رغم الكلمات المنمقة وعبارات الترحيب التي يحاول رجال السياسة في تونس إظهارها عند الحديث عن النساء المترشحات للرئاسة إلاّ أن بعضهم لا يخفي ضيقه خاصّة وأن إحداهن وهي القاضية كلثوم كنو تحوز على إعجاب الرأي العام وتبدو خصما عنيدا قد يطيح باي توافقات “رجالية” محتملة.

السيدة المقاتلة

رغم الكلمات المنمقة وعبارات الترحيب التي يحاول رجال السياسة في تونس إظهارها عند الحديث عن النساء المترشحات للرئاسة إلاّ أن بعضهم لا يخفي ضيقه خاصّة وأن إحداهن وهي القاضية كلثوم كنو تحوز على إعجاب الرأي العام وتبدو خصما عنيدا قد يطيح باي توافقات “رجالية” محتملة.

السيدة المقاتلة

“لن أقبل كمواطنة تونسية برئيس توافقي لأنه لن يكون رئيسا للتونسيين وإنما خادما مطيعا للدوائر الامبريالية”. بهذه الكلمات تبرّر كلثوم كنو رئيسة جمعية القضاة التونسيين سابقا إعلانها عن ترشّحها للانتخابات الرئاسية القادمة ليوم 26 تشرين الأول/اكتوبر 2014.

هي لا تخفي أنها تردّدت في البداية كثيرا قبل الإقدام عن هذه الخطوة. لكن “اجتماع معظم رؤساء الأحزاب السياسية مع السفير الأميركي وإعلان حركة النهضة لاحقا عن مبادرة المرشح التوافقي دفعاني لحسم موقفي وإعلان ترشّحي”.

وتضيف “بدا الأمر مستفزا وكأن بعض السياسيين هم بصدد حياكة مؤامرة ضدّ التونسيين وضدّ إرادتهم الحرّة وخياراتهم الديمقراطية وفرض نوع من الوصاية السياسية ولن أسمح بأن يفرض رئيس تونس القادم من بعض الاحزاب”.

كنو المولودة سنة 1959والأم لثلاثة اطفال اعتادت على خوض المعارك السياسية منذ أن التحقت بسلك القضاء سنة 1989. وتعرّضت لشتى المضايقات خلال عملها كقاضية كالنقل التعسفي المتكرر الذي جعلها تجوب البلاد بطولها وعرضها، إلا أنها تقول إنها معتادة على المواجهة.

وتؤكد أنها لن تتراجع في الدفاع عن حظوظها في الانتخابات الرئاسية وأنها فضّلت “الترشّح المواطني” عبر الحصول على دعم 10 آلاف مواطن كما ينصّ القانون، لأنها لا تريد الاحتماء باي لوبي سياسي أو مالي.

وفيما يتعلّق بدعم حملتها الانتخابية تقول كنو “لا املك الاّ راتبي الشهري لأموّل به حملتي” مضيفة بثقة: “أعتقد أن أي مترشح يصرف مبالغ هامة وملحوظة هو في حقيقة الأمر لا يصلح لتسيير الدولة، فالغاية من الحملة الانتخابية هي تحسيس المواطن وتبليغه البرنامج الانتخابي حتى بوسائل بسيطة”.

بالنسبة للقضايا التي تركّز عليها كلثوم كنو في برنامجها الانتخابي فهي القضايا الأمنية ومحاربة الإرهاب ودعم الاقتصاد والتشغيل وترسيخ مفهوم العدالة والدعوة لاحترام صلاحيات رئيس الجمهورية المنصوص عليها بالدستور.

“كوني جميلة واصمتي”

أواخر تموز/يوليو 2014 تفاجأ الرأي العام في تونس بسيدة حسناء تعلن عبر صفحتها الخاصّة على موقع التواصل الاجتماعي “فايس بوك” اعتزامها الترشّح للانتخابات الرئاسية القادمة تحت شعار “لا يقف ورائي لا أحزاب ولا رؤوس أموال. معي محبتكم وصدقكم. أنا بنت الشعب منكم واليكم”.

ليلى الهمامي هي رابع امرأة تترشّح للمنصب في سابقة تاريخية تعيشها تونس هذه الأيام، ولكن على عكس بقية المترشحات تعتبر الأستاذة الجامعية والخبيرة الدولية في مجال الاقتصاد والتنمية الحاصلة على الدكتوراه في الاقتصاد والتجارة من جامعة “السوربون” سنة 2001  والمستشارة لدى منظمات اقتصادية دولية، والتي كانت تقيم بلندن قبل الثورة، غير معروفة لدى أغلب التونسيين. إذ لم يعرف لها سابقاً نشاط سياسي أو حقوقي يذكر، وحتى بحوثها العلمية ونشاطاتها الأكاديمية لا يعرف عنها التونسيون شيئا.

وكانت الهمامي أحدثت ضجة يوم 9 حزيران/يونيو 2014 ، عندما أعلنت على صفحتها الخاصّة أنه سيقع تصفيتها جسديا بعد حيازتها لملفات فساد تدين البنك الافريقي للتنمية ومقره تونس والذي كانت تعمل فيه كمكلفة آنذاك بملف المديوينة لتونس.

الهمامي تصرّ على أن عملها في هذه المؤسسة الإفريقية جعلها تكتشف ملفات فساد كبيرة طاولت كلا من تونس وليبيا ومصر من خلال تعمد البنك اطلاع جهات اسرائيلية على ملفات المديونية لكل من الدول الثلاثة وهو ما يتعارض كما تقول مع كل الاتفاقيات الدولية.

حديث الهمامي عن التهديدات بالقتل التي تصلها وعملية التصفية التي قد تستهدفها دفع بالكثيرين الى التعاطف معها، كما أن حديثها بإسهاب عن فساد البنك الافريقي واعماله المشبوهة في المنطقة الافريقية لفت أنظار الاعلام لها. فكانت معركتها مع هذا البنك ومسؤوليه هي التي ستصنع لاحقا شهرتها.

لكن وكما كان هذا البنك سبب شهرتها كان سببا في تأليب الرأي العام ضدّها واتهامها بالعنصرية.

ففي بداية حربها الكلامية ضد البنك على مواقع التواصل الاجتماعي لم تجد الهمامي حرجا في التفوّه بعبارات عنصرية، والإشارة إلى لون بشرة الأفارقة الأسود والقول بأنهم عبيد.

ورغم أنها حاولت التنصّل من تهمة العنصرية عند اعلان ترشّحها للرئاسة، إلاّ أنها لم تفلح في ذلك وبقيت تهمة العنصرية تشهر في وجهها أينما ذهبت، حتى أن بعض المعلقين على الانترنيت تداولوا عبارة “كوني جميلة واصمتي” في معرض الرد على تصريحاتها.

وتصرّ الهمامي على أنها ستعوّل على مواردها الذاتية في تمويل حملتها الانتخابية، كما تؤمن بقدرتها على تجاوز أخطاء الأحزاب التي عانى منها الشعب منذ الثورة كما أنها تؤكّد أنها امرأة قادرة على “لم شمل شعب بدا في التفكّك”.

ليلى الهمامي اعلنت كذلك انها من أصول امازيغية وبالتحديد أصيلة مدينة قفصة او “كبسا” الامازيغية في الجنوب التونسي ولذلك هي تؤكّد أنها الابنة الشرعية لتونس قائلة “أنا الابنة الطبيعية لتونس اليوم وجها وفكرا، قلبا وعقلا!”. ولكن هل يكفي ذلك السيدة الفاتنة لمنافسة “الحيتان الكبيرة” والظفر بمنصب الرئيس؟

منصب الرئيس لهزم الإرهاب

أعلنت بدرة قعلول ترشّحها للانتخابات الرئاسية القادمة منذ أشهر وبالتحديد يوم 24 آذار/مارس 2014. هي ثاني امرأة تعلن عن اعتزامها منافسة الرجال على منصب رئيس الجمهورية.

وكسابقتها فإن بدرة قعلول لم تكن معروفة لا قبل الثورة ولا بعدها كما لم تكن لها اهتمامات سياسية تذكر ولا مواقف نضالية مشهود لها.

هي لا تخجل من ذلك وتقول بانها “لم تكن قط لا من صف المعارضين ولا من صف المؤيدين” موضحة أنها لن تراهن في حملتها الانتخابية على زاد نضالي تدعيه ولا على مزايدات الوقوف في وجه الدكتاتورية التي أصبح بعضها رخيصا ويوظّف بطريقة مستفزة.

هي مقتنعة أن ليس كل معارض  للأنظمة السابقة او الحالية هو “نقي” أو “نظيف اليد”، وفي المقابل تصرّ على القول إنها تلبّي “نداء الواجب الوطني” وتنحاز بصفة كلية الى المصلحة العليا للبلاد، كما أنها تصف نفسها بكونها “مواطنة تونسية مستقلة لم تنتم يوما الى أي حزب”.

سطع نجم بدرة قعلول في خضم فوضى الارهاب التي اجتاحت البلد. فالسيدة الهادئة والخجولة وجدت نفسها تحت دائرة الضوء كمحللة استراتيجية وخبيرة في الارهاب بالنظر الى اختصاصها الاكاديمي. فهي أستاذة علم اجتماع عسكري بالأكاديميات العسكرية ورئيسة المركز الدولي للدارسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية. وهو المركز التي أنشأته قعلول في محاولة لتشخيص دوافع وأسباب الظاهرة الارهابية وايجاد الحلول الأمنية والعسكرية الممكنة للتصدّي لها على حد وصفها.

رغم تحليلاتها الهادئة والمعمقة للإرهاب في تونس الاّ ان قعلول تتهم مباشرة بعض الاحزاب الاسلامية وبينها النهضة بتساهلها مع الارهاب في البداية وهو ما جعل شوكته تشتد وتصبح لاذعة وقاتلة.

قعلول التي ترفع شعار “لا عاش في تونس من خانها.. ولا سيادة الاّ لتونس” في حملتها الانتخابية، تؤيد التعامل الحازم مع الارهابيين ولذلك كانت من الرافضين للمصالحة التي عرضها الرئيس منصف المرزوقي على ارهابيي الشعانبي (نسبة إلى جبل الشعانبي عرب تونس، أين تحصن إرهابيين منذ العام الماضي) ووعده بالعفو عنهم في حال تخلوا عن محاربة الدولة. وقد أكّدت وقتها أن الرئيس المؤقت لا يحسن التعامل مع الملف الأمني، قائلة بالحرف الواحد “من الاحسن ان يحشر نفسه في زاوية قصره ويصمت”.

ومع تزايد عدد ضحايا الارهاب ،هاجمت قعلول المجلس القومي للأمن بقولها “المسؤولون يلتقون في المجلس لاحتساء القهوة ثم يعودون الى منازلهم دون اصدار قرارات صارمة لمواجهة الارهاب” مشددة على ضرورة مقاومة الارهاب بشتى الوسائل.

بدرة قعلول التي تتقاسم مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مسقط الرأس والمنشأ تؤكّد بفخر أنها احدى حفيدات باني تونس الحديثة، وتقول “ابنة وحفيدة بورقيبة ولن تعود إلى الوراء”

وبخصوص الدعم المالي لحملتها صرّحت بانها تعوّل على الهبات، ولم تخف أنها تلقت عروضا في هذا الشأن لكن دون ان تكشف ما اذا كانت هبات داخلية أم خارجية.

سيدة أعمال مغمورة

آمنة منصور القروي او “إيمّا” كما يحلو للمقربين منها مناداتها، هي أوّل امراة تونسية تتجرّأ على الترشّح لمنصب رئيس الجمهورية. هذا المنصب الذي طالما احتكره الرجال في دولة منحت النساء حقوقهن المدنية والاجتماعية وضمّنتها في مجلة الاحوال الشخصية الصادرة في 13 آب/ أغسطس 1956. فقبل الثورة كان أقصى طموح سياسي يمكن لامرأة تونسية أن تحلم به هو منصب وزيرة المرأة غير المؤثر لا في المشهد السياسي ولا في توجهات الحكومة.

ورغم ان آمنة منصور القروي كانت قبل ترشحها سيدة اعمال مغمورة إلاّ أنها كما تقول “وجدت الجرأة الكافية” لتعلن نفسها كأول امرأة بل وأوّل مترشّح للانتخابات الرئاسية، جرأة قالت ان “مية جريبي وراضية النصراوي لا تملكانها” (الجريبي المناضلة السياسية المعروفة بمعارضتها سابقا لنظام بن علي، والنصراوي هي حقوقية اهتمت بقضايا التعذيب وأحرجت النظام الدكتاتوري دوليا).   

عندما اعلنت آمنة منصور القروي في 3 آذار/مارس 2014 وبعد أسابيع معدودة من المصادقة على دستور الجمهورية الثانية عن ترشّحها رسميا للانتخابات القادمة قالت إن غرضها هو “تحدّ ذهنية تهميش المرأة وإقصائها وعدم ايلائها الأهمية التي تستحق”. و تصرّ القروي على تبني هذا الرأي رغم قانون التناصف الذي أقرّ لصالح النساء في انتخابات المجلس التأسيسي لسنة 2011.

وتترأس القروي حزب الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء الذي تأسس عقب سقط النظام كحزب وسطي يقدم نفسه على انه “يهدف الى نشر الوعي المدني وتنمية ثقافة الانتماء الوطني وتمجيد قيم العمل والانتاج وتطوير برامج التربية والتعليم ودفع حركة التنوير والتحديث”.

القروي سيدة الاعمال والأم لثلاثة أبناء درست الاقتصاد والتصرف بجامعة ستراسبورغ بفرنسا، وحصلت على الاستاذية في الاختصاص المذكور سنة 1986. لكن التزاماتها العائلية حالت كما تقول دون استكمالها للمرحلة الثالثة من تعليمها العالي. وهي من النساء اللواتي يدرن مشاريع اقتصادية في تونس، كما انها تهتم بفن الرسم وتمارسه كهواية، لكن بعد الثورة قرّرت دخول عالم السياسية وهي إلى حدّ الآن السيدة الوحيدة من بين المترشحات الانتخابية الرئاسية التي تتزعم حزبا سياسيا. وقد أعلن حزبها أنه سيشارك في الانتخابات التشريعية التي تسبق الرئاسية بعد أن فشل في دخول المجلس التأسيسي في انتخابات 2011.

ورغم أن القروي تؤكّد أن “حظوظ النساء المرشحات لمنصب الرئاسة ستكون وافرة” إالاّ ان جلّ عمليات سبر الآراء في تونس لم تذكر أي من المترشحات كفائزة محتملة بالمنصب.

في معركة الرئاسة التي حمى وطيسها واشتد الصراع حولها تبدو تلك السيدة الرقيقة التي تلتزم الصمت غالبا في مهمة صعبة خصوصا وأنها إلى اليوم لم تطرح برنامجا يستميل الرأي العام نحوها ولم تكشف بعد على مصادر تمويل حملتها الانتخابية.

وفي انتظار ساعة الحسم تستمر آمنة منصور القروي وبقية المترشحات في متابعة حلمهن المشروع في أن تكون إحداهن سيدة قصر قرطاج.