الشاب الذي كان يزعج خصومه العلمانيين لم يعد يتكلّم بتلك القوّة والفصاحة، فلا هو يخطب على المنابر ولا هو يقود الخيمات الدعويّة. وهو أيضاً لم يعد ناطقاً رسميّاً في تنظيم أنصار الشريعة الذي صنفته الحكومة التونسيّة تنظيماً إرهابيّاً.

حالياً يقضي أطول فترة إيقاف بعد 14 جانفي/كانون ثان 2011. في حين تتمسك والدته بقوله “ابني ليس إرهابيّاً”.

الشاب الذي كان يزعج خصومه العلمانيين لم يعد يتكلّم بتلك القوّة والفصاحة، فلا هو يخطب على المنابر ولا هو يقود الخيمات الدعويّة. وهو أيضاً لم يعد ناطقاً رسميّاً في تنظيم أنصار الشريعة الذي صنفته الحكومة التونسيّة تنظيماً إرهابيّاً.

حالياً يقضي أطول فترة إيقاف بعد 14 جانفي/كانون ثان 2011. في حين تتمسك والدته بقوله “ابني ليس إرهابيّاً”.

تحتفظ محركات البحث على الإنترنت بصورة الشاب الغاضب دوماً، الذي تغطي لحيته السوداء نصف وجهه، وملابسه التي تراوح بين اللّباس الشرقي الأبيض والزّي الرياضي البسيط. بخلاف والدته التي تحتفظ له بصورة الابن المتفوّق في دراسته، والمسالم مع خصومه بما فيهم أعوان الأمن الذين داهموا منزله.

توازياً مع تحقيقه الرقم القياسي في التناول الإعلامي، فإن سيف الدّين الرايس الذي تلاحقه تهم الإرهاب منذ سنة 2005 حقق أعلى نسب الإيقافات، وعددها 6 بعد الثورة. منها إيقافات لم تدم يومين، تضاف إليها استدعاءات متتالية إلى مراكز الأمن في العاصمة تونس وفي محافظة القيروان مسقط رأسه.

قبلها حقق الرايس أرقاماً قياسيّة في رياضة ألعاب القوى مع المنتخب الوطني في رياضة المشي سنة 1999. حينها كان في السابعة عشر من عمره. ولم تكن الرياضة هوايته فقط، بل حولها إلى تخصص أكاديمي، ثم مهنة في فيفري/شباط 2014.

يواجه الشاب السلفي الموقوف على ذمة التحقيق تهمة التحريض على العنف. السبب هو شريط فيديو تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه الرايس خطيباً بأسلوب قوي ولغة فصيحة حول الأحداث الجارية في سوريا، وربطها بالوضع في تونس. بينما يقول محاموه إن الفيديو سُجل قبل تصنيف تنظيم أنصار الشريعة تنظيماً إرهابياً سنة 2013.

طالب الحقوق ضد القوانين

الشاب الذي تفوّق في مناظرة البكالوريا الوطنيّة كان قد اتجه لدراسة القانون بكليّة 9 أفريل بالعاصمة تونس سنة 2002، وهي نصيحة أستاذه ورغبة والده. ولكن بعد عام من الدراسة قرّر تغيير الاختصاص.

والسبب، كما تقول والدته، هو أنه “لا يريد أن يكون قاضياً يحكم بغير إرادته، ولا محامياً يدافع عن الظلم”. وكان هذا القول شائعاً قبل الثورة في ظل تحكم النظام السابق في القضاء. ونفس القانون الذي درسه الرايس يحُاكم به اليوم، ويرافع عنه 12 محامياً.

لكن وبشكل أدق فإن الفكر السلفي، الذي ينتمي إليه الرايس ويمثله، لا يعترف بالقوانين “الوضعيّة التي تخالف الشريعة”. 

وبعد تخرجه احتفظ بصفة رياضي لنفسه، فلا هو حصل على وظيفة حكوميّة، ولا دُعي إلى المشاركة بنشاط رياضي رسمي؛ فالأبواب التي طرقها ظلت موصدة في وجهه بسبب شبهة الإرهاب التي ظلت تلاحقه.

كان والداه يأملان أن يحصل على وظيفة ليساعدهما في التكفل بدراسة أشقائه وإتمام بناء منزل العائلة، لذلك قرر بيع الحليب ومشتقاته.

يذكر والداه أوّل مرّة تم فيها إيقاف ابنهما سنة 2005، يومها أنهى إجراء الامتحان بمعهد الرياضة. وتم سجنه ولم يُطلق سراحه إلا بعد سنتين و8 أشهر. وقد حوكم بسنتين سجناً إثر استئناف حكم بـ 6 سنوات. بقي الشاب المتهم بالإرهاب في نظام قبل الثورة تحت المراقبة الأمنيّة. وكانت والدته تصاب بالذعر كلما طرق الأمن باب منزلها.

بعد ثورة 14 جانفي/كانون ثان 2011، استطاع الرّايس أن يجمع حوله عدداً كبيراً من “شباب الصحوة الإسلامية” ومن يعرفون بالشباب السلفي.

بدأ هؤلاء نشاطهم بالشارع عبر تعقب اللّصوص بالليل، وسط الفراغ الأمني واستشراء العنف والسرقة. ثم بسطوا نفوذهم على المساجد وسيطروا عليها “لحث الشباب على حفظ القرآن والتفقه في الدين”.

بعد ذلك قام هؤلاء الشباب بطرد إمام أحد المساجد بتهمة الانتماء إلى النظام السابق وتزكية سيف الدين الرايس ليكون خطيباً.

مع أوّل عمليّة إرهابيّة شهدتها البلاد، تحديداً في مارس/آذار 2011 في حكومة الباجي قائد السبسي، عاد التتبّع الأمني ضد الرّايس للمرّة الأولى. ثمّ تكرّرت الإيقافات وتحوّلت من المداهمة إلى طلب المرافقة. تقول والدته: “لم يكن يهرب يوماً. وكان يحاورهم ثم يذهب معهم.” بينما يقول والده إنه كان “يقظاً ويطلب من الشرطة إظهار الإذن الرسمي بالإيقاف”. مستفيداً من دراسة القانون ونصيحة المحامين.

ناطق رسمي

من خلال خطبه الدينيّة التي يصفها خصومه بأنها تحرض على العنف، ومن خلال دقّة التنظيم واتساع عدد الملتحقين بتنظيم “أنصار الشريعة”، قبل منع نشاطه وتصنيفه من قبل حكومة النهضة الإسلامية كتنظيم إرهابي، أصبح الرايس شخصيّة محوريّة في القيروان.

في مؤتمر أنصار الشريعة سنة 2012، لم يظهر الرايس بشكل قوي. حضر يومها بزي رياضي بسيط. ولم يظهر له دور مباشر في التنظيم أو في المداخلات على خلاف شبان آخرين من القيروان اعتلوا المنصة، وقدموا خطباً وأشعاراً. ومن القيروان رفع هؤلاء شعار “أوباما (الرئيس الأمريكي) كلّنا أسامة (بن لادن)”.

في الملتقى الثالث لأنصار الشريعة في ماي/أيار 2013، تحوّل الرايس من الصف الأول محلّيّاً إلى الصف الأوّل وطنيّاً. وأصبح الناطق الرسمي نيابة عن سيف الله بن حسين، الملقب بأبو عياض (قائد التنظيم والمتهم الرئيسي باغتيال الزعيم اليساري شكري بلعيد).

المهمة الجديدة خوّلت له حضور برامج تلفزيّة وإذاعية، والحديث باسم التنظيم. وتصدرت صوره وتصريحاته وسائل الإعلام المقروء، خصوصاً خلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن ملتقى التنظيم.

صبيحة يوم 19 ماي/أيار تم إيقاف الرايس إثر قرار من وزارة الداخليّة بمنع إقامة الملتقى. والسبب هو تصريحاته التي وجه خلالها تهديدات للمؤسسة الأمنيّة في حال منعت الملتقى.

تصنيف تيار أنصار الشريعة تنظيماً إرهابيّا نتج عنه منع أنشطته مثل الخيمات الدعويّة، ثم عزله من منبر خطبة الجمعة.

سيّارات أمنيّة في المنزل

تعرّض الرايس إلى الإيقاف حوالي 6 مرات، وفي كل مرّة يطلق سراحه. يحمل الشاب تفاصيل كثيرة من وجه أبيه رغم الضعف الظاهر على جسمه ووجهه وبياض لحيته المهذبة. ويذكر الوالد محمد كيف تم إيقاف ابنه خلال عقد قران شقيقته قبل الثورة بسبب حضور نساء منقبات إلى المنزل.

وفي مارس/آذار 2014 تم إيقافه يوم زفاف شقيقه بسبب قضية الاستيلاء على منبر دون رخصة. الأمر الذي اعتبره والده “معكراً للفرحة”. ويقول: “تأتي سيّارات كثيرة وتعزيزات لإيقافه”.

الرياضي الفقير

على خلاف التهم ونظرة الخصوم، تستظهر والدته العديد من الشهادات والجوائز والميداليات التي اختلطت مع كتب الفقه. وتقول “ابني ليس عنيفاً، ويرفض المشاكل”، وإنّه يسخر وقته لتلامذته.

تضيف وهي تمسك بين يديها آخر جائزة حصل عليها في شهر ماي/أيار 2014: “ابني رياضي وحالم واجتماعي وهو ليس إرهابي”، وتعطي أمثلة على ذلك عدم ثأره من الذين سجنوه وعذبوه وهو يراهم أمامه.

يقيم سيف الدين الرايس منذ نحو شهر بسجن الإيقاف، في غرفة صغيرة معزولة لا أحد معه. والسبب أنّ إدارة السجن تخشى وضعه مع مجموعة “فيؤثر فيهم بفكره”، كما قال والده.

والدته تصف ابنها وحالته قائلة: “لقد تعرض إلى ضغط وظلم ولكنه صبر”. وتضيف: “صنعوا منه إرهابيّاً بتهم غير صحيحة”.

المضايقات والمحاصرة الأمنيّة دفعت العائلة إلى التفكير في الهجرة. وقال والد سيف إنه طلب من ابنه الهجرة ليعيش بعيداً عن الضغوطات، ولكنه كان يرفض ويخبرهم أنه اختار طريقه في الحياة “ليدافع عن قناعاته”.

“لو أنه يفعل أمراً غير لائق، فلن أدعه أنا” تقول والدته وهي تتحدّث عن الأمراض التي أصيب بها ابنها المتهم بالإرهاب أثناء فترات اعتقاله في السجن، بعضها جلدي وبعضها باطني.

وينتظر أن يُعرض سيف الدين الرايس على المحكمة. بالمقابل، تجندت هيئة مكونة من 12 محامياً للدفاع عنه، ويتمسّك محاموه بأن هذه المحاكمة سياسية.