بسبب دعوة حزب التحرير المستمرة إلى إقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية توجهت الحكومة التونسية ولأول مرة في تاريخها بإنذار كتابي في العاشر من تموز/يوليو الماضي إلى هذا الحزب.  

سألنا رضا بالحاج رئيس الحزب عن مفهوم دولة الخلافة وسرّ رفضه المشاركة في الانتخابات وانتقاده المستمرّ لنمط المجتمع التونسي وللدستور الجديد، وكانت هذه المقابلة:

مراسلون: أين وصل ملّفكم مع رئاسة الحكومة بعد الإنذار الكتابي الذي وجهته إليكم؟

بسبب دعوة حزب التحرير المستمرة إلى إقامة دولة الخلافة وتطبيق الشريعة الإسلامية توجهت الحكومة التونسية ولأول مرة في تاريخها بإنذار كتابي في العاشر من تموز/يوليو الماضي إلى هذا الحزب.  

سألنا رضا بالحاج رئيس الحزب عن مفهوم دولة الخلافة وسرّ رفضه المشاركة في الانتخابات وانتقاده المستمرّ لنمط المجتمع التونسي وللدستور الجديد، وكانت هذه المقابلة:

مراسلون: أين وصل ملّفكم مع رئاسة الحكومة بعد الإنذار الكتابي الذي وجهته إليكم؟

رضا بالحاج: بالنسبة إلينا هذا الملف انتهى. لقد مرّت المهلة المقدّرة بـ 30 يوما ،وقدمنا ردنا إلى رئاسة الحكومة حول النقاط التي طرحتها ومنها موقفنا من الانتخابات حيث أننا نريد أن نبقى بعيدا عن التجاذبات  وبالتالي ليس من حق الحكومة أن تخاف من حزب التحرير. كنّا واضحين جدا في طرح أفكارنا وأعلنّا تبنّينا للدولة الإسلامية والخلافة وهذا التوجه لن نتخلى عنه. نحن لن نذهب بعناوين أخرى وسبق وأن طرحنا توجهاتنا كتابيا وذلك أثناء حصولنا على ترخيص.

للأسف هناك أطرافا أرادت تسييس الأمر وورّطت الحكومة لكي توتر الأجواء. نحن نقول لهم انّ حزب التحرير عصيّ على كل توظيف وأننا نشتغل على العناوين الكبرى.

لو تفسرّ لنا معنى دولة الخلافة التي تودون إرساءها وهل هي خلافة بالمعنى التقليدي أم ماذا؟

دولة الخلافة التي نطمح إليها هي أن تكون لنا دولة إسلامية. لقد عشنا خلافة رئيس الدولة طيلة عقود بدءا من الحبيب بورقيبة ( أول رئيس لتونس بعد استقلالها عن فرنسا سنة 1956) ثم بن علي وهي خلافة الشخص الواحد أو الدكتاتور.

ولكن في الإسلام الخليفة تختاره الأمة ومن حق الناس اختيار من يحكمهم. لقد ترك لنا “الرسول” كلمات مفاتيح بقوله من توّلى أمر الأمة للحكم بمعنى توحيد الأمة وجمع شتاتها. وفي دولة الخلافة التي نرنو إليها تمنح حقوق الأفراد ويطبّق شرع الله بطريقة صحيحة.

الخلافة منظومة سياسية كاملة. ليس الديمقراطية بالمفهوم الليبرالي وإنما هي نظام يعطي إلى الناس حقهم .الخليفة يقوم بشؤون الأمة. قد يسمّونه اليوم رئيس ولكن نحن نسميه خليفة. لا يهم التسمية المهم أن تكون له صلاحيات وعليه واجبات. والخليفة لا يفعل ما يحلو له فهو ليس ملكا أو إمبراطورا بل محكوم بدستور إسلامي ويحاسبه مجلس الشورى.

لدينا تصور كامل لدولة الخلافة يبدأ من السلطة العليا أي الرئاسة وصولا إلى أدنى رتبة والمسألة منظمة بأحكام شرعية ومستمدة من روح الإسلام وهذه الدولة هي تكييف شرع الله وإقامة دولة الإسلام.

للأسف لا يدرسون دولة الخلافة في المدارس ولكن برنامجنا لدولة الخلافة قائم على تقسيم الثروات إلى ثروات خاصة وعامة.

وماهي مواصفات الخليفة؟

نفتقد اليوم إلى شخصيات مثل أبو بكر الصديق وعمر بن عبد العزيز وفي حزب التحرير لا يهمّنا إن كان رئيس الدولة يهتم بالأقمار الصناعية أو بالتكنولوجيا بل ما يهمّنا أكثر هو أن يطبّق أحكام الله الشرعية. نريده متعلّما ومثّقفا ولكنه أيضا يستند في حكمه على الشريعة. 

لماذا رفضتم الدستور الجديد ووصفتموه بالعلماني؟

لقد وقعت الثورة التونسية خارج قوانين البلاد وخارج دستور البلاد. لقد جاءت الثورة لتلغي وتؤسّس من جديد. للأسف الوضع التأسيسي فوّت علينا فرصة هامة لنعود إلى الأصل وننطلق من العقيدة الإسلامية ونحدّد الحقوق والواجبات وكذلك النظام الاقتصادي الأمثل.

لقد سبق وان قدّمنا للمجلس تصوّرا لدستور بـ191 مادة وصياغتها قانونية ووفق الشريعة والسنّة وكنّا نأمل وضع دستور منبثق من العقيدة الإسلامية ولكن للأسف ضربوا كلّ ذلك بعرض الحائط ووضعوا دستورا بعيدا عن الدين بل أكثر من ذلك هو قائم على فصل الدين عن الدولة وأصبح الدين بمثابة العدوّ.

لقد شاهدنا صراعات داخل المجلس  الوطني التأسيسي يعرفها القاصي والداني لننتهي إلى دستور علماني يعتمد على منظومة فارغة حتى أن النظام الاقتصادي المنصوص عليه ضعيف جدا وهزيل، في حين أننا قدمنا 43 مادة للنظام الاقتصادي وما يجب على الدولة من واجبات وحقوق الناس وقد تم التمويه عليه بألفاظ إنشائية فكانت النتيجة دستور علماني وحالة زئبقية جوفاء لا تضمن كرامة الأمة بل مجرد خارطة للأحزاب وتسوية  بينهم لتقاسم الأدوار.

سبق وأن صرّحت أنّ هناك ثلاثة محظورات لا يمكن لحزب التحرير تجاوزها وهي بمثابة الخطوط الحمراء لو توّضح لنا ماهي؟

حزب التحرير ليس قيد الانشاء ليبحث له عن خطوات أو منهج. لنا صورتنا وهويتنا الفكرية فالحزب تأسس سنة 1953 في القدس على يد القاضي (تقي الدين النبهاني). لقد أصدرنا كحزب عالمي مئات الكتب وآلاف المواقف في شتى المجالات وبالتالي كياننا ثابت.

نحن ننبذ العنف وتكفير الناس ونحن لا نتبّنى العمل الإرهابي وكل ماهو مخالف للأحكام الشرعية نجرّمه، فالمنطق الذي يدعو إلى الفوضى والى الانتقام والقتل مخالف للحكم الشرعي وحزبنا يدين كل عمل إرهابي و أي عمل له ارتباط بالأجنبي.

ما رأيكم في تنظيم داعش؟

تنظيم داعش عبث في عبث وهو مخالف لشرع الله. هو ضدّ حقوق الإنسان ونعتبره مخالف للإسلام. هذا التنظيم أريد به تشويه الإسلام لأن ديننا يقوم على الانضباط وليس على الفوضى.

نحن مسلمون وإسلامنا معتدل والبعض لديهم غيرة كبيرة على الدين وفي حزب التحرير نريد تطبيق الإسلام وليس إدخال الناس في الإسلام، فالأمة الإسلامية مبينة ولن تبنى من جديد ونحن اليوم لا نحتاج إلى إدخال الناس في الإسلام كما يدعي هؤلاء فهذا الكلام هدفه الإرباك وبثّ  الفوضى.

صحيح ان البعض قد يرتكب المعاصي وهناك من لا يؤدّي واجباته الدينية ولكن هذا يعود إليهم وليس دورنا أن نفرض عليهم شيئا.

كيف تنظرون إلى المرأة في حزب التحرير؟  

ننظر إلى المرأة نظرة الإسلام، والإسلام يعتبر أن الأنثى والذكر شريكان في الإنسانية فالله اعتبر أنّ الأصل واحد وانّ النساء شقائق الرجال فالنبي صلّ الله عليه وسلّم أوصى بالنساء وقال ما أكرمهنّ إلا كريم، وفي خطبة الوداع قال النبي استوصوا خيرا بالنساء.

حفظ الإسلام  منذ البداية مكانة المرأة عكس أوروبا التي بقيت تنظر إلى المرأة نظرة دونية حتى سنوات الأربعينات والخمسينات حيث انّ المرأة لا يحق لها فتح حساب خاص وليس لها ذمة مالية. وحسب المجمع الكنائسي كان ينظر للمرأة كنصف آدمي وكنصف شيطان ولكن المسلمين عاشوا في وضعية طبيعية منذ البداية ونصّوا على حقوق المرأة وكلّ ما يهمّها كإنسان.

ونأمل أن نتجاوز المفهوم الاستعراضي للمرأة والذي يجعل منها مجرّد شهوة وتوظيفها في الإعلانات والأعمال السياسية فهؤلاء في الظاهر يطالبون بحرية المرأة ولكن في الحقيقة هم يطالبون بحرية الوصول إلى المرأة.

هل تؤيدون عمل المرأة ومشاركتها في الحياة السياسية؟

نعم والمرأة يجوز لها اعتلاء كلّ المناصب الإدارية، ولكن لدينا استثناء وحيد يتعلق بالرئاسية وهذا ليس حرمان للمرأة وإنما إعفاء لها فلا يخفى على أحد ان الله حدّ من واجبات المرأة والمرأة لا تجب عليها الخدمة العسكرية ولا أداء صلاة الجماعة وذلك في إطار خلق توازن بين ذكورة الرجل وأنوثة المرأة وبالتالي نظرتنا للمرأة نظرة طبيعية وليست إقتداء بالغرب حيث قد تفقد المرأة أحيانا معنى الأمومة.

استثنينا الرئاسية لأن المرأة باعتبارها أعلى هرم في السلطة عليها قيادة الجيش وهذا يستوجب أن تكون حاضرة ولكننا جميعا نعرف أن المرأة قد تكون لديها موانع والتزامات وإعفاءات من تلك التكاليف.

ولكنكم مع الفصل بين النساء والرّجال في الاجتماعات والندوات؟

نعم، نحن مع الفصل في الاجتماعات والندوات وذلك لدواعي تنظيمية ونحن  قد دعونا إلى هذا الإجراء وهذه المسألة حسب اعتقادنا لدرء التجاوزات وقد أثبتت هذه التجربة نجاحها ولكنّنا مع الاختلاط  بين النساء والرجال في الأماكن العامة مثل الأسواق و محلات البيع والشراء .

لقد أنجزنا مؤتمرا عالميا للنساء فقط وقدمن النساء من أوروبا ومن مختلف البلدان العربية والأجنبية ووجدن راحتهن في تونس والإسلام يمنحهن إنسانيتهن والنبي أعطى مقاما كبيرا للمرأة .

يعيب عليكم البعض عداءكم لكل ماهو أجنبي هل هذا صحيح ولماذا؟

انتقادنا ليس مجرّد عنوان بل نحن ننطلق من حقائق استقيناها من عديد السياسيين وسبق وان تحدثنا عن هذا الموضوع بإطناب في جريدة التحرير الخاصة بالحزب. نحن نريد أن تكون إرادة الناس طبيعية لدفع كل أنواع التبعيّة والتي لاحظناها في عقود شركات النفط فالغرب حاضر في التفاصيل وفي المنهج ويا حبّذا لو كان السياسيون يتعاملون بإرادتهم الذاتية بعيدا عن إرادة الأجنبي .

البعض منهم يدّعي انه ضعيف ويحتاج إلى الأجنبي ليدعمه حتى في الانتخابات. تلاحظون كيف أن مواقف السياسيين تتلّون بمجرّد زيارة إلى بلد ما وكيف انّ الحسابات السياسية تتغير وعادة ما تكون بشكل مفضوح. لقد رأينا هدايا لبعض الشخصيات بالمليارات وللأسف نقول إنّ  بلادنا مخترقة.

ما رأيكم في إغلاق مساجد تعتبر خارجة عن السيطرة وجمعيات خيرية يقال أنها مشبوهة؟

إغلاق المساجد والجمعيات عمل فوضوي لأننا عندما نعود إلى الوضع الدكتاتوري يصبح كل شيئا مباحا كالغلق ووضع الأشخاص في السجون.

من يدخل السلاح إلى البلاد باسم جمعية خيرية هو عمل مرفوض ونعتبر انه إن كانت هناك تجاوزات  سواء في المساجد أو الجمعيات. فالأصل ان يكون الأمر بيد القضاء هو الذي ينظر في المسألة وان قرّر القضاء  الغلق يغلق وبالتالي لا نريد تسجيل مواقف للدولة أو حالة من التسلّط  أو ان تكون العملية استعراضية هدفها التشهير الإعلامي.

نؤمن انه توجد إجراءات يجب إتباعها وعلى الدولة أن تحترم نفسها لأن “ماكينة” الغلق ان انطلقت فلن تتوقف.

هل حدّدتم موقفكم النهائي من الانتخابات؟   

قرّرنا عدم المشاركة في الانتخابات وسنعلن عن ذلك في ندوة صحفية في القريب العاجل، ففي ظلّ هذا السياق والمناخ غير الإيجابي رأينا عدم المشاركة لأنّ الإسلام الصحيح يعتبر أن المشارك وكيل على الناس وعليه إذا مسؤولية وهذا الأمر يتطلّب مناخا ملائما وللأسف الحياة السياسية في تونس تحطمت ولا توجد الضمانات الكافية وبالتالي لن نشارك من أجل ان نكون مجرّد رقم في الميزان.

نحن نشتغل على العناوين الكبيرة والصحيحة والمشاركة ستضعنا في نفس العجين مع البقية ولا نريد ان نكون كذلك، سنحافظ على منهجنا وبالنسبة إلينا أن نخسر الدولة خير لنا من أن نخسر منهجنا.  

لو تحدثنا عن برنامجكم الاقتصادي والاجتماعي في دولة الخلافة ؟

لقد أمر الله بالعدل والإحسان والثروات الباطنية من نفط وذهب وفسفاط في دولة الخلافة يجب ان توزع بالعدل والإحسان فكلّ ما يخرج من باطن الأرض حكمه في الإسلام ملكية عامة ومشتركة بين الناس وبالتالي هي ليست ملكية خاصة.

ونظرتنا تقوم على انه يجب ان توضع إدارة واحدة تسير هذه الملكية استخراجا وإنتاجا ثم توزع المرابيح على الجميع سواء في شكل منحة سنوية أو شهرية عينية كانت او مالية او حتى في شكل بطاقة. المهم ان مقدار الفسفاط أو نفط يوزع بالعدل بين الناس وسنلاحظ عدد المشاكل الاقتصادية التي ستحل بذلك.

لابد من إعادة توزيع الثروات الوطنية بين الناس ولابد من تغيير النظام الرأسمالي الذي يجعل من أرزاقنا ورقابنا عند الغرب. في دولة الخلافة يستحيل ان نمنح إقتصادنا الى النظام الرأسمالي  تحت أي عنوان كان.

البعض يدعو اليوم الى العودة إلى الإشتراكية اي الى تجربة سابقة ونحن نرفض ذلك ونعتبر انّ  رعاية  شؤون الناس وحلّ  مشاكلهم الإقتصادية لا يكون في دولة الخلافة بالتجربة بل بمعيار الحق، ففي الخلافة حقوق الناس فالأصل في المال هو الإنتفاع والتداول والأرض التي لا تستغل ولا ينتفع بها صاحبها تفتكها منه الدولة  وجوبا وتمنح للمستحقين.

كيف تقيمون السياسة التربوية في تونس وماهي مقترحاتكم في هذا المجال؟

السياسة التربوية في تونس قائمة على التغريب والتجهيل فهناك تراجع واضح في جودة التعليم بكافة مستوياته وفي الحقيقة هناك أزمة كبيرة في المجال التربوي نتيجة سياسة تعليمية فاشلة قائمة على إملاءات الغرب التي تعتمد على تغريب أبناء الأمة في حين ان نظام التعليم في دولة الخلافة يقوم على الأحكام الشرعية التي يجب ان تنبع من العقيدة سواء في المواد التي يجب ان تدرس وفي عملية الفصل بين الطلبة الذكور والإناث . يجب ان توضع المواد الدراسية وفق الإسلام وبذلك نرسخ الشخصية الإسلامية في الناشئة.

نحن مع التطور التكنولوجي والصناعي ومع النهل من مختلف العلوم التجريبية ومن مختلف المواد كالرياضيات والتربية التقنية ولكن وفق سياسة لا تتناقض وأحكام الإسلام.