لم أتوقع أن تستمر الاشتباكات في طرابلس كل هذه الفترة، فالقصف المتبادل بالأسلحة الثقيلة لا يزال مستمراً ولا أحد يعرف متى تنتهي تلك المعركة التي حولت طرابلس إلى مدينة منكوبة.

في 13 تموز/يوليو 2014 كان الأهالي القاطنون على بعد عشرات الكيلومترات من المطار- كاتب هذه السطور من بينهم-  يسمعون أصوات الرصاص إيذانا ببدء معركة دمرت معظم الطائرات الرابضة في المطار فضلاً عن تسببها في خسائر في أجزاء كبيرة منه شملت الصالة الرئيسية وبرج المراقبة وغيرها من المواقع الهامة.

لم أتوقع أن تستمر الاشتباكات في طرابلس كل هذه الفترة، فالقصف المتبادل بالأسلحة الثقيلة لا يزال مستمراً ولا أحد يعرف متى تنتهي تلك المعركة التي حولت طرابلس إلى مدينة منكوبة.

في 13 تموز/يوليو 2014 كان الأهالي القاطنون على بعد عشرات الكيلومترات من المطار- كاتب هذه السطور من بينهم-  يسمعون أصوات الرصاص إيذانا ببدء معركة دمرت معظم الطائرات الرابضة في المطار فضلاً عن تسببها في خسائر في أجزاء كبيرة منه شملت الصالة الرئيسية وبرج المراقبة وغيرها من المواقع الهامة.

وسرعان ما طاولت صواريخ الجراد وقذائف الهاوزر والهاون  طريق المطار فأصابت المنازل والمساجد وصالات الأفراح وهو ما فاجأ الأهالي. فاختار معظمهم النزوح إلى المدن القريبة كمدينة الزاوية التي تبعد حوالي 50 كيلومتراً غرب العاصمة، أو حتى إلى خارج البلاد. ترى ما الذي حصل ولماذا، وإلى أين نحن ماضون؟

كيف كانت أجواء ما قبل المعركة؟

بدأت الحرب بحملة إعلامية على صفحات التواصل الاجتماعي من قبل ناشطين محسوبين على تيار الإسلام السياسي والصفحات المحسوبة على مدينة مصراتة، ضد كتائب لواء القعقاع والصواعق والمدني المحسوبة على مدينة الزنتان، والتي تشغل معسكرات في جنوب العاصمة وغربها منذ سقوط نظام القذافي.

وشنت تلك الصفحات حملات اتهمت فيها هذه الكتائب بتبعيتها لرجال النظام السابق، وبأنها تحتوي عدداً كبيراً من أفراد كتيبة “امحمد المقريف” و”اللواء 32 معزز” الذين كانوا يقاتلون في صفوف النظام السابق ضد الثوار، وبأنهم يريدون الانقلاب على الثورة بانضمامهم للواء المتقاعد خليفة حفتر خصم الإسلاميين ومدينة مصراتة وحلفائها، وأن أفراد تلك الكتائب مجرمون اشتهروا بعمليات السطو المسلح والقتل والنهب في منطقة طريق المطار.

دعت تلك الصفحات “الثوار وأبناء العاصمة” إلى الانتفاضة والتظاهر يوم الجمعة 17 من الشهر نفسه أمام معسكرات القعقاع والصواعق في طريق المطار لإخراجها “سلمياً” من العاصمة ولكن ذلك لم يحدث كما حدث في تشرين ثان/نوفمبر 2013 حين تظاهر الناس لإخراج كتائب مصراتة من منطقة غرغور بطرابلس، وأدى ذلك لمقتل ما يزيد من 50 مدنيا وجرح ما يزيد عن 500 شخص.

صحبت تلك الحملات اجتماعات لبعض أمراء الكتائب المحسوبة على التيار الإسلامي مثل درع ليبيا الغربية والوسطى وغرفة عمليات ثوار ليبيا، والقوى الوطنية المتحركة، والكتائب المسلحة من مدينة مصراتة، وكتائب الإسناد الأمني مثل كتيبة فرسان جنزور، وغيرها من الكتائب للهجوم على تلك المعسكرات المحسوبة على الزنتان وإخراجها بالقوة.

كيف حصل الهجوم على المطار؟

قبل حصول النزاع المسلح، اجتمع قادة مدينة الزنتان ومجلسها العسكري مع قادة الكتائب من مصراتة وبعض المجالس العسكرية الأخرى، وتم الاتفاق على تسليم كل المنشآت الحيوية لقوى مشتركة من المدن الليبية، لكن بنود الاتفاق كانت محل خلاف بين الطرفين.

فبدأت يوم 13 تموز/يوليو 2014 كتائب مصراتة هجوماً مباغتاً على مطار طرابلس ومعسكرات القعقاع والصواعق من ستة محاور، وأطلقت عملية سمتها “قسورة” يقودها ما يسمى “ثوار فجر ليبيا” تارةً، وتارةً أخرى “قوة حفظ أمن واستقرار العاصمة”.

وأيد ذلك الهجوم عبر صفحات الفيس بوك بعض قادة الإخوان المسلمين وتيار الإسلام السياسي ووسائل إعلامية أخرى محسوبة على ذلك التيار، وأعلن يومها عبر تلك الوسائل أن المطار والمعسكرات بيد “ثوار فجر ليبيا” في مساء ذلك اليوم.

لم تتوقع القوة المهاجمة الدفاع المستميت من كتيبة أمن المطار والكتائب الأخرى، وطال القصف العشوائي منازل ومحلات المدنيين في منطقة الكريمية والسواني والمناطق المحيطة بالمطار وطريق المطار.

ما هي حجج أطراف النزاع؟

يقول العديد من المحللين إن السبب الرئيسي للمعركة هو خسارة الإسلامين الكبيرة في انتخابات مجلس النواب الجديد، ولعرقلته تمت مهاجمة مطار طرابلس ومطار بنينة حتى لا يتمكن النواب الجدد من السفر إلى مدينة بنغازي لعقد البرلمان هناك.

أما المؤيدون لعملية قسورة والمشاركون فيها قيقولون إن المعركة هي ضد “الانقلابين” وأتباع النظام السابق، الذين تغلغلوا في النظام الجديد وكونوا “ثورة مضادة” ضد ثورة السابع عشر من فبراير.

لم يقدم المؤيدون للحرب أدلة مقنعة على أسبابها، فلواء القعقاع والصواعق والمدني هي كتائب تتبع لوزارة الدفاع وكل أفرادها مسجلون ويتقاضون مرتبات من الدولة، مثل ما يتقاضى أفراد الدروع وغرفة الثوار وكتائب الإسناد الأمني وغيرها من التشكيلات مرتبات من الدولة.

وإن كان منهم من شارك النظام السابق في جرائمه ضد الشعب الليبي في حرب التحرير فهناك محاكم ودعاوى وقضايا يمكن رفعها للنائب العام ضدهم كأفراد، وهناك لجنة النزاهة والوطنية في الجيش والتي بإمكانها فصل الأفراد العسكريين الذين تورطوا مع النظام السابق.

هل الانتماء لكتائب القذافي تهمة؟

إذا نظرنا إلى القانون الدولي الإنساني لوجدنا أنه لا يمكن مقاضاة المتحاربين في أي نزاع مسلح بعد انتهائه أو القبض عليهم، إلا الذين ثبت تورطهم في جرائم الحرب المتمثلة في تعذيب الأسرى أو قتلهم أو قصف المدنيين أو الذين تم القبض عليهم أثناء المعارك، وبالتالي فإن تهمة الانتماء لكتائب القذافي فقط لا تعد تهمة حسب القانون الدولي الإنساني، وللأسف الشديد لا يستطيع أحد أن يصرح بهذا في ليبيا لأن مصيره سيكون التهديد والملاحقة أو القتل.

أما عن قطع الطريق والحرابة والسطو المسلح والذي اتٌّهمت به هذه الكتائب فقد بينت إحصائية لوزارة الداخلية في الأشهر الثلاثة الأولى من هذه السنة، أن حالات السطو المسلح للسيارات في مناطق من العاصمة مثل عين زارة وابوسليم وغوط الشعال، هي أكثر بكثير من حالات السطو في طريق المطار الذي تتمركز فيه كتائب الزنتان، وبالتالي تكون حجة السطو المسلح للسيارات ضعيفة للذين برروا لهذه الحرب أسبابها.

هل لليبيا جيوش مختلفة؟

المشكلة ليست جديدة بين الطرفين كما يبدو، بل بدأت منذ تكوين المجلس الانتقالي وضمه لرئاسة الأركان، التي أصبحت فيما بعد تابعة للموتمر الوطني العام وشكلت وحدات عسكرية موازية للجيش والشرطة مثل درع ليبيا وغرفة عمليات ثوار ليبيا. فيما ضمت وزارة الدفاع برئاسة “أسامة الجويلي” الذي ينتمي إلى مدينة الزنتان، كتائب أخرى مثل اللواء أول حرس الحدود “القعقاع” وكتيبة الصواعق ولواء المدني وكتيبة أمن المطار وغيرها من الكتائب العسكرية.

وبذلك أصبح لليبيا جيوش مختلفة، جيش يتبع رئيس الأركان، وجيش يتبع وزارة الدفاع، وجيش يتبع اللجنة الأمنية العليا التابعة للداخلية اسمياً يفوق تسليحه قوات الشرطة والداخلية.

من يقاتل من؟

تأسس لواء القعقاع في مدينة الزنتان أثناء ثورة 17 فبراير، على يد عبد المجيد المليقطة وهو أحد القادة الميدانيين، وضم ثوار المدينة وبعض شباب مدينة الزنتان القاطنين في العاصمة، وبعد تحرير العاصمة ترك المليقطة رئاسة اللواء لأخيه عثمان ليصبح سياسياً وقيادياً في تحالف القوى الوطنية.

وتأسس لواء المدني كذلك في مدينة الزنتان وكان لهما دور كبير في تحريرغرب وجنوب طرابلس، بما في ذلك المطار الرئيسي للبلاد ومدن أخرى في غرب وجنوب ليبيا.

اتهم العديد من معارضي تحالف القوى الوطنية برئاسة محمود جبريل قياديي التحالف بأن مجموعات عسكرية من لواء القعقاع هي من تقوم بحراستهم، وأن القعقاع والصواعق والمدني هي الأجنحة العسكرية لتحالف القوى الوطنية، لكن التحالف أنكر ذلك جملة وتفصيلاً، موضحاً في أكثر من مناسبة أن التحالف كيان سياسي وليست له أيه علاقة بهذه التشكيلات المسلحة.

على الطرف الآخر من المعركة هناك درع ليبيا الوسطى ويتكون من مجموعات مسلحة معظمها من مصراتة ومسلاتة والخمس (مدن شرق طرابلس)، وكتائب تابعة لدرع الغربية الذي يتكون من مجموعات مسلحة من الزاوية وصبراتة وزوارة (الساحل الغربي)، وبعض من مدن الجبل الغربي.

وتتكون غرفة عمليات ثوار ليبيا من مجموعات مسلحة قادتها ثوار سابقون، لكن يرأسها شعبان هدية وهو من إسلاميي ليبيا الذي ظل في اليمن فترة طويلة ثم شارك في حرب التحرير ليصبح ذا نفوذ بعدها، ويتهم بتأييده للأفكار الإسلامية المتطرفة.

أما اللجنة الأمنية العليا (سميت بقوى الإسناد الأمني) فهي تتكون من مجموعات مسلحة مناطقية، يرأسها قادة شاركوا في حرب التحرير أمثال “غنيوة الككلي” و “هيثم التاجوري” و “عبد الرؤوف كارة ” و “ناجي قنيدي”، وكلها لها أيديولوجيات دينية متشددة، وضُمّت هذه الكتائب إلى وزارة الداخلية.

هل الكتائب التي هاجمت المطار تشكيلات عسكرية تابعة للدولة؟

تسمى هذه التشكيلات بـ”منظمات شبه عسكرية” حيث لا يحمل أفرادها في الغالب أرقاماً عسكرية، وانضمت بشكل جماعي وليس بشكل فردي لوزارة الداخلية، كما أنها غير ملتزمة في واقع الأمر بتنفيذ أوامر رئاسة الأركان، وتتخذ أحيانا قرارات فردية عند الاشتراك في الاشتباكات العسكرية.

أما التشكيلات التي تسمى “منظمات عسكرية” فتشمل كل الكتائب المنضوية تحت رئاسة أركان القوات البرية والبحرية والجوية والدفاع الجوي وحرس الحدود والقوات الخاصة، وهي تنفذ الأوامر الصادرة من رئاسة الأركان أو وزارة الدفاع ويحمل أفرادها أرقاما عسكرية، ولم تشارك هذه التشكيلات في أية اشتباكات حيث أنها لم تتلق أي أوامر من الحكومة.

القوة التي هاجمت المطار ومعسكرات القعقاع والصواعق ومبنى الداخلية في طريق المطار يوم 13 تموز/يوليو 2014 من ستة محاور وأطلقت على نفسها “قوات فجر ليبيا”، تكونت من درع ليبيا الوسطى والغربية، غرفة ثوار ليبيا، بعض كتائب اللجنة الأمنية العليا التي لها مشاكل سابقة مع كتائب الزنتان.

جاء في تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الصادر في كانون الثاني/يناير 2014 أن السلطات الليبية قامت “بالاتفاق مع مليشيات قوامها مقاتلون سابقون للمساعدة في فرض النظام بدلاً من منح الأولوية لإعداد قوة الجيش والشرطة النظامية. هذه المليشيات ومنها قوات درع ليبيا واللجنة الأمنية العليا كانت تعمل تحت إمرة رئاسة الأركان  ووزارة الداخلية على التوالي”.

ما هو موقف الحكومة الليبية؟

أصدرت الحكومة الليبية بياناً أدانت فيه الهجوم على المطار وبينت فيه أن القوات المهاجمة لم تأتمر بأمر الحكومة، الأمر الذي أكده “ثوار فجر ليبيا” الذين يصرون بأن شرعيتهم ثورية، حتى وإن لم يكن لديهم تكليف من رئاسة الأركان أو الحكومة المؤقتة، ولم يستمعوا بالتالي للنداءات المتكررة لوقف إطلاق النار، واتهموا القوات المدافعة بالقصف العشوائي وتعمد قصف خزانات النفط في طريق المطار.

توالت البيانات الدولية المستنكرة للحرب من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، الذي أشار إلى أن الهجمات على المطارات المدنية تمثل خرقاً للقانون الدولي، وأن أي استخدام للقوة يجب أن يكون تحت سلطة الدولة ذات السيادة وضمن إطار القانون، كما أعرب عن قلقه إزاء النزاع الذي طال أمده على مطار طرابلس الدولي وحث جميع الأطراف على التحلي بضبط النفس، والالتزام بالقانون الدولي واحترام المدنيين.

كما دعا جميع الأطراف إلى إيجاد حل سلمي عبر الحوار والتسوية، وكرر تأكيده على عدم وجود حل عسكري للأزمة في ليبيا، وأن الخيار الوحيد هو الحل السياسي والعملية الديمقراطية السلمية.

منظمة العفو الدولية أصدرت كذلك بياناً استنكرت فيه الحرب الدائرة في طرابلس وبنغازي، وأكدت أن القصف العشوائي الذي طال المدنيين قد يرقى إلى جرائم حرب، وأن الأطراف المشاركة في الحرب تتحمل المسؤولية عن ذلك، في إشارة واضحة إلى إمكانية جلب المسؤولين عن هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية.

هل ساهم الإعلام في تأجيج الصراع؟

قامت بعض وسائل الاعلام العامة والتي تمول من قبل خزينة الشعب مثل قناة ليبيا الرسمية وقناة مصراتة التي يمولها المجلس المحلي للمدينة بالتعبئة الحربية لما يسمى “قسورة”، ونشرت أخبارها وبرامجها ضد ما سمتها “الثورة المضادة”، ببثها المتواصل لفيديوات وبيانات ضد “القعقاع والصواعق”، كما بثت باستمرار بيانات من قيادات مصراتة ومشائخها وبيان دار الإفتاء وثوار مدن متفرقة من ليبيا تدعو للتحشيد والحرب.

أما قناة الوطنية التي لزمت الحياد في بداية الحرب فقد تم تهديد مديرها طارق الهوني الذي قدم استقالته مجبراً، وتوقف عن العمل معظم موظفيها، وتمت السيطرة عليها من قبل كتيبة الإسناد الثامنة الموالية لتيار الإسلام السياسي، وتحولت القناة إلى قناة ناطقة باسم “ثوار فجر ليبيا”.

وفي الاتجاه المضاد، قامت قنوات خاصة مثل الدولية وليبيا أولاً والعاصمة بالوقوف ضد “عملية قسورة” والتي أسمتها “غزو طرابلس”، وقامت بنشر فيديوات قديمة للتحريض ضد مجموعات مسلحة من مصراتة ارتكبت انتهاكات في تاورغاء وغرغور.

وفي وسط تلك الحرب، وصلت تهديدات بالقتل إلى العديد من الإعلاميين في تلك القنوات الفضائية إن لم يتركوا العمل في قنواتهم. وسبق ذلك وصف غرفة ثوار ليبيا القنوات الثلاث (الدولية وليبيا أولا والعاصمة) بانها قنوات النظام السابق وقنوات فتنة وأنه يجب إغلاقها، بل إن بعضاً من “ثوار فجر ليبيا” أعدوا قائمة بالإعلاميين والمدونيين والناشطين المؤيدين لعملية الكرامة وضد عملية قسورة، ليتم اعتقالهم ومحاسبتهم بعد انتصار عملية قسورة.

مع أن أولويات المرحلة تتطلب بحسب محللين إقفال القنوات التابعة للدولة والتي خرجت على سلطة الدولة، واستولت عليها كتائب مسلحة وثبت تحريضها على الحرب والعنف والاقتتال والتي تمثل جرائم حرب، وإقامة دعوات ضد القنوات الخاصة التي يثبت أيضاً تحريضها على الحرب والقتل، لأن وجودها يعني إطالة أمد الحرب التي لا تزال تدمر ليبيا وتقطعها إرباً.

ما هي حصيلة الأضرار البشرية؟

القصف العشوائي الذي طال المناطق المأهلولة بالسكان دون سابق إنذار دفعهم إلى إخلاء منازلهم، ونتج عنه قتل المدنيين بما في ذلك الأطفال والنساء وجرح العديدين، ولم توثق أية جهة حكومية أو غير حكومية عدد الضحايا المدنيين بعد.

ولم تتقيد الأطراف المشاركة بقواعد الحرب حسب الاتفاقيات الدولية، بل اتخذت من المناطق المدنية المأهولة بالسكان مكاناً لانطلاق صواريخها وقذائفها العشوائية التي طالت البنية التحتية للكهرباء والاتصالات وشبكة المياه، بل حتى الحيوانات في حظائرها لم تسلم منها.

توقفت الحياة اليومية في العاصمة لأكثر من شهر، وشلت أركان الحياة فيها مع فقد البنزين والكهرباء والماء والخبز وغاز الطهو والسلع الضرورية، ومع ارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف العملة المحلية مقابل العملة الاجنبية.  

ونزح أكثر من 7000 عائلة إلى خارج المدينة، استضافت مدينة الزاوية ما يقارب 3000 عائلة، واستضافت مصراتة ما يقارب 600 عائلة بينما استضافت مدينة العجيلات ما يقارب 800 عائلة.

كيف كان موقف البعثات الاجنبية؟

كنتيجة للوضع الأمني بدأت معظم الدول الأجنبية في إجلاء رعاياها وبعثاتها الدبلوماسية من ليبيا، وحتى بعثة الأمم المتحدة التي كان من المفروض أن مهمتها الرئيسية دعم الليبين في بناء دولتهم ووقف الاقتتال بينهم، غادرت العاصمة براً إلى تونس.

وتعاني المستشفيات في طرابلس من نقص في الطواقم الطبية نتيجة لمغادرة الممرضات الفلبينيات والهنديات العاصمة، بينما تعاني المخابز من نقص العمالة الأجنبية التي غادرت البلاد، لتصبح العاصمة تعاني من أزمة تلو أزمة تخنقها وتجعل من الحياة فيها أمراً مستحيلاً.

بوجود المنظمات شبه العسكرية وغير العسكرية المتمثلة في كتائب الثوار التي انضمت بشكل جماعي، أو التي لم تنضم أصلاً للجهات الحكومية والمتمثلة في كتائب مناطقية، يمثل المعضلة الأساسية في عدم تقوية الجيش، والذي ظلت كتائبه في معسكراتها بانتظار التعليمات التي لم تصدر، باستثناء بنغازي التي دمر جيشها ودرنة حيث تنعدم مظاهر الجيش والشرطة.