يجلس أحمد عوض (52 سنة) إلى جانب آلاف المصريين في ساحة مطار “قابس-مطماطة” (470 جنوب شرق تونس) ينتظر نصيبه من وجبات طعام يوزعها عناصر الهلال الأحمر. يتفقد جواز سفره المصري داخل محفظته اليدوية خوفا من فقدانه على غرار حقيبته التي فقدها في معبر رأس جدير الحدودي (600 كلم جنوب شرقي).

هذا المواطن المصري الفار من جحيم الاشتباكات المسلحة في ليبيا واحد من 6000 مصري وصلوا إلى مطار مدينة قابس، لم يسعفهم الحظ للتحول ضمن الأفواج الأولى إلى مطار جزيرة جربة.

رصاص حي لترهيب الفارين

يجلس أحمد عوض (52 سنة) إلى جانب آلاف المصريين في ساحة مطار “قابس-مطماطة” (470 جنوب شرق تونس) ينتظر نصيبه من وجبات طعام يوزعها عناصر الهلال الأحمر. يتفقد جواز سفره المصري داخل محفظته اليدوية خوفا من فقدانه على غرار حقيبته التي فقدها في معبر رأس جدير الحدودي (600 كلم جنوب شرقي).

هذا المواطن المصري الفار من جحيم الاشتباكات المسلحة في ليبيا واحد من 6000 مصري وصلوا إلى مطار مدينة قابس، لم يسعفهم الحظ للتحول ضمن الأفواج الأولى إلى مطار جزيرة جربة.

رصاص حي لترهيب الفارين

يقول أحمد لموقع “مراسلون”: “شعرت بالأمان فور الوصول إلى التراب التونسي. بقينا عشرة أيام تحت أشعة الشمس الحارقة، فقد عاملنا أعوان الشرطة الليبية بقسوة مستعملين الهراوات لفرض النظام والانضباط. الإحساس بالخوف والمصير المجهول طغى على شعورنا بالجوع والعطش”.

يتذكر أحمد أن عناصر الأمن في الجانب الليبي من معبر رأس جدير استعملوا الرصاص الحي لترهيب اللاجئين الفارين من طرابلس لتجميعهم في مكان واحد، ما أسفر عن اصابة عدد منهم. ويستدرك قائلا “عددنا تجاوز العشرة آلاف مصري، لكن التدافع لدخول التراب التونسي وحالة الفوضى التي شهدها المعبر لا تبرر استهدافنا مباشرة بإطلاق الرصاص من مدافعهم الرشاشة”.

ويقول إن أسباب محاولاتهم اقتحام البوابة التونسية كانت “بدافع مغادرة منطقة يسيطر عليها مليشيات لا تخضع لأي قوانين ولا تحترم حق اللاجئ”.

ويؤكد أن غياب مواطن الشغل في مصر دفعته للتضحية بترك موطنه منذ 12 سنة للعمل في ليبيا، لكن التطورات التي شهدتها طرابلس أجبرته على مغادرة عمله في أحد مخازن الملابس المستوردة من تركيا. ويتساءل “دفء العائلة في الصعيد المصري هل سيضمن لي 400 دينار ليبي (حوالي 320 دولار أمريكي) كنت أتسلمها نهاية كل شهر من رئيسي في العمل؟”.

خمسة أضعاف المرتب

تصريحات أحمد تتطابق مع أقوال الشاب حسن سلامة (28 سنة) الذي يبين أن العمل في ليبيا يوفر خمسة أضعاف مرتب عامل تنظيف في المراكز التجارية بمصر. وهو ما أجبر آلاف المصريين على الهجرة إلى المدن الليبية والقبول بمهن يرفض الليبيون ممارستها.

جاء أحمد إلى ليبيا أول مرة سنة 2010 قبل أن يغادرها سنة 2011، بعد اندلاع الثورة الليبية،  ثم يعود إليها من جديد بعد أربعة أشهر. لكنه يعتبر أن وصلوهم من طرابلس إلى الحدود التونسية يختلف عن سنة 2011. “هذه المرة لم نتعرض لعمليات سلب ما بحوزتنا من أموال. فقد كانت المليشيات المسلحة تمنع المنحرفين من المساس بنا وترافقنا دون الزج بنا في الصراعات الداخلية”.

حالات الإرهاق والمرض في صفوف المصريين الوافدين على مطار قابس، يعتبرها المسعف المتطوع منذ ثلاث سنوات بالهلال الأحمر التونسي خليل عاشور (25 سنة) أفظع من وضعية الفارين من ليبيا قبل سقوط نظام القذافي.

ويقول خليل في حديثه لموقع “مراسلون” إن الهلال الأحمر لاحظ نقصا فادحا في التغذية لدى المصريين، بسبب الاعتماد، قبل عبور الحدود التونسية، على وجبة واحدة في اليوم تقتصر على بعض الخضروات.

ويؤكد أن وضعيتهم في مدينة قابس (جنوب تونس) مختلفة، فقد “وفرنا لهم 3 وجبات في اليوم تضمن التوازن الغذائي وتساعدهم على تجاوز حالة الإهمال التي عانوا منها طيلة عشرة أيام في ليبيا. سجلنا حالات إغماء متكررة وإصابتين بالرصاص بقيتا دون علاج منذ أسبوع، وهو ما تطلب تدخلا طبيا من طرف مصالح الصحة في الجهة”.

ويشير عاشور إلى أن دور الهلال الأحمر تجاوز تقديم المساعدات الغذائية والطبية وطال الإحاطة النفسية للاجئين ومساعدتهم على محو معاناتهم في ليبيا، بالإضافة إلى التكفل بنقل أمتعتهم ومرافقتهم إلى حين صعود الطائرة.

وفي السياق ذاته لجأت منظمة الهجرة الدولية للتنسيق مع المراسلين الصحفيين الذين تطوعوا لمدها بالتطورات الميدانية وإبلاغها بحاجيات آلاف المصريين في معبر رأس جدير ومدينة قابس ومطار جزيرة جربة التونسية.

إجلاء كل العالقين

[ibimage==13874==Small_Image==none==self==null]

 

وحول مصير المصريين العالقين في الجانب الليبي، صرح السفير المصري بتونس أيمن مشرفة لـ “مراسلون” أن التنسيق بين السلطات المصرية والتونسية نجح في إجلاء حوالي 9000 مصري عبر مطارات قابس وجربة، إضافة إلى جسر جوي تم إحداثه مؤخرا في مدينة جرجيس. وأكد أن إجراءات إجلائهم من ليبيا وعودتهم سالمين لأرض الوطن مازالت جارية.

وأشار السفير المصري إلى أنه لا يعلم العدد الحصري للمصريين في ليبيا بسبب تدهور الوضع الأمني، لكن سفارته تعمل وفقا “لواقع ميداني” في الجانبين الليبي والتونسي بمعبر رأس جدير. ويضيف أن مصر لن تتخلى عن مواطنيها وستوفر لهم الرعاية اللازمة، “فقد قامت القوات المسلحة المصرية بإرسال أكثر من عشرة أطنان من المواد الغذائية لإيصالها للمصريين العالقين بليبيا”.

وأعلن وزير الطيران المدني المصري حسام كمال، يوم الأحد 10 أغسطس/ آب أن الجسر الجوي الذي نظمته مصر منذ عشرة أيام لنقل المصريين النازحين من ليبيا والعالقين على الحدود المصرية – الليبية سينتهي يوم الأحد بنقل 11 ألف مصري على متن 46 طائرة من تونس.

وشهدت الأيام الأولى من عملية إجلاء المصريين، تدافعا ومحاولات اقتحام البوابة التونسية، جابهتها قوات الأمن بإطلاق الغاز المسيل للدموع لتفريق حوالي 5000 مصري وإجبارهم على الرجوع للتراب الليبي. وسجل معبر رأس جدير الذي بات شبيها بإحدى المحافظات المصرية وصول تعزيزات عسكرية لمنع دخول المصريين دون الخضوع للإجراءات  القانونية وترحيلهم مباشرة إلى مطار جزيرة جربة.

ولم يسمح أعوان الجمارك بدخول لاجئين يتجاوز عددهم  مقاعد الحافلات المتوفرة في المعبر بحسب طاقة استيعاب الطائرات الرابضة في مطار جربة.

وكانت هذه الاجراءات الأمنية الصارمة طبقا لتوصيات رئاسة الحكومة التونسية التي قررت عدم السماح بإقامة مخيمات على أراضيها ومعاقبة من يخالف قوانين إقامة الأجانب في تونس.

كما حثت القوات المسلحة في الحدود على إخضاع جميع المسافرين من مختلف الجنسيات  للتفتيش، خوفا من تهريب أسلحة يعمد الإرهابيون لتخزينها واستعمالها في وقت لاحقا ضد الأمن والجيش، على غرار ما حدث سنة 2011 إبان الهجرة الجماعية من ليبيا.

لا لفتح الحدود

[ibimage==13880==Small_Image==none==self==null]

 

إجلاء المصريين اختلف عن إجراءات خروج البعثات الدبلوماسية، التي حظيت بمرافقة أمنية تواصلت إلى حين الوصول إلى مدارج الطائرات. كما تم توفير جميع الوسائل اللازمة لإجلاء العمال من الجنسيات الأوروبية، تكفلت سفاراتهم بتخصيص حافلات خاصة لنقلهم مباشرة إلى مطار جربة-جرجيس الدولي.

ولم يقتصر الهروب من الصراع المسلح في طرابلس وبقية المدن على الجنسيات الأجنبية، فقد غادر آلاف الليبيين منازلهم للإقامة في تونس في الشقق المفروشة والفنادق.

نجاح السلطات التونسية في تسهيل وتعجيل إجلاء آلاف المصريين، ناقض توقعات بعض وسائل الإعلام المصرية التي  تعمدت توجيه انتقادات لاذعة لحكومة مهدي جمعة. ورغم أن بعض القنوات التلفزية عبر عن “أسفه” لضرب المصريين في معبر رأس جدير وطالب بضرورة فتح الحدود دون قيود أو إجراءات أمنية تعطل عبورهم، إلا أن هذه المطالب اعتبرها محللون سياسيون تونسيون غير منطقية وأكدوا في مقالات عديدة على حق تونس في حماية حدودها، خاصة في ظل التهديدات والعمليات الإرهابية التي تعيشها البلاد.

تواصل تدهور الوضع السياسي والأمني في ليبيا، بات يشكل عبئا ثقيلا على الدولة التونسية، التي تعيش مرحلة انتقال ديمقراطي، وتواجه مخاطر إرهاب يهدد استقرارها ويتطلب قوة عسكرية وأمنية للقضاء على الإرهابيين في جبال الشمال الغربي، غير قابلة لتشتيت جهودها لمراقبة الوضع الليبي خوفا من انتقال الصراع للتراب التونسي.