“خايفْ انبارك للعرب بالعــــيد .. اتقــــول كلها الباين علينا هـازي/ على طرابلس مـانك حزين أكيد .. ولا يشغلك شن صار في بنغازي”
بمثل هكذا رسائل النصية افتتح ليبيون كثر يوم عيد الفطر الذي وافق الإثنين 28 يوليو/ تموز. وذلك قبل أن ترجلهم لساحات الصلاة، ليسود شعور عام بأن عيد هذا العام لا يحمل من العيد إلا اسمه.
عناق ودموع
“خايفْ انبارك للعرب بالعــــيد .. اتقــــول كلها الباين علينا هـازي/ على طرابلس مـانك حزين أكيد .. ولا يشغلك شن صار في بنغازي”
بمثل هكذا رسائل النصية افتتح ليبيون كثر يوم عيد الفطر الذي وافق الإثنين 28 يوليو/ تموز. وذلك قبل أن ترجلهم لساحات الصلاة، ليسود شعور عام بأن عيد هذا العام لا يحمل من العيد إلا اسمه.
عناق ودموع
وجوه شاحبة، رؤوس مطرقة للأرض، جلسات منحوتة من الحيرة وتكبيرات بالكاد تتجاوز الحناجر. هكذا كان حال المصلين في ساحة العيد التابعة لمسجد الفتح وسط مدينة اجدابيا (160 كم غرب بنغازي).
خطيب العيد الشيخ ما شاء الله بوجفول (37 عاماً) بدأ خطبته بعد الصلاة، لكن لسانه تلعثم حين استرسل في تكبيرات العيد بصوت رخيم، لتخنقه العبرة ويسأل “شنو اللي صاير في ليبيا يا الله؟”، متجاهلاً ما في ورقة الخطبة المعدة سابقا، فأطلق بهذا السؤال العنان لدموع كثير من الحاضرين.
بعد انتهاء الصلاة كان مشهد ساحة العيد غير مألوف، فمن المؤكد أن عناق المصلين لبعضهم وإجهاش الكثيرين بالبكاء ليس من ملامح العيد، وكأن الساحة اجتاحها سخام احتراق خزانات الوقود التي تم استهدافها في طريق المطار بطرابلس عشية اليوم السابق.
على مائدة إفطار العيد التي يتقدمها “المقطّع” (أكلة شعبية تقدم في صباح اليوم الأول من العيد) احتدم النقاش. بعض الأهالي كان يشدد على أن عملية الكرامة (بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر) هي التي سترجع هيبة ليبيا وتطهرها من التكفيرين على حد قوله، أما الآخر فيراها حرباً على الإسلام وأن من يؤيدها قد يقع في إحدى المناطات الكفرية، ليتراشق بعدها الطرفان الاتهامات، ويفترق الخصمان دون تصالح في يوم التسامح.
بهجة غائبة
بعد ساعة الإفطار كان الحاج فرج المشيطي يجول بنظرات أجفانه المترهلة في زوايا شارعه الضيق، بحثاً عن أطفال جاره محمد الحضيري الذين طالما أزعجوه في الأعياد السابقة بألعاب “الشط ولوّح” أو ألعاب المفرقعات.
وحين سأل الجيران أين الاطفال قيل له إنهم انطلقوا فجر هذا اليوم إلى بنغازي مع والدهم، بعد أن وصلهم خبر مقتل قريبهم من أفراد الصاعقة (قوات عسكرية تحت قيادة اللواء حفتر)، فتنهد حينها الحاج فرج مردداً “عيد ما عليه طعمة .. عيد ما عليه طعمة”.
اسماعيل العبيدي وهو صاحب محل ألعاب قال لـ “مراسلون” إن محله تعود دائماً على بيع كميات كبيرة من الألعاب في الأعياد، ولكن هذا العيد لم يبع محله شيئا يستحق الذكر. “حتى الذين اشتروا لأطفالهم ألعاباً كانوا يطلبون ألعاباً تتعلق بالحرب والقتال كالبنادق والمسدسات وغيرها”.
“تبريكات” للمواساة
أثناء تجوال “مراسلون” بالسيارة في المدينة، كان مذيع راديو اجدابيا المحلي، كما هي عادته في أيام العيد، يفرد مساحات كبيرة على الهواء لبرنامجه “تبريكات”.
لكن “تبريكات” هذا العام تحول إلى برنامج للمواساة، وحث الناس على الألفة ورأب الصدع فيما بينهم، والدعاء للأهل في بنغازي وطرابلس.
مدير الراديو أسامة المرغني قال إنه احتار في هذا العيد، وتردد كثيراً في بث أغاني الفرح ضمن أجواء الحزن والحداد الطاغية. فاكتفى في ليلة العيد ببعض أعمال الفلوكلور الليبي بالإضافة إلى بعض الأناشيد، ولكن بناء على طلبات المستمعين تم تقديم برنامج “تبريكات” محاولة منه للمساهمة في رسم البسمة على شفاه الناس.
حتى سهرات “ليالي رمضان” وهي من النشاطات الرمضانية السنوية التي يقيمها فريق “خليك إيجابي” بمدينة اجدابيا قبيل العيد بأيام، لم يغب عنها شبح الحزن.
سعد الشترا رئيس الفريق في حديثه مع “مراسلون” قال إننا نسعى من خلال هذا النشاط إلى خلق بيئة تعارف بين عائلات المدينة. ولكن بالرغم من كثافة الحضور إلا أن هاجس التفكير بما يحدث في بنغازي وطرابلس ظل مخيماً على أجواء النشاط “فلا يكاد يكون هناك تعليق أو مشاركة إلا وكان ديدنها حول الاشتباكات الجارية”.
وكذلك رئيس “الفرقة العصرية للفنون” سالم بووذن قال لـ”مراسلون” إن فرقته أوقفت عملين مسرحيين كان من المفترض عرضهما في أيام العيد، “فلا نتخيل أننا سنُضحك الناس في اجدابيا وأهالينا يبكون في بنغازي وطرابلس”، يعلق بووذن.
قصائد باكية
طقس سنوي آخر من طقوس مدينة اجدابيا المعروفة ببراعة أبنائها في نظم قصائد الشعر الشعبي، هو أشعار العيد التي يتنافس من خلالها الشعراء في قصائد التهنئة والأبيات الفكاهية.
لكن أسباب الشعر في هذا العام اجتمعت حول ما يحدث في “الجريحتين بنغازي وطرابلس”، على حد وصف الشاعر علي شحات الذي قال في يوم العيد “يا الله صفّيها .. اليوم جاي سافلها على عاليها .. ليبيا في يوم العيد”. ليرد عليه أخوه الشاعر عادل شحات على نفس النمط ويقول “يا قدير انهضها .. نجّي بعضها من ايدين بعضها .. ليبيا في يوم العيد”.
أما الشاعر عبد الباسط الزوي فاعتذر من رمضان ومن العيد “لأن الليبيين لم يراعوا الحرمة فيهما” قائلا “آسفين يا رمضان فيما درنا .. قتل ومجازر والبلاد خراب .. وآسفين يا عيد ما اصورنا .. يبقى نهارك دم بين اصحاب”.