بعد يوم واحد فقط من إعلان حكم القصاص على الشابين المصريين، اكتظ ميدان الصحابة في مدينة درنة الليبية بأعداد كبيرة من الصغار والكبار أحاطوا بالميدان من جهاته الأربع، ما جعل المشهد العام يبدو كجهمور جاء لمشاهدة مباراة كرة القدم.

“محمد”، أحد الشهود على تنفيذ حكم القتل قال لـ”مراسلون” إنه وصل متأخراً فلم يجد مكاناً يشاهد من خلاله. “الناس بمختلف الأعمار استغلوا كل شبر في الميدان، بل واعتلوا أسوار مسجد الصحابة، وبالكاد تحصلت على مكان فوق سيارة دفع رباعي كانت مع أخريات مثلها متحلقة حول الميدان”.

بعد يوم واحد فقط من إعلان حكم القصاص على الشابين المصريين، اكتظ ميدان الصحابة في مدينة درنة الليبية بأعداد كبيرة من الصغار والكبار أحاطوا بالميدان من جهاته الأربع، ما جعل المشهد العام يبدو كجهمور جاء لمشاهدة مباراة كرة القدم.

“محمد”، أحد الشهود على تنفيذ حكم القتل قال لـ”مراسلون” إنه وصل متأخراً فلم يجد مكاناً يشاهد من خلاله. “الناس بمختلف الأعمار استغلوا كل شبر في الميدان، بل واعتلوا أسوار مسجد الصحابة، وبالكاد تحصلت على مكان فوق سيارة دفع رباعي كانت مع أخريات مثلها متحلقة حول الميدان”.

هذه الحادثة التي يصفها محمد وقعت في 21 آب/أغسطس وسط مدينة درنة – 320 كم شرق بنغازي. في ذلك اليوم قام ما يعرف بـ “مجلس شورى شباب الإسلام” بتنفيذ حد القتل في شابين مصريين متهمين بقتل مراهق، وذلك على مرأى من الناس وبعد أن أعلن المجلس نيته “الاقتصاص من كل من تنطبق عليه شروط القصاص”.

يتابع محمد روايته “مر وقت طويل ونحن في الانتظار، حتى سمعنا صيحات التكبير من مكان ليس بقريب، حيث ظهرت في آخر الشارع سيارات مجلس الشورى، وتليها سيارة إسعاف وسيارة أخرى لنقل الموتى متجهة صوب الميدان، وكل ذلك وسط تواجد كثيف لمسلحي التنظيم”.

“مجلس شورى شباب الإسلام” المسيطر على درنة منذ نيسان/أبريل الماضي، والذي ينضوي تحته عدد من المقاتلين الذين كانوا في جبهات خارجية (مالي، الجزائر، العراق وسوريا) تم تأسيسه لتوحيد صف التيار الجهادي الذي كان يعمل فى درنة بصورة عشوائية، وهم يطمحون لإقامة إمارة إسلامية داخل المدينة، ولا علاقة تنظيميه تجمعهم بتنظيم أنصار الشريعة الذي يشاركهم الأهداف نفسها في تحكيم الشريعة.

حادثة القتل

يروي “م. ع” وهو أحد السكان تفاصيل مقتل المراهق محمد الحصادي، 17 عاماً، والذي طلب منه شخصان مصريان إيصالهما بسيارته التاكسي إلى خليج الخبطة – 15 كم شرق درنة –، ليقوما بمجرد وصولهم بإطلاق الرصاص عليه وسرقة سيارته، بحسب الراوي.

يعتقد “م. ع” أن القاتلين لم يكونا في وعيهما، فلقد توجها مباشرة بعد الحادثة إلى أحد المحلات وسط المدينة لتغيير مظهر السيارة. وحيث أن درنة مدينة صغيرة، فلقد رأى السيارة أخ المجني عليه بمجرد وقوفها أمام المحل، فأبلغ عنهما بعد ترجلهما من السيارة مباشرة.

يختتم “م.ع” حديثه بحزن قائلاً “بالرغم من أن محمد كان صغيراً في السن، إلا أنه كان معروفاً بأخلاقه الطيبة و سمته الهادئ”.

بعد القبض على المشتبه بهما واعترافهما بالجريمة، أحال “مجلس شورى شباب الإسلام” القضية إلى هيئة الشريعة التابعة للجنة النزاعات، وبدورها أقرّت حكم القتل فيهما، مشترطة على أهل المجني عليه – بعد أن أوكلت إليهم مهمة التنفيذ – عدم المطالبة بتعويض مالي، أو إخراج أهل الجناة من المدينة – كما جرت العادة في الأعراف والتقاليد – أو الاعتداء عليهم أو على ممتلكاتهم.

رصاصات في الرأس

يتابع محمد وصف مشهد التنفيذ غير مصدق ما رآه، فبعد أن تمركزت سيارات “المجلس” واتخذ عناصره عدة مواقع فوقها وحول الساحة، توجه عدد منهم ومعهم الجناة واعتلوا منصة الميدان، ومنعوا الجميع من الاقتراب منها، “والغريب في الأمر أن المحكومين كانا مستسلمين تماماً ولم تبد منهما أية مقاومة” يقول محمد.

وبينما كان الحاضرون يحدقون باتجاه الجناة، كانت الدقائق تمضي بعسر في لحظة صمت رهيبة، وما لبثوا حتى تقدم أخ المجني عليه بمسدس فأطلق رصاصة اخترقت رأس الأول، وبكل برودة أعصاب توجه للثاني وأرداه قتيلاً برصاصتين وسط صياح عدد من الحاضرين بالتكبير، مؤيدين تنفيذ “حدود شرع الله”.

أثارت هذه الحادثة، ردود فعل متضاربة بين سكان المدينة، الذين يعيشون في فراغ أمني منذ عدة سنوات، حيث يرى بعضهم أن إقامة حد القتل في المجرمين سيكون رادعا لغيرهم ممن عاثوا في المدينة بأعمال السلب والنهب، وهم يقبلون بأي حلول من شأنها أن تعيد الأمن الذي فقده المواطن.

بينما يرفض مواطنون آخرون إقامة هذه الحدود خارج سلطان الدولة، متسائلين “هل ستطبق مثل هذه الحدود فيمن قام باغتيال عناصر الأمن والقضاة أو أن الأمر سينحصر في بعض القضايا دون غيرها؟”.

رأي الشرع

بعد يوم التنفيذ أبدى عدد كبير من مشائخ الدين في المدينة انزعاجهم من هذا الأمر، وبعضهم لم يستطيع المجاهرة بالأمر خوفاً من أن تطاله يد الاغتيالات.

من بينهم الشيخ “س.أ” الذي رفض نشر اسمه الصريح، وأكد على عدم جواز تنفيذ الحدود بهذه الطريقة في غياب التمكين لما يعرف بـ”مجلس الشورى” موضحاً بأن هذه الجماعة ليست ولية الأمر في المدينة، وليس من شأنها إقامة الحدود وتنفيذها.

وسبق لـ”مجلس شورى شباب الإسلام” أن أعلن تنفيذ الحد في اثنين قاما بقذف زوجة أحد المواطنين. وهو بتنفيذ هذه الأحكام يعلن رفضه للـ “القوانين الوضعية الكافرة” على حد وصفه.

وقام التنظيم بعدها بتنفيذ أحكام أخرى مشابهة، واحدة كانت لإعدام رجل مصري أيضاً، تمت في ملعب على مشارف المدينة، وحادثتين تم فيهما تطبيق حد الرجم.

درنة التي تعاني منذ سنوات من انتشار القتل والاغتيالات بشكل مستمر حتى أضحت مشاهد حياتية يومية اعتادها الناس لا يجرؤ أحد فيها على تحريك أي ساكن خوفاً من سطوة هذه الجماعات المتشددة التي تتهم باستهداف رجال الجيش والشرطة والقضاة وحتى علماء الدين ممن يختلفون معهم في الآراء.

الشيخ “م.ف” وهو أيضا من المشائخ الذين رفضوا نشر اسمهم خوفا من “بطش التنظيم”، يتأسف على ما آلت إليه مدينة درنة، واصفا ما يحدث بالفوضى المفتعلة، قائلاً إن “مثل هذه الأفعال سترسم مستقبلاً شاحباً للمدينة وستعطل قيام الدولة”.