أثناء المصادقة على الدستور التونسي الجديد في شهر الثاني/ يناير الماضي رفضت حركة النهضة الإسلامية التصويت لصالح ما يعرف بالـ “التناصف الأفقي”، أي أن يكون عدد رؤساء القوائم الانتخابية من الذكور مساوٍ لعدد الرئيسات الإناث. في هذه الأثناء كانت الأحزاب الليبرالية واليسارية تشن معركة من أجل حق النساء في المساواة العددية مع الرجال في مراكز القرار.
إلا أن حركة النهضة كانت أكثر اتساقا ووضوحا مع نفسها من الأحزاب الأخرى على ما يبدو.
أثناء المصادقة على الدستور التونسي الجديد في شهر الثاني/ يناير الماضي رفضت حركة النهضة الإسلامية التصويت لصالح ما يعرف بالـ “التناصف الأفقي”، أي أن يكون عدد رؤساء القوائم الانتخابية من الذكور مساوٍ لعدد الرئيسات الإناث. في هذه الأثناء كانت الأحزاب الليبرالية واليسارية تشن معركة من أجل حق النساء في المساواة العددية مع الرجال في مراكز القرار.
إلا أن حركة النهضة كانت أكثر اتساقا ووضوحا مع نفسها من الأحزاب الأخرى على ما يبدو.
فبعد أن أميط اللثام عن القوائم الانتخابية للأحزاب السياسية، أخرج كل منها ما بجرابه، واتضح أن هذا الأخير خاوٍ في ما يتعلق بالترشحات النسائية، وأن كثير من الاحزاب وضعت أسماء المرشحات النساء في ذيل القائمة الانتخابية كنوع من “رفع العتب” أو “تكملة العدد” لا أكثر.
فمن ضمن 33 قائمة انتخابية قدمها كل حزب من الأحزاب المسماة “تقدمية” عن مجمل الدوائر الانتخابية في الداخل والخارج، رشّح “الاتحاد من أجل تونس” (يضم أحزاب وسط اليسار مثل المسار الديمقراطي وحزب العمل الوطني ومستقلين) عشرة نساء فقط على رأس القوائم الـ 33 في حين وردت أسماء أربع سيدات فقط على قوائم الجبهة الشعبية (أقصى اليسار).
أما حزب نداء تونس الذي يعتبر نفسه وريث الفكر البورقيبي (نسبة إلى الزعيم بورقية) المناصر لحرية المرأة ولمبدأ المساواة فإنه لم يقدم إلا ثلاث نساء على رأس قوائمه، وهو ما أثار استنكارا في صفوف هياكله وخارجها حتى اتهمه البعض بحمل شعار المساواة كبضاعة لاستقطاب النساء.
وتؤكد النائب عن جهة القصرين (جنوب غرب البلاد) من حزب نداء تونس ربيعة النجلاوي والتي لم يتم ترشيحها للانتخابات التشريعية المقبلة لـ “مراسلون” أن “نساء المكتب التنفيذي لحزب نداء تونس وهن جامعيات ومن صاحبات الكفاءات، طالبن القيادة المركزية بترشيحهن رئيسات للقوائم، وناقشن مليا المسألة”.
لكن منطق الحسابات الانتخابية كان الأقوى. إذ تضيف النائب أن القيادات أكدت لهن أن “الحزب يطمح لمقعدين عن كل دائرة، ولا ضير في أن تحتل الأسماء النسائية المركز الثاني في القائمة طالما فوزها بالمقعد شبه أكيد”.
ولم تكن مسألة رئاسة القوائم لتطرح كل النقاشات والمصادمات التي طرحتها، لو لم تكن النساء موقنات تماما أن تشكيلة المجلس التأسيسي ستكون ذاتها في المجلس التشريعي؛ أغلبها من الذكور، وفقط عدد من رئيسات القوائم يتمكن من الوصول إلى البرلمان، أما من يكون ترتيبهنّ الثاني في القائمة، فأمل وصولهن للمجلس ضعيف أو معدوم بالنسبة للأحزاب الصغيرة.
وكان المجلس التأسيسي قد شهد غداة التصويت على الفصل 24 من الدستور مشادة بين أعضاء من حركة النهضة وآخرين من الاحزاب الليبرالية واليسارية، حين رفض الإسلاميون المصادقة على مادة تنص على تمثيل النساء في رئاسة القوائم بنسبة الثلث على الأقل.
وعللت النهضة رفضها آنذاك بـ”رأفتها بالأحزاب الأخرى التي لن تقوى على تلبية هذا الشرط”. فثارت ثائرة نواب نداء تونس والجبهة الشعبية والتكتل والمسار وغيرها من الأحزاب العلمانية التي طالما تصدر شعار المساواة بين الرجل والمرأة كركيزة وهدف لها.
لكن النائب ربيعة النجلاوي عن حزب نداء تونس تبرر اليوم غياب المرأة عن رأس القوائم في حزبها إلى أن القواعد هي التي رفضت ذلك، خصوصا في المناطق الداخلية التي لها دور كبير في تحديد المرشحين. وتضيف: “هذه الجهات وان لم تعبر عن رفض صريح لأن تتصدر النساء القوائم الانتخابية فقد آثرت الأسماء الرجالية نظرا لدورها في الجهات ولانها الأكثر احتكاكا بالناس”.
ولم تخف ربيعة خيبة أملها -وهي التي رفضت أن يوضع اسمها في الترتيب الرابع في القائمة لأن ذلك يعني أنها لن تعود للبرلمان- من النزعة الذكورية التي تسيطر على الساحة السياسية والتي ولدت هذا المشهد الذي يغيب النساء. وأعربت عن سعادتها لأنها ساهمت في فرض التناصف العمودي والذي لولاه لكانت وجود المرأة نادرا في المجالس المنتخبة.
غياب النساء من على رأس القوائم تبرره عدة فرضيات، أولها أن الأحزاب التي ادعت النضال من أجل الحفاظ على مكتسبات المرأة التونسية وتطويرها لا تؤمن حقيقة بما ترفعه من شعارات، وهو يعني أن النساء لا يتعدى دورهن تعزيز صفوف الحزب وتصدر واجهات صراعاته ليس أكثر.
وأمام الأمر الواقع خيرت قيادات الأحزاب أن ترشح الذكور من أصحاب رؤوس الأموال، أو المعروفين في جهاتهم والقادرين عبر شبكة علاقاتهم على جلب أصوات الناخبين.
ويبدو أن تلك المعركة حامية الوطيس التي شاهدتها التونسيات على شاشة التلفزيون بين حزب النهضة الرافض لتقنين تمثيلية المرأة في رئاسة القوائم صراحة وبين الشق “الحداثي” الذي أعلن نفسه مدافعا شرسا عن حقهن ليست إلا مشهدا معدا مسبقا. ويبدو أيضا أن الدفاع عن حقوق النساء لم يكن دافعه الإيمان بضرورة تواجدهن بقدر ما هو “معارضة النهضة” في حدا ذاتها وتسجيل نقاط على حسابها.
فرضية أخرى تطل، وهي التي يصر عليها أيضا التحليل الاجتماعي، وهي أن المرأة مازالت خجولة من خوض عالم السياسة والخروج للأضواء. وأن المجتمع الذكوري الذي يحيط بها يجعلها محتشمة الظهور ويضعها أمام المعادلة التالية: إما حياتها العائلية وتوازن أسرتها أو عالم السياسة الذي قد يقوض عالمها الأول، وهو ما يجعلها تتردد قبل الخوض فيه.
أما الفرضية الثالثة، فهي تلك التي تتبناها الصحفية والناشطة نزيهة رجيبة وهي أن النساء لم يدافعن حقا عن تواجدهنّ على رئاسة القوائم، وأن الحقوق تنتزع ولا تهدى.
وشرحت رجيبة لـ “مراسلون” رأيها قائلة إن “الأحزاب السياسية رفعت شعارات ومن ثم ناقضتها عند التطبيق، والتمييز الايجابي لفائدة المرأة شعار خطابي بامتياز الغاية منه المزايدة بين الأحزاب التي تتزاحم على أبواب الحداثة”.
وتضيف رجيبة أنه بمجرد أن واجهت الأحزاب المحطة الانتخابية الأولى صعدت العادات القديمة والنزعات الذكورية على السطح، “زد على ذلك أن هناك شق واسع من النساء -وأنا إحداهن- يرفضن أصلا الالتحاق بالمجالس الانتخابية”.
عموما لا تزال جل الأحزاب على الخطى الأولى للديمقراطية. وأمام امتحان الانتخابات لم تبرز فقط تناقضا في قضية المرأة بل في جل القضايا خاصة مع تواتر استقالات أعضائها نتيجة غياب التسيير الديمقراطي داخلها.
بل إن القول أن الأحزاب التونسية التي تدعي أنها ديمقراطية، هي مجرد مشروع لأحزاب ديمقراطية، أو هي أحزاب ديمقراطية بالقوة رجعية بالفعل، قول لا يحمل الكثير من المجازفة.