حوالي ستة ملايين تونسي يتوجهون يوم 26 أكتوبر/تشرين أول 2014 إلى مكاتب الاقتراع، لانتخاب أول برلمان، ويوم 23 نوفمبر لاختيار أول رئيس للجمهورية بعد الثورة التي شهدتها البلاد في نهاية سنة 2010 وبداية سنة 2011، وانتهت بهروب الرئيس السابق بن علي، إلى المملكة العربية السعودية.

حوالي ستة ملايين تونسي يتوجهون يوم 26 أكتوبر/تشرين أول 2014 إلى مكاتب الاقتراع، لانتخاب أول برلمان، ويوم 23 نوفمبر لاختيار أول رئيس للجمهورية بعد الثورة التي شهدتها البلاد في نهاية سنة 2010 وبداية سنة 2011، وانتهت بهروب الرئيس السابق بن علي، إلى المملكة العربية السعودية.

من المنتظر أن تساعد الانتخابات الحالية على نقل تونس من التجربة الانتقالية التي دامت ثلاث سنوات إلى وضع الاستقرار دستورياً وسياسياً، حيث انتخب التونسيون في 23 أكتوبر/تشرين أول من سنة 2011 مجلساً تأسيسياً أفضى إلى تكليف رئيس مؤقت للبلاد وكذلك حكومات مؤقتة كانت آخرها حكومة مهدي جمعة التوافقية وغير المتحزبة (تكنوقراط). كما أعد المجلس التأسيسي دستوراً جديداً للبلاد، تجري على أساسه الانتخابات الراهنة.

التجربة التونسية وتجارب الآخرين

يتفق المتابعون في الداخل والخارج على أن الانتخابات الحالية هي بمثابة المؤشر الحقيقي لنجاح التجربة الديمقراطية في تونس، بل ويعتبرها البعض رسالة إلى باقي بلدان الربيع العربي التي فشلت جزئياً إلى حد الآن في تحقيق انتقال ديمقراطي سلس لا يقصي أي طرف من الفاعلين السياسيين.

وفي الوقت الذي تشهد فيه تجارب عديدة من بلدان الربيع العربي تعثراً حقيقياً في تجربتها الديمقراطية، حيث تكاد بعضها تسقط في الحرب الأهلية، وترتهن أخرى إلى المجموعات الدينية المتطرفة أو إلى الحكم العسكري، فيما تسير تونس بثبات نحو نادي البلدان الديمقراطية. فما هي العوامل التي جعلت تونس تنجو في حين تعثرت البلدان الأخرى؟

أربعة عوامل على الأقل ساعدت تونس على تخطي أزماتها والسير نحو نجاح تجربتها الديمقراطية. أول هذه العوامل وجود مجتمع مدني قوي ومؤثر في الحياة العامة استطاع في مختلف الأزمات السياسية أن يقف على الحياد وعلى نفس المسافة من مختلف الأحزاب، الأمر الذي رفع من منسوب الثقة فيه وتمكينه من لعب الدور المحكم في أكبر الأزمات من خلال الحوار الوطني.

العامل الثاني هو وجود نسبة متعلمين عالية ونخب منفتحة وحركة نسوية قوية، بفضل إصلاحات دولة الاستقلال الأولى التي قادها الزعيم الحبيب بورقيبة (أول رئيس لتونس). كل ذلك حد من أوهام الدولة الدينية أو الاستبدادية وشجع النخب السياسية على أسلوب الحوار والتوافق.

العامل الثالث الذي ساعد تونس على النجاح هو أن تيار الإسلام السياسي الذي قادته حركة النهضة كان أكثر براغماتية وانفتاحاً منه في سائر البلدان العربي. وما يؤكد ذلك هو موافقة الإسلاميين على دستور منفتح وعلماني، ثم قبولهم بالخروج من الحكم بشكل سلمي.

ولعل العامل الأخير الذي دفع بالتجربة التونسية إلى تفادي الانزلاق في مربع العنف هو السياق الدولي. فما حدث في مصر في 30 يونيو/حزيران 2013 بعد سيطرة الجيش على الحكم وإزاحة الإخوان من الساحة السياسية، كان بمثابة الرسالة القوية للنخب السياسية التونسية وخاصة الإسلامية منها.

كما أن الموقع الاستراتيجي لتونس باعتبارها بوابة أوروبا وإفريقيا وكذلك العالم العربي، أنذر الأوروبيين ونبههم إلى أن سقوط  هذا البلد في أيدي الجماعات المتطرفة سيفتح باب جهنم الإرهاب على مصراعيه في وجه أوروبا ذاتها.

مطبات سياسية داخلية

وكان حزب النهضة الإسلامي الذي حصل على أغلبية نسبية في انتخابات المجلس التأسيسي 2011 شكّل بمعية حزبي التكتل (علماني) والمؤتمر (يمين الوسط) أول حكومة مؤقتة بقيادة أمين عام حركة النهضة آنذاك حمادي الجبالي. لكن هذه الحكومة عصفت بها أول عملية اغتيال سياسي شهدتها البلاد والتي راح ضحيتها القيادي اليساري شكري بلعيد في 06 فيفري/شباط 2013.

وفي 13 مارس/آذار 2013 عُيّن القيادي في حركة النهضة، ووزير الداخلية  في حكومة الجبالي، علي العريض على رأس حكومة الترويكا المؤقتة الثانية. وعلى غرار سابقتها لم تكن حكومة العريض بمنأى عن الهزات والأزمات، ففي 25 جويلية/تموز 2013 اغتيل القيادي في الجبهة الشعبية (يسار) وعضو المجلس التأسيسي محمد البراهمي.

وشهدت البلاد حالة من الاحتقان الاجتماعي والسياسي غير مسبوقة، وصلت أوجها في اعتصام الرحيل في صيف 2013 والذي طالب برحيل حكومة الترويكا وإنهاء عمل المجلس التأسيسي. وكان السيناريو المصري بدخول الجيش على الخط حاضراً بقوة.

بلغت الأزمة ذروتها بتنظيم اعتصام القصبة لأنصار الترويكا، والتهديد باشتباك مع متظاهري اعتصام الرحيل، وبدأ الحديث عن حرب أهلية تلوح في الأفق. في هذه الأثناء بادرت أربع منظمات من المجتمع المدني، في سبتمبر/أيلول 2013، هي الاتحاد العام التونسي للشغل (منظمة العمال) واتحاد الصناعة والتجارة (منظمة رجال الأعمال) والرابطة التونسية لحقوق الإنسان وهيئة المحامين، بحوار وطني يجمع كل الأطراف المتنازعة.

وقد أفضى الحوار الوطني إلى خروج حكومة الترويكا من الحكم وتكوين حكومة تكنوقراط (غير متحزبة) بقيادة مهدي جمعة في 10 يناير 2014، والاتفاق على موعد نهائي للانتخابات التشريعية والرئاسية والتي تجري بعد أيام.

الإرهاب والديمقراطية

ولم تكن الهزات السياسية والاغتيالات المعضلة الوحيدة التي عرفتها البلاد، فقد واجهت المرحلة الانتقالية أزمات اقتصادية حادة رافقتها احتجاجات اجتماعية، كما كانت العمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد وامتدت على كامل الفترة الانتقالية الخطر الحقيقي الذي كاد يعصف بتجربة الانتقال الديمقراطي.

من الثابت أن تونس تسير على الطريق الصحيح نحو الديمقراطية، لكن هذه الطريق لا تزال مزروعة بالألغام وفي مقدمتها ألغام الإرهاب والمصاعب الاقتصادية والأمنية.

فهل تستطيع تونس تخطي مصاعبها للانضمام إلى نادي البلدان الديموقراطية؟