“أنا لا أتحدث عن أفكاري أبداً، وإنما أنفذها أولاً وأجعلها تتحدث عن نفسها”، وفق هذه القاعدة يسير أستاذ المحاسبة الشاب عماد خليفة، الذي يدير مشروعاً للتعليم المتخصص عبر شبكة الإنترنت يطلق عليه اسم “تلفزيون عماد التعليمي”، والذي صنفته مجلة أراجيك الإلكترونية في مقال نشرته في تموز/يوليو الماضي كأحد أهم المنصات التعليمية المجانية في العالم العربي.

“أنا لا أتحدث عن أفكاري أبداً، وإنما أنفذها أولاً وأجعلها تتحدث عن نفسها”، وفق هذه القاعدة يسير أستاذ المحاسبة الشاب عماد خليفة، الذي يدير مشروعاً للتعليم المتخصص عبر شبكة الإنترنت يطلق عليه اسم “تلفزيون عماد التعليمي”، والذي صنفته مجلة أراجيك الإلكترونية في مقال نشرته في تموز/يوليو الماضي كأحد أهم المنصات التعليمية المجانية في العالم العربي.

بشخصيته الهادئة والواثقة جيدة الإنصات يتحدث عن بداية مشروعه الذي استوحاه خلال بحثه عن مصادر لتعلم اللغة الإنجليزية عبر موقع يوتيوب، وقرر حينها استغلال الموقع لتوفير مادة تعليمية عبر شبكة الإنترنت لطلاب الجامعة بمدينته البيضاء (200 كلم شرق بنغازي)، بعد أن لاحظ قلة المصادر العربية التعليمية.

تفكير حر

يقول عماد لـ”مراسلون” إنه بعد نشر الدرس المصور الأول تفاجأ بعدد المشاهدات والتعليقات على مقطع الفيديو.

ولد عماد ذو الثمانية والثلاثين ربيعاً في عائلة كبيرة، كان ترتيبه فيها السابع من بين ثلاثة عشر أخاً وأختاً. درس الاقتصاد وواصل دراسته حتى نال الماجستير في المحاسبة، تقول والدته إنه كان هادئ الطباع في طفولته، ويقضي وقتاً طويلاً بمفرده في كبره.

“ربما استطعت تقديم الأشياء بشكل مختلف عما اعتاد الآخرون عليه”، هذ ما يقوله عماد مؤكداً نظرية جميع من حوله بأنه ليس تقليدياً ويحب التفكير بشكل حر وخارج الصندوق، وهذا ما يجعله يشعر بأن “الجميع ينظر إلى أفكاري بغرابة”.

تلفزيون عماد

أطلق عماد مشروعه بشكل احترافي في تموز/يوليو 2011، بعد أن طور خبرته بشكل ذاتي في وسائط التواصل الاجتماعي وكيفية ربطها واستخدامها، وحدث الطرق التي يتبعها للتسجيل والمونتاج ليفتتح مدونة “تلفزيون عماد التعليمي”، التي استخدمها كوسيلة مجانية لعرض جميع الدروس في مكان واحد، وقام بربطها بوسائط التواصل الاجتماعي، كتويتر، وفيسبوك، وجوجل+.

حين تزور تلفزيون عماد التعليمي فأنت تدخل قسماً متخصصاً بكلية الاقتصاد، دون أن يتطلب منك الأمر الخروج من المنزل أو حمل كتب أو أقلام، حيث تجد تبويبات المواد والمقررات مرتبة بشكل واضح، وتمكنك الروابط من الانتقال لموقع يوتيوب لمشاهدة الدروس المصورة بالفيديو.

تنمية بشرية

وبعد إطلاق منصته التعليمية نفذ عماد وطور ورش عمل محلية، وأنتج سلسلة من الدروس التدريبية المصورة بعد اعتماده ميسراً لورش عمل بريدج (مشروع بريدج لتوفير موارد في الديمقراطية والحكم والانتخابات) في عام 2012.

كما قام بتصميم حقيبة تدريبية متكاملة حول تصميم برامج التوعية المدنية 2013، وهي الأولى من نوعها باللغة العربية. والتحق بمجموعة “مدونات عربية” تحت إشراف فرانس 24 ومونت كارلو، ونشر بعض المقالات العلمية في مجال التدريب، والتنمية البشرية، والمجتمع العربي في مدونة رسائل مع عماد خليفة. وتعاون مع الإذاعة المحلية بمنطقة الجبل الأخضر لإعداد وتقديم برنامج مسموع بُث في أغسطس/آب الماضي بعنوان رسائل مع عماد خليفة، والتي يسعى لنشرها عبر وسائط التواصل الاجتماعي.

أفراد أسرته الذين تحدث إلى بعضهم “مراسلون” يعتقدون أن تنشئته مبكراً وسط الكتب سبب لتميزه حتى بين أفراد العائلة، كما يؤكد البعض منهم أن انفتاحه على ثقافات العالم بقضائه سنوات في بريطانيا وماليزيا حمل إضافة لما لديه مما يصفونه “تميزاً وتفرداً في التفكير والتصرفات”.

نشاطات عماد التعليمية العلمية لم تتوقف عند هذا الحد، فقد أطلق في أيلول/سبتمبر 2014 مشروع “تواصل مع قسم المحاسبة” من خلال تأسيس مدونة علمية لقسم المحاسبة في كلية الاقتصاد بجامعة عمر المختار بالبيضاء، وتحوي مكتبة إلكترونية وقسماً للتعليم بالفيديو. كما يشرف حالياً على الصفحات الخاصة بالكلية في فيسبوك، ويعمل على تطوير وتدريب أعضاء هيئة التدريس بالكلية على كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في التعليم.

قوالب قاتلة للإبداع

احتكاك عماد المباشر بالشباب من خلال الدورات التدريبية التي يقدمها ساعده على تشخيص أهم المشاكل العامة للشخصية القيادية الليبية، فهم بحسب وصفه “مغرقون في الخطابة، ويحبون الأضواء، ويعاني أغلبهم مشاكل في العمل الجماعي، وإدارة فرق العمل، كما أنهم عاطفيون وتنقصهم الموضوعية والخبرة”، دون أن يهمل أنه التقى كثيراً من الشخصيات الرائعة والتي استفاد منها.

“تفاعلي مع الشباب في مجال التدريب منحني فرصة لاكتشاف الناس بشكل مختلف، والمتدربون يكتشفون أيضا أشياء كثيرة لديهم لم يدركوها من قبل. نهاية كل تدريب أشعر بأنها البداية لبعض المتدربين في تغيير حقيقي في حياتهم، وأرى ذلك جيداً في عيونهم ومصافحاتهم الحارة”.

بحسب عماد فإن “الشباب في ليبيا يعيشون مشاكل كثيرة ومغرقون في القوالب التقليدية والشكليات القاتلة للإبداع، فضلاً عن التناقضات التي  يعيشونها لكثير من المفاهيم الأخلاقية، والعادات والسلوكيات”.

“برأيي هم بحاجة إلى مساحة أكبر للحوار”، يقول عماد مشدداً على دور المجتمع في خلق بدائل أكثر للاختيار، وتطوير طرق التعليم، لإحداث تغيير اجتماعي واقتصادي في طبقة الشباب.

عماد الدولي

أخته أسماء وهي أستاذة جامعية تعتقد أن أبرز ما يجعل من عماد شخصية قيادية هو عدم وجود أي نزعة عدوانية لديه منذ كان صغيراً، وتضيف “خلافاً لباقي أقرانه من الأطفال لم يكن عماد يحبذ الخروج إلى الشارع أو اللعب والتسكع، وكثيراً ما كان يشتري من مدخراته قصصاً ومجلات للأطفال، يقرأها ويشاركنا إياها”.

“عندما يسأله أحد عن جنسيته يقول: أنا دولي”، تقول أسماء ضاحكة، وتؤكد أنه غير متعصب، ويتقبل الآخر. “وعندما كنا صغاراً في بداية العام الدراسي كان يقضي ساعات طويلة في مساعدتنا على تغليف كتبنا وكراساتنا المدرسية، لأن العطاء بلا مقابل هي إحدى مزاياه”، بحسب شقيقته.

يقول عنه هشام زكاغ المستشار بالأمم المتحدة في قضايا الدستور والانتخابات والذي سبق أن التقى عماد في أحد برامج الأمم المتحدة إنه “يمنحك عربون ود منذ الانطباع اﻷول، له حضور مميز، مجتهد جداً، لديه شخصية مدرب لطيفة تجذبك باستمرار”.

قطار مشاريع عماد على ما يبدو لن يتوقف، فهو مهتم حالياً بالعمل على تطوير طرق التدريب والتعليم وتنمية الموارد البشرية، واستخدام الوسائل غير التقليدية في التعليم، وتبسيط المعارف، وتصميم برامج التوعية المدنية، والتشجيع على العمل التطوعي.