” … الحرية هي حرية أن يقول المرء أن اثنان زائد اثنان يساوي أربعة، وإن كان ذلك مسلم به فكل شيء بعد ذلك متاح “، هكذا يقول ونستون بطل رواية أوريل 1984، وظيفتة في وزارة الحقيقة كما يرد في الرواية ذائعة الصيت، كانت تزوير التاريخ وإعادة خلق الوعي المجتمعي وفق إرادة الحزب والقائد.

” … الحرية هي حرية أن يقول المرء أن اثنان زائد اثنان يساوي أربعة، وإن كان ذلك مسلم به فكل شيء بعد ذلك متاح “، هكذا يقول ونستون بطل رواية أوريل 1984، وظيفتة في وزارة الحقيقة كما يرد في الرواية ذائعة الصيت، كانت تزوير التاريخ وإعادة خلق الوعي المجتمعي وفق إرادة الحزب والقائد.

وما يحدث في ليبيا اليوم ليس بعيداً عن هذه القصّة، حيث أصبح الجميع يتحدثٌ لغةً يقصد بها شيئاً لتعني بعد الترجمة شيئاً آخر، ابتداء من مسلسل إعادة التسمية التي ورثناها كعادة الشعوب التي تحل مشاكلها بالصمت، فبدلاً من الاكتفاء بأن ما حدث الأول من سبتمبر كان ثورةً فاشلةً، اتّجهنا الى وصفها بذات النعوت التي كان يصف بها القذافي نفسه عهد المملكة الليبيّة، وأعدنا تسميته بالنظام البائد رفقة أوصاف أخرى.

وبدلاً من أن نتحدّث عما نريد فعله بعد دفن جثّة النظام، بقينا نداوم على غسل الجثّة الميتة نحملها ونلقي عليها كل ما نفعله من أخطاء وجرائم في حق أنفسنا،  فتحول الجميع يتحدّثون لغةً جعلت الآخرين جميعاً ضائعين في الترجمة.

عبر الملفات الكبرى في ليبيا اليوم نقرأ عن دعاة الفيديراليّة وهم يتحدّثون عن نظامٍ معمول به في الكثير من الدول التي لا تخاف التقسيم مطلقاً، لكن الترجمة السيئة الناتجة عن سوء العرض والفهم المبني على توقع سوء النيّة، أوصل الى فهم الأمر برمّته كونه لا يتعدى مسألة الإستحواذ على سلة النقود التي لا تملؤها في ليبيا إلا أنابيب النفط في الهلال النفطي المقارب على النضوب، الاستثمار الأكثر مدعاة للندم والسخريّة أيضاً، لنفهم أن الفيديراليّة تعني التقسيم.

وكذلك دعاة تطبيق الشريعة والتي تعني العدل، الحق والكرامة الإنسانيّة، قرأها هؤلاء عبر ترجمة أخرى سيئة لتصبح فقط تغليب مذهب بعينه دون سواه من المذاهب وتصوّرٍ ساد لأسباب لا تمت له بصلة مقدار صلته بالظروف السيئة التي مرت بها ليبيا على امتداد تاريخها، ليصبح معنى تطبيق الشريعة إعلان نهاية التاريخ وتحول المجتمع إلى جماعتين من المسلمين والكفار فقط لا غير، إضافة الى دولة لا مبرر لوجودها.

ليأتي دعاة الحق الأمازيغيّ والتي هي مسألة ثقافيّة صرفة، تؤسس لمعنى الملكية المشتركة للأرض والتاريخ، وبدلاً من الحديث عن التعايش السلمي بين الليبيّين جميعاً وفق كونهم ليبيّين فقط لاغير، اتّجه الجميع نحو ترجمة سيئةٍ أخرى تحول الشعب إلى جماعاتٍ عرقيّةٍ، جماعات تتقاتل على شرف نيل أسلاف لا يمكن لأحد أن يخبرنا ماذا كانوا يسمّون أنفسهم، شرف نيل هؤلاء اسم السكان الأصليّين، قبالة صفة الضيوف غير المرغوب بهم في علاقة منشأها الكراهية فقط لا غير.

وفي نهاية المطاف عبر كل هذه التراجم يتحوّل الشعب إلى قطيع من السماسرة، يتقاتلون مستخدمين الكلمات النابية وتهم الخيانة لتسير ليبيا نحو إعادة سيناريو لا علاقة له بالذي يحدث في تونس ومصر، سيناريو لا يحتاج الى تحليل عميق لمعرفة الى أين سيؤدي بنا.

وهو ذات السيناريو الذي حدث في أوكرانيا التي بقيت لأكثر من عقدين في مرحلة انتقاليّة بعد سقوط تمثال لينين وبيعه في سوق الخردة، لتبقى أوكرانيا حتى اليوم لينينيّة بجدارةً.

وليس أبسط من إعادة رسم الصورة من حديث لشخص يحمل صفة شبه رسميّة في ليبيا ما بعد الثورة، يعلن في إحدى قنوات ليبيا الحرة أن ” .. من تحزب خان” (المحرر: إحدى مقولات القذافي)، في محاولة لتبرير الفشل السياسي الحاصل اليوم، والذي يمكن أيضاً قراءته عبر سيناريو آخر حدث قبل أكثر من ثلاثين عاماً في بلغاريا تحديداً بعد نهاية الخريف السوفياتي، لتتحول من دولة فاسدة ومستبدّة، الى دولة لصوص، فاسدة ومستبدّة أيضاً.

وهي ترجمة أخرى يبدو أن الليبيّين سيبقون ضائعين فيها لمدّةٍ ليست بالقصيرة سبب كون سور برلين لا يزال قائماً لا في برلين بل في طرابلس.