لوقت طويل ظن الليبيون أن شبح الحرب الأهلية لن يطالهم، على الرغم من وجود صراع على الساحة السياسية وخلافات أيديولوجية بين تيارات تحاول السيطرة على السلطة، وكل طرف يمتلك مليشيات مسلحة يتخذها أذرع عسكرية لحمايته ومساندته في مواقفه السياسية.
فرض قرارات
لوقت طويل ظن الليبيون أن شبح الحرب الأهلية لن يطالهم، على الرغم من وجود صراع على الساحة السياسية وخلافات أيديولوجية بين تيارات تحاول السيطرة على السلطة، وكل طرف يمتلك مليشيات مسلحة يتخذها أذرع عسكرية لحمايته ومساندته في مواقفه السياسية.
فرض قرارات
وقد فعلها تيار الإسلام السياسي أكثر من مرة حين حاصرت مليشياته المؤتمر الوطني العام لفرض قانون العزل السياسي، وتمت محاصرة الوزارات وخطف رئيس الوزراء للضغط على الحكومة في تنفيذ مطالب لهم، بل تعدى الأمر هذا وذهبت بعض المليشيات السياسية لخطف سفراء وأعضاء من الهيئات الدبلوماسية لإطلاق سراح بعض المساجين المنتمين لأطراف دينية متطرفة وقد تم لهم ذلك.
كما هاجمت مليشيات القعقاع والصواعق المحسوبة على التيار المدني مقر المؤتمر في مايو الماضي حين أعلنوا انضمامهم لعملية الكرامة، مما سبب الذعر لبعض الأعضاء في المؤتمر وموظفي الديوان.
في ظل هذا الصراع ظهرت نتائج انتخابات مجلس النواب مخيبة لأمال تيار الإسلام السياسي وحلفائهم بتمثيل ضعيف لا يتعدى 30 مقعداً من أصل 188 (المحرر: بعض المدن غير الآمنة كدرنة أو المقاطعة للانتخابات كزوارة لم تنتخب نوابها لذلك لم يصل عدد النواب المنتخبين إلى 200 عضو)، وكنتيجة يبدو أنه تم التحضير لها مسبقاً تواجه العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي في ليبيا حرباً شرسة بين المليشيات للسيطرة على هذه المدن.
بنغازي أم طبرق
هذه الحرب ليست عبثاً، فقد تم إقرار مدينة بنغازي المقر الرسمي ومكاناً دائماً لمجلس النواب ضمن مقترح لجنة فبراير (المحرر: لجنة كلفها المؤتمر الوطني المنتهية ولايته بإعداد خارطة طريق للخروج من المأزق الدستوري الذي حصل بنهاية مدة المؤتمر والخلاف على الجسم البديل الذي سيستلم السلطة)، والذي جعل بعض النواب الإسلاميين يبدون اعتراضا واستهجانا على الاجتماع فيها، فقد كانت في تلك الآونة تحت سيطرة الجيش الليبي، بينما تمسك التيار المدني بنص القرار ورفضوا مناقشة هذا الأمر.
لكن الأوضاع العسكرية انعكست وانتقلت السيطرة على مدينة بنغازي لتنظيم أنصار الشريعة ومليشيات موالية للتيار الإسلامي واشتعلت طرابلس في حرب بين المليشيات لم تنته بعد.
وسط هذه الظروف تم التنسيق فيما بين أعضاء البرلمان وديوان المؤتمر لانعقاد البرلمان في مدينة طبرق الواقعة في أقصى شرق البلاد على الحدود مع مصر، وقد تم اختيار طبرق كمقر مؤقت للبرلمان لعدة اعتبارات منها تواجدها في المنطقة الشرقية والتي لا تبعد كثيراً عن بنغازي، ولأنها هادئة وبعيدة نوعاً ما عن الصراع الدائر .
من ناحية أخرى رفض أعضاء البرلمان المحسوبين على تيار الإسلام السياسي الذهاب إلى طبرق وطالبوا بانعقاده في بنغازي التي كانوا يرفضونها، وذلك بعد أن تمكنت مليشياتهم من السيطرة عليها، معتبرين من ذهبوا إلى طبرق يخالفون الإعلان الدستوري ومقترح لجنة فبراير.
إلا أن عدد مقاعدهم الضعيف لم يؤهلهم لفرض رؤيتهم على كافة الأعضاء، حيث انعقد البرلمان بحضور أكثر من 144 من أصل 188 عضواً في أولى جلساته، وصلوا إلى طبرق بعد أن قطعوا رحلات سفر شاقة وخاصة نواب المنطقة الغربية والجنوبية، نتيجة توقف مطار طرابلس عن العمل والمطار الوحيد في طرابلس العامل حاليا – مطار معيتيقة – يقع تحت سيطرة مليشيا إسلامية عرقلت وصول اثنين من الأعضاء إلى طبرق.
وهكذا اضطر غالبية الأعضاء للسفر إلى تونس ومنها إلى طبرق، وبعضهم اضطر للذهاب إلى القاهرة أو الأردن قبل توجههم إلى طبرق في رحلات شاقة، بينما سافر بعضهم عبر مطار صغير في مدينة الزنتان.
انعقد البرلمان
على الصعيد الرسمي وفي اليوم الثاني من أغسطس عقد البرلمان اجتماعه الأول في طبرق، واعتبروه اجتماعاً تمهيدياً احتراماً لرئيس المؤتمر المنتهية ولايته نوري بو سهمين الذي دعا للاجتماع يوم 4 أغسطس دون تحديد مكان الانعقاد، تاركاً هذا لرئيس ديوان المؤتمر الوطني.
رئيس الديوان بدوره أجرى اتصاله بوزارة الداخلية الذي رد عليه برسالة يبلغه فيها باستحالة انعقاد جلسات البرلمان في بنغازي أوطرابلس نتيجة الوضع الأمني المتردي الذي تعيشه المدينتان مقترحاً مدينة طبرق كبديل أنسب.
ولأن الإعلان الدستوري وتعديلاته بمقترح لجنة فبراير أورد في إحدى مواده ما نصه “مقر البرلمان في مدينة بنغازي ويجوز له الانعقاد في أي مدينة أخرى”، ما جعل من اختاروا الاجتماع بطبرق يرون إجراءهم صحيحاً، بينما يؤكد رئيس المؤتمر المنتهية ولايته والأعضاء الرافضين لهذا الاجتماع في طبرق أن ما حدث غير دستوري ويرفضون التسليم للبرلمان.
مواقف معلنة
ويتمسكون بأن رئيس المؤتمر نوري بوسهمين كان قد قرر مكان الانعقاد في طرابلس وأعلن ذلك في منشور له على صفحته في موقع فيسبوك، وقاموا على هذا الأساس برفع قضية أمام المحكمة العليا لإثبات عدم دستورية جلسات البرلمان.
النائب عن بنغازي وعضو تنظيم الإخوان المسلمين علي بوزعكوك أورد ضمن اعتراضه أن “البرلمان لا يجب أن ينعقد قبل الحسم العسكري لعملية فجر ليبيا”، بينما ذكر صلاح البكوش الناشط السياسي وعضو حزب الاتحاد من أجل الوطن – الإسلامي برئاسة عبد الرحمن السويحلي – أن اعتراضه على مدينة طبرق يأتي من عدم دستورية هذا الانعقاد، بالإضافة إلى أن طبرق هي مقر إدارة عملية الكرامة التي يقودها اللواء خليفة حفتر، وأن البرلمان سيقع تحت تأثير هذه القوات وتهديدها.
بينما ذهب النائب عبدالرؤوف المناعي المنتمي لتنظيم الإخوان المسلمين حد قوله إن النواب “محتجزون في طبرق تحت التهديد” على الرغم من أنهم ذهبوا بكامل إرادتهم.
ينفي النواب في كتلة التيار المدني أنهم يتعرضون لأي تهديد، ويؤكدون أن حضورهم إلى طبرق يقع في إطار منح أولوية لتصاعد الأحداث العنيفة في البلاد بغض النظر عن بروتوكولات التسليم والاستلام وتقديم مصلحة الوطن على هذه الشكليات، ويرون اعتراض الكتلة الإسلامية ما هو إلا محاولات لإفشال البرلمان أو لجره إلى مدينة تقع تحت سيطرة مليشياتهم ليتم الضغط عليهم في كل قرار.
هو جدل لا زال مستمراً بين الكتلتين، واحدة تستمر في اجتماعاتها التي تبث على الهواء مباشرة، وأخرى ترفض الالتحاق وتحاول الضغط على الملتحقين بأن ينسحبوا من الجلسات، كما حدث مع نواب سبها الذين اجتمع معهم نواب عن مدينة مصراتة في محاولة لثنيهم عن الالتحاق بالجلسات، حتى تفصل المحكمة العليا في دستورية هذه الجلسات في طبرق وقراراتها.
وإذا أردنا الاعتماد على تعريف الحرب الأهلية بأنها وجود لجسمين سياسيين كلُّ منهما يدعي شرعيته في الحكم مع حرب دائرة بين الطرفين، فإن ليبيا اليوم تعيشها، ودون أن يرجع الطرفان لطاولة الحوار مستفيدان من قراءة تاريخ دول كثيرة عاشت مرارة الحرب الأهلية، فستبقى ليبيا رهينة مثل هذه المماحكات السياسية والدستورية والعسكرية، حتى يتعلم سياسيوها إيجاد لغة مشتركة للتفاهم وصنع المستقبل المشترك.