نساء تونس هن الأكثر استخداماً لوسائل منع الحمل عربياً وإفريقياً، فنسبة 62,5 في المائة من التونسيات في سن الإنجاب يستعملن وسائل منع الحمل، وهن الأكثر إقبالاً على عمليات الإجهاض في المنطقة بمعدل 35 ألف عملية إجهاض سنوياً.

هذا ما خلصت إليه مؤخراً دراسة قام بها ديوان الأسرة والعمران البشري في تونس، وهي مؤسسة حكومية تشرف على مراقبة النمو الديمغرافي والعائلي في تونس.

نساء تونس هن الأكثر استخداماً لوسائل منع الحمل عربياً وإفريقياً، فنسبة 62,5 في المائة من التونسيات في سن الإنجاب يستعملن وسائل منع الحمل، وهن الأكثر إقبالاً على عمليات الإجهاض في المنطقة بمعدل 35 ألف عملية إجهاض سنوياً.

هذا ما خلصت إليه مؤخراً دراسة قام بها ديوان الأسرة والعمران البشري في تونس، وهي مؤسسة حكومية تشرف على مراقبة النمو الديمغرافي والعائلي في تونس.

احتلال التونسيات هذه المرتبة، طرح عدة تساؤلات تتعلق بالأسباب والعوامل الاجتماعية التي تدفع بهن إلى العزوف عن الإنجاب وما في ذلك من تأثير على تركيبة المجتمع. فهل هي النتيجة الحتمية لأكثر من 60 عاماً من سياسة تحديد النسل التي وضعها الزعيم بورقيبة، أول رئيس لتونس حكم من 1956 إلى 1987. أم أن عوامل الحداثة وارتفاع كلفة المعيشة أثرا في السلوك الإنجابي للتونسيات؟

تحديد النسل والبعد التاريخي

بالعودة إلى الأسباب التاريخية التي جعلت المرأة التونسية الأكثر حرصاً على تنظيم عملية الإنجاب مقارنة بمثيلاتها في الدول العربية والإفريقية، نجد أن الإقبال المكثف للتونسيات على وسائل منع الحمل هو النتيجة الطبيعة لبرنامج تحديد النسل الذي طبقته الدولة منذ 1962، فقد أنشأت الدولة آنذاك “الديوان الوطني للتنظيم العائلي” الذي لعب دوراً مركزياً في نشر الوعي وتوفير الإمكانيات اللازمة للنساء، مثل توزيع حبوب منع الحمل عليهن، بالإضافة لتوفير العديد من الحوافز المادية لتقليص نسبة الإنجاب.

وقد كان الرئيس بورقيبة المحرك الأساسي لهذا البرنامج، حيث سخر كل مواهبه الخطابية لنشر الوعي بأهمية البرنامج والتذكير بأهمية تحديد النسل في كل المناسبات، محذراً من “خطر الانفجار السكاني على الأسرة وعلى الأمة بأكملها”، مما انعكس إيجاباً على النمو الديمغرافي الذي لا يتجاوز اليوم في تونس نسبة 1 %، مقابل2.5  % في سوريا و2.8 % في الأردن اللتين كانتا تسجلان نفس تعداد السكان (4 مليون نسمة) تماماً مثل تونس في بداية ستينيات القرن الماضي.

وفي الثمانينيات تغيرت الرؤية لبرنامج تحديد النسل وأصبح هناك توجه نحو الإدماج بين صحة الأسرة والطفل باعتماد المباعدة بين مواعيد الإنجاب، ليتم الانتقال في التسعينيات إلى مرحلة تنظيم الأسرة باعتماد وسائل منع الحمل، وهو برنامج قائم على الأمومة الآمنة قبل الولادة وبعدها.

وقد كان برنامج تنظيم الأسرة مبني برمته على الحرية، فالمرأة التونسية تتمتع بحرية اختيار مواعيد الإنجاب وحرية تحديد عدد الأطفال واستعمال الموانع، وهو ما نصت عليه المواثيق الدولية، خاصة وأن لذلك فوائد كبيرة على صحتها وصحة مولودها، لتتحول بعد ذلك إلى ثقافة مجتمعية.

وبعد ثورة 2011 شهد المجلس التأسيسي (البرلمان) الذي كان ذا أغلبية إسلامية (حركة النهضة) نقاشات حادة وصلت حد التشنج والصراخ بين النواب الإسلاميين والنواب العلمانيين حينما طرحت مسألة حرية الإجهاض للنقاش.

ففي جانفي/كانون ثان 2013  حين ناقش المجلس ضمن باب الحقوق والحريّات في الدستور الجديد مسألة الإجهاض اعترض عدد من النّواب العلمانيين على عدم إدراج حرية الإجهاض والعلاقات الجنسية خارج إطار الزّواج بمسودة باب الحقوق والحريات. الأمر الذي أثار حفيظة النواب الإسلاميين. وتم التوافق في نهاية الأمر على المحافظة على المكاسب التي جاءت بها مجلة الأحوال الشخصية في 1956.

تونس تواجه خطر الشيخوخة

ورغم أن سياسة التنظيم العائلي المتبعة في تونس كان لها دور وتأثير كبير في مستوى الرفاهية العائلية وفي تحسين الظروف الاقتصادية للعائلة وخروج المرأة للعمل، إلا أن معدل إقبال النساء على وسائل منع الحمل والإجهاض باتت تثير العديد من المخاوف على المدى البعيد.

وبدأ الخبراء يثيرون تخوفات مما أسموه بـ”التهرّم السكاني” في تونس وتراجع نسبة الشباب والأطفال، وهي مشكلة تعاني منها عدد من الدول الأوروبية منذ سنوات. ما جعلها تنزع نحو التشجيع على زيادة النسل والإنجاب حفاظاً على ديمومة مجتمعاتها.

وحسب آخر تعداد سكاني أجري في تونس عام 2014، بلغ عدد التونسيين نحو 10 ملايين و800 ألف نسمة، وتوقفت نسبة النمو الديموغرافي عند 1,03 %، بعد أن كانت عند عتبة 2,48 % في ثمانينيات القرن الماضي.

كما أشار التعداد ذاته إلى تراجع مؤشر الخصوبة في تونس، فبعد أن كان يمثل قرابة 6 % في سبعينيات القرن الماضي، تراجع إلى 4,05 % خلال السنة الحالية، وذلك نتيجة  تراجع سن الزواج.

كما تفيد الإحصائيات إلى ارتفاع نسبة العزوبية النهائية (أي عدم الزواج بالنسبة إلى من تجاوزت أعمارهم الـ 50 سنة) التي ارتفعت من 1,5 % في السبعينيات إلى 9 % حالياً، فضلاً عن ارتفاع نسبة النساء المتعلمات والناشطات التي بلغت 32 %، مما جعل طموحاتهن  تتطور ولم تعد مقتصرة على مسائل الزواج وإنجاب الأطفال فقط.

وقد نبّه الباحثون في علوم الديمغرافيا إلى ضرورة المحافظة على المستوى الحالي للنمو الديمغرافي في تونس دون النزول عنه، فهو معدل مهم لتجديد الأجيال مع المحافظة كذلك على معدل الزيادة الطبيعية للسكان الذي يتجاوز 1,1 %.

حيث تشير الإحصائيات إلى أن من تتجاوز أعمارهم الـ 60 عاماً في تونس يبلغ حاليا 11,5 %، وهو ما يثير مخاوف من التهرم السكاني وارتفاع نسبة الشيخوخة.

من ناحية أخرى دعا بعض الخبراء إلى تغيير السياسية الاجتماعية في تونس بإقرار جملة من الإجراءات للتشجع على الإنجاب، كالترفيع في منح الأطفال ودعم رياض الأطفال من ميزانية الدولة أو من جمعيات خاصة وزيادة دعم الدولة للتعليم، فضلاً عن تشجيع الشباب على الزواج بتقديم منح وقروض ميسرة دون فوائد وتوفير مساكن للطلبة المتزوجين كما هو الحال في فرنسا وألمانيا.