منير الطرابلسي، تلميذ من جزيرة جربة (540 كلم جنوب شرق) اعتقلته الشرطة التونسية مع خمسة آخرين على خلفية مشاركتهم في مظاهرات حاشدة للمطالبة بحق العيش في مناخ خالٍ من التلوث الهوائي. لم يثنه صغر سنه عن الانضمام لآلاف المواطنين المشاركين في المظاهرات.

مشاركة منير في هذه التحركات كانت بدافع رفض واقع بيئي مفروض على الجزيرة، وعدم قبول المرور برفقة زملائه التلاميذ بجانب الأطنان من الفضلات تنبثق منها الروائح الكريهة وأصبحت ملجأ جميع أنواع الحشرات.

منير الطرابلسي، تلميذ من جزيرة جربة (540 كلم جنوب شرق) اعتقلته الشرطة التونسية مع خمسة آخرين على خلفية مشاركتهم في مظاهرات حاشدة للمطالبة بحق العيش في مناخ خالٍ من التلوث الهوائي. لم يثنه صغر سنه عن الانضمام لآلاف المواطنين المشاركين في المظاهرات.

مشاركة منير في هذه التحركات كانت بدافع رفض واقع بيئي مفروض على الجزيرة، وعدم قبول المرور برفقة زملائه التلاميذ بجانب الأطنان من الفضلات تنبثق منها الروائح الكريهة وأصبحت ملجأ جميع أنواع الحشرات.

الفضلات المنزلية الملقاة على حافة الطرق لمدة أيام دون رفعها، كان السبب الذي دفع المواطنين إلى الاحتجاج على الحكومة، فالخوف من انتشار الأمراض والأوبئة جراء القاذورات التي سينجم عنها فقدان موارد الرزق في حالة مغادرة السياح، أجبر السكان على تصعيد تحركاتهم لإجبار السلطات على إيجاد حلول عاجلة لكارثة إنسانية ستحلّ بالجزيرة.

تحولت جربة، التي يصفها الأوروبيون بجزيرة الأحلام، يوم 18 أيلول/سبتمبر إلى مسرح مواجهات عنيفة بين المواطنين وقوات الأمن. إضراب عام ساهمت فيه أغلب القطاعات المهنية بالجهة.

وعود الحكومة

كان الهدف من تنفيذ الإضراب لفت نظر حكومة المهدي جمعة إلى الأوضاع البائسة على الجزيرة، وإلزامها بتنفيذ وعود الحكومة السابقة. لكن عجز السلطات عن الاستجابة الفورية لمطالب المحتجين، خلق حالة احتقان في صفوف الأهالي تحولت من تحركات سلمية إلى اشتباكات دامية مع عناصر الشرطة الذين قاموا بتفريق المتظاهرين مستخدمين الهراوات والقنابل المسيلة للدموع.

تسيطر الحيرة على قرارات السلطات التونسية، فقد رفض أهالي الجزيرة جميع الحلول المقترحة من الحكومات المتعاقبة على الحكم بعد الانتفاضة التي أطاحت برأس النظام السابق في 2011.

قبل ثلاث سنوات استجابت وزارة البيئة التونسية لمطالب أهالي منطقتي “قلالة” و”رسغين” (جنوب غرب الجزيرة)، وقررت غلق مكب النفايات المنزلية “مليتة” الذي أنشئ سنة 2007 قرب منازلهم، ويمتد على مساحة تناهز 29 هكتاراً، وبات مصدراً للتأثيرات السلبية على البيئة وصحة المواطن. قرار غلق هذا المكب وعدم إيجاد بديل له، تسبب في تعطل عمليات تصريف الفضلات والتمكن فقط من نقل جزء منها خارج الجزيرة.

السياحة تتضرر

تذمر السكان والسياح خلال الموسم السياحي من مشهد القمامة المنتشرة في كل مكان والمطالبة بإخراجها من الجزيرة، أوحى لرئيس الحكومة المهدي جمعة بمحاولة ما فشل فيه حمادي الجبالي الذي ترأس أول حكومة بعد انتخابات 23 تشرين أول/أكتوبر 2011. وسمح بإعادة فتح مكب منطقة “قلالة” لتفادي الإشكال البيئي إلى حين إنجاز مشاريع جديدة للتصرف في النفايات بالاستعانة تقنيات حديثة.

إجراء مؤقت رفضه أهالي الجزيرة الذين اشتبكوا قبل شهرين مع قوات الشرطة رفضاً لإعادة فتح المكب من جديد. وفي هذا الصدد يقول أستاذ التعليم العالي والناشط المدني المقيم بجزيرة جربة محمد قوجة: “الحلّ المؤقت سيبقى حلاّ منقوصاً، والحلّ الجذري العاجل هو بلا شك إنجاز المنشآت التقنية لحرق أو رسكلة النفايات”.

لكن الحلّ الحقيقي في نظره لا يكون إلا بالاتعاظ من الأزمات والسعي إلى تغيير جذري لسياسات التهيئة العمرانية في جزيرة جربة، بوضع حدّ فوري لكل برامج الاكتساح العمراني لريف جربة.

ويشير قوجة في حديثه لمراسلون، إلى أن جزيرة جربة منظومة خاصة جداً، حُمّلت فوق طاقتها، فهي لا تحتمل أن تتحول إلى مدينة، بل هي ريف متحضر وواحة تواكب الحضارة، “حمّلناها الضغط العمراني والمعماري والاستثماري والاجتماعي، فساءت أحوالها”.

التصحر يهدد أيضاً

ويؤكد أن النفايات في جربة ليست المشكلة الوحيدة، فالتصحر والتلوث “اجتاحا البحر والبر والعقول أيضاً”، معتبراً أنه لو تواصل هذا النمط التعميري و”اللاتنموي”، فإن مصير الجزيرة سيكون كارثياً”.

وتشير الناشطة والمدونة  لينا بن مهنى (أصلها من جربة) في لقائها مع موقع مراسلون أن السلطات التونسية لم ترد على نداءات استغاثة الأهالي الذين يعانون من وضع لا يطاق، خاصة على المستوى الصحي. وتؤكد أن أهالي جربة مسالمون، لكن الحكومة تسارع دائماً للحلّ الأمني، وتعتبر جميع مظاهر الاحتجاج نوعاً من الهمجية سيؤدي للفوضى.

وتستدرك قائلة: “لجأت حكومتنا للحلول السهلة المتمثلة في القمع الأمني وإجبار الأهالي على العودة إلى منازلهم، دون معالجة هذه القضية بالجدية اللازمة”. مضيفة أنه كان من الضروري فتح تحقيق في مدى جدية وكفاءة المسؤولين الجهويين والمحليين لحلّ أزمة النفايات في جربة.

أزمة ثقة

ساهم هذا الوضع البيئي المعقد في خلق أزمة ثقة بين الحكومة ومكونات المجتمع المدني، وتململ لدى أصحاب الفنادق والوحدات السياحية والمشاريع التجارية بلغ درجة “التمرد”، فقد قرر الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة (منظمة الأعراف) الامتناع عن دفع الضرائب للدولة إلى حين انتهاء أزمة الفضلات على الجزيرة. كما دعا الاتحاد المواطنين إلى مقاطعة الانتخابات التشريعية والرئاسية، لكن هذه الدعوة لم تجد أي تفاعل إيجابي من طرف أغلب التنظيمات السياسية.

وفي السياق ذاته طالب مرشح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة أحمد نجيب الشابي السلطة المركزية بتحرك عاجل لإيقاف الكارثة البيئة التي يعيشها المواطنون، والتي تهدد بنشر الأوبئة مع موعد هطول الأمطار في الأيام القادمة.

وجدد الجمهوري في بيان صادر عن مكتبه الإعلامي دعوة الرئيس الحالي محمد المنصف المرزوقي، بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة، بإصدار الأمر لقوات الجيش بالتحرك وتقديم المساعدة للأهالي في جربة، ريثما تتكفل السلطات بحلّ المشكلة العقارية لمكب “مليتة” وتشغليه وإحداث مكبات مماثلة لتحويل الفضلات المنزلية إلى أسمدة نافعة دون الإضرار بالبيئة المائية والجو.

تواصل اعتقال بقية الموقوفين، أثار جدلاً حقوقياً واسعاً دفع بأكثر من 100 محامٍ للتطوع دفاعاً عنهم. عن هذه النقطة تقول المدونة والناشطة الحقوقية ابنة جربة، لينا بن مهنى لمراسلون، إنه لا يوجد أي مبرر لوضعهم في مراكز الإيقاف والإصرار على محاكمتهم. وقد “كان من الأجدر ملاحقتهم قضائياً دون اعتقالهم، لامتصاص غضب الأهالي وتهدئة الأوضاع وتفادي تضاعف حالة الاحتقان”.

كما حدث مع منير الطرابلسي، فعدم تجاوزه سن 16 حال دون ابقائه أكثر من 24 ساعة في مركز الحجز، وإحالته إلى قاضي الأطفال الذي قرر إخلاء سبيله وتسليمه إلى والديه.