لها من الأطراف السياسية؟

ج- تحقّق النجاح بفضل عمل الفريق الحكومي، وبفضل تعاون كل المتدخلين، حتى وإن مورست ضغوطات. والجميع يعلم أنني لا أرضخ للضغوطات وإنما أسير وفق تخطيط ومنهجية عمل.

س- أعلنت الحكومة سابقاً أن المسار الانتقالي مستهدف من قبل جماعات إرهابية، فهل هذا القول مبني على معلومات أم قراءة للمشهد العام؟

ج- الاثنان يلتقيان، لكن الأكثر هو أنه مبني على معطيات، لذلك قمنا بالكثير من العمليات الاستباقية ضدّ هذه المجموعات التي تصرّ على تقويض الدولة ومراكزها.

س – ومن ذلك رفع نسق تحرك الوحدات الأمنية والعسكرية يوم الانتخابات؟

ج- نحن اشتغلنا على خطة أمنية وضعت منذ أشهر من قبل الأجهزة العسكرية والأمنية وفق تصور أخذ بعين الاعتبار أية تطورات، فنحن نعلم أن الجماعات الإرهابية تريد استهداف الانتخابات.

س- وماذا عن غلق الحدود التونسية الليبية خلال الأيام التي سبقت والتي تلت الانتخابات؟

ج- وضعنا الكثير من الخطط لتوفير مناخ أمن للانتخابات التونسية ووفق المعطيات التي توفرّت لدينا، وارتأينا إغلاق الحدود بصفة مؤقتة طيلة الفترة الانتخابية ما عدا أمام الحالات الإنسانية أو الليبيين الراغبين في العودة إلى وطنهم.
س- نعود للحديث عن الوضع الداخلي، اليوم بعد 3 سنوات على الثورة كيف تقيمون وضع تونس؟

ج- نحن في فترة ما بعد الثورة التي اتسمت بالكثير من التجاذبات التي يمكن تشبيهها بالمخاض الذي كان مولوده الإيجابي الأول الدستور. ونحن اليوم في مسار طي صفحة الفترة  الانتقالية وعدم الاستقرار المؤقت نحو بلوغ الاستقرار الدائم.
س- وضعت حكومتكم خطة للإصلاح، فهل هناك ضمانات للحفاظ على هذه الخطة خصوصاً وأن التجربة السابقة تبين العكس؟

ج- نحن مطمئنون لتطبيق الخطة، لأننا قبل وضعها نظمنا حواراً وطنياً أشركنا فيه كلّ الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني. كما أن الخطة لم تبنَ على نزعة إيديولوجية وإنما على تقييم لمصالح البلاد والتحديات الكبرى. ونحن نعتبر أن هذه التحديات ستفرض نفسها على الجميع، حتى الفريق الحكومي القادم.

س – البعض يطالب باستمرارك كرئيس للحكومة القادمة، فهل تقبل بالمنصب إن عرض عليك؟

ج- لن أقبل به، فقد أتيت من أجل مهمة والآن أشارف على إنهائها وسأسلم المشعل، لن أقبل أن استمر. وأبلغت الجميع بموقفي مراراً وتكراراً، وهو أني لست مرشحاً لتكليفي مرّة ثانية.

س- وإن كان تكليفك مرتبطاً بمصلحة عامة؟

ج- لن أقبل، وأنا لن أسقط في فخ عدم القدرة على تعويض أي شخص.

س- لكن جميع الأحزاب اليوم تضع ثقتها فيك؟
ج- تونس تزخر بالكفاءات.

س- إذاً، ستنهي حياتك السياسية أم ستتجه لإنشاء حزب أو الانضمام إلى أحد الأحزاب؟

ج- لن أقوم بتأسيس حزب ولن أنضم إلى أي حزب سياسي، فكما قلت لك لقد أتيت من أجل مهمة وأغادر أول ما إن أنتهي تاركاً حياتي السياسية خلف ظهري.

س- أتت حكومتك في ظل تردي العلاقات الخارجية لتونس، فهل نجحتم في تجاوزها؟
ج- من ضمن التحديات المطروحة علينا في فترة تولينا الحكومة، كانت العلاقات الخارجية، إضافة للتحديات الاقتصادية والتحديات الأمنية والتحديات الإقليمية، وقد تعاملنا مع جميعها. ونرى أن لنا اليوم علاقات طيبة في محيطنا الجغرافي القريب، وأيضاً مع كل البلدان ويمكن القول إنه ليس لنا أعداء وإنما أصدقاء.

س- أصدقاء تونس هل سيدعمونها الآن؟

ج- نعم، كل أصدقاء تونس من الدول الشقيقة والصديقة لهم رغبة في دعم تجربتنا.

س-هل تشرح الوضع المالي للحكومة التونسية اليوم؟
ج- مرّت تونس بفترة سياسية صعبة تميزت بالتجاذبات السياسية والتغييرات الاقتصادية والأمنية والاجتماعية. وقد ترك هذا أثراً على الاقتصاد التونسي، بالإضافة إلى أن الشريك الاقتصادي الاول لتونس وهي أوروبا تعاني من أزمة اقتصادية منذ 2009، دون أن نغفل عن أن ما يحدث في الجارة ليبيا وفي المنطقة بمجملها له تأثير سلبي على الاقتصاد التونسي.

ما يعاني منه الاقتصاد التونسي اليوم هو اختلال التوازنات المالية الكبرى، بسبب الضغط على الميزانية التي تعاني من عجز، وذلك بسبب الرفع من ميزانية صندوق الدعم والانتدابات في الوظيفة العمومية. لكن هذه الصعوبات لن تحل دون أن نحقق نمواً اقتصادياً بنسبة 2 أو 3 في المائة، وهو غير كاف؛ لكنه يعطي صلابة للاقتصاد التونسي بشرط العودة للعمل الجاد والاستقرار والإصلاح. ونحن انطلقنا في الإصلاح ونجحنا في تخفيض نسبة العجز الموازنة إلى 5,8 في المائة، بعد أن كانت التوقعات في حدود 9 في المائة، ونأمل أن تنخفض نسبة العجز السنة القادمة إلى ما دون 5 في المائة.