لا يبدو أن الذاكرة الجماعية للتونسيين قد أهملت تفاصيل بداية التضييق على الحريات، خصوصا حرية التعبير والإعلام، في سنوات التسعينات وقبلها في ستينات القرن الماضي.

آنذاك وباسم حماية الأمن والحرب ضد “عدو” اتخذ من الأسماء الكثير أقامت الحكومات التونسية “خطوطا” حمراء سرعان ما تمدّدت كنقطة الزيت، ليصبح كلّ شيء محظورا.

هذه الهواجس التي رافقت التونسيين في السنوات الثلاث التي عقبت انهيار نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي تلخص في كلمات لا تتجاوز عدد أصابع اليد “الخوف من مقايضة الحرية بالأمن”، وفتح باب لعودة مصادرة الحريات بأسماء مختلفة.

لا يبدو أن الذاكرة الجماعية للتونسيين قد أهملت تفاصيل بداية التضييق على الحريات، خصوصا حرية التعبير والإعلام، في سنوات التسعينات وقبلها في ستينات القرن الماضي.

آنذاك وباسم حماية الأمن والحرب ضد “عدو” اتخذ من الأسماء الكثير أقامت الحكومات التونسية “خطوطا” حمراء سرعان ما تمدّدت كنقطة الزيت، ليصبح كلّ شيء محظورا.

هذه الهواجس التي رافقت التونسيين في السنوات الثلاث التي عقبت انهيار نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي تلخص في كلمات لا تتجاوز عدد أصابع اليد “الخوف من مقايضة الحرية بالأمن”، وفتح باب لعودة مصادرة الحريات بأسماء مختلفة.

ذات الهواجس عادت عقب قرار الحكومة التونسية غلق إذاعة “النور”  وقناة “الإنسان” في 20 تموز/ يوليو الماضي، وكلتاهما محسوبتان على التيار السلفي.

غلق “وسائل إعلام تكفيرية”

تبرير الحكومة لقرار غلقها إذاعة “النور”، التي قامت منذ أشهر بقرصنة موجات إذاعة “المنستير” العمومية والبث عليها، جاء مختزلا وصريحا: “التحريض، ونشر خطاب تكفيري”، في إشارة إلى تكرار وصف مقدمي الإذاعة ومذيعيها لأعوان الدولة من أمنيين وعسكريين بـ”الطواغيت” وهو وصف تطلقه الجماعات الجهادية عليهم. كما ان الإذاعة بحسب توضيح الحكومة تشجع على “الجهاد” وتطبيق الشريعة الإسلامية في تونس وترفض الدستور وتكفّر من شارك في العملية السياسية في البلد حتى وإن اقتصر دوره على الانتخاب، وهو ذات الأمر بالنسبة لقناة “الانسان” وإن كان بخطاب أقلّ حدة لم يصل الى مرحلة تكفير الناس والتحريض عليهم.

خطاب الإذاعة وتجاوزاتها التي بلغت حدّ التشجيع صراحة وتلميحا على “الجهاد” ورفع السلاح “لنصرة الدين الإسلامي” جعل من معارضة قرار الغلق أمرا يتجنبه الجميع كي لا يحسب عليه دعم الإرهاب.

لكن آليات اتخاذ القرار هي محلّ اعتراض ورفض من أوساط عديدة فاعلة في مجال الصحافة والإعلام خصوصا بوضع المؤسستين الأمنية والعسكرية في مرتبة “الخطوط الحمراء التي لا يجب ان تمسّ”.

أول من أعرب مباشرة عن رفضه لأساليب اتخاذ قرار بغلق مؤسسة إعلامية كانت نقابة الصحفيين التونسيين التي عبّرت عن رفضها استعمال الحرب على الإرهاب ذريعة للمس بحرية الصحافة وتنوع المشهد الإعلامي.

جدل بين الحكومة والنقابة

الجدل الذي دار بين نقابة الصحفيين وخلية الازمة لمتابعة الوضع الأمني في تونس والتي كونتها الحكومة واتخذت قرار الغلق، قسم الرأي العام التونسي بين داعم لمجهود الحكومة لدعم الارهاب والمحرضين عليه، وبين من يعتبرون أن التضييق على الاعلام بذريعة الارهاب أمر في غاية الخطورة.

واعتبر زياد دبار عضو المكتب التنفيذي للنقابة في تصريح لـ “مراسلون” أن “النقابة لا تدافع عن مؤسسات إعلامية تشجع على الإرهاب وتروج له لكنها تعترض على آليات اتخاذ قرار غلق المؤسسات الإعلامية السمعية البصرية دون سند قانوني”.

ويرى دبار أن الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري هي الجهة الوحيدة المخولة حسب المرسوم 116 معاقبة وسائل الاعلام التي لا تحترم القوانين وفق إجراءات معلومة، وأن المؤسسات المتضررة من حقها التظلم لدى القضاء.

ويرى عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحفيين أن الخطر هو في خلق سابقة تدخل الحكومة لغلق أو معاقبة وسائل الاعلام خارج إطار قوانين الصحافة وبذريعة محاربة الإرهاب.

نقابة الصحفيين مسكت العصا من المنتصف بتبنيها لموقف يقوم على رفض غلق مؤسسات إعلامية دون الالتزام بالإجراءات القانونية، وإنها في حالة إذاعة “النور” لا تعارض الغلق لكن شريطة الالتزام بالقانون. وهو موقف عدّه البعض أكثر نضجا من موقف نقابة الإذاعات الخاصة التي باركت قرار الحكومة واعتبرته خطوة ايجابية دون ان تقدم موقفها من آلية اتخاذ القرار.

ويختزل رفض آلية اتخاذ قرار غلق إذاعة النور -كتمهيد لغلق عدد من الإذاعات الخاصة الأخرى- في أن المرسوم الحكومي  صدر دون استشارة الهيئة الدستورية المشرفة على قطاع الإعلام السمعي البصري، وهو ما أعلنه رئيس الهيئة النوري اللجمي الذي تمسّك بتطبيق القانون والالتزام بالإجراءات التي جاءت في الدستور وفي المرسوم 116 المحدث للهيئة.

هذا الجدل الذي احتدم بين حكومة المهدي جمعة والفاعلين في القطاع الاعلامي تسارعت وتيرته بإعلان الحكومة في بلاغ لها عن أنها استشارت الهيئة قبل أخذ القرار وتكذيب الأخيرة للأمر.

وهو ما دفع بمصدر في المكتب الإعلامي لرئاسة الحكومة طلب عدم الكشف عن اسمه إلى يوجه انتقاداته للهيئة التي اعتبرها “متراخية” وغير فاعلة بسبب تأخر اتخاذها لقرارات غلق المؤسسات الإعلامي المحرضة على الإرهاب.

هيئة السمعي بصري على الخط

هذه الانتقادات واجهها النوري اللجمي، رئيس الهيئة العليا للإعلام السمعي البصري، بإعلانه رفض قرار غلق أية مؤسسة إعلامية، مباشرة، ودون المرور بمراحل التنبيه والتغريم والمنع الظرفي مثلما نص على ذلك المرسوم 116. “وهوأمر يتعارض مع الفلسفة التي قامت عليها الهيئة وهي التعديل”.

هذا الجدل انخرط فيه رجال السياسة في تونس ليوجهوا انتقاداتهم لأداء وسائل الإعلام واتهامها بغياب الحرفية والمهنية. فقد ساندت جل الأحزاب السياسية، من اليمين والوسط واليسار، قرار حكومة المهدي جمعة غلق القناتين تحت شعار “كلّنا ضد الإرهاب” وتماشيا مع ردود فعل شعبية انتقدت الحكومة في عدم حزمها لمواجهة الارهاب.

ويعيد هذا الجدل إلى الأذهان، حسب عديد الملاحظين، ذات المشهد الذي حدث في التسعينات حينما ساند السياسيون نظام بن علي ودعموه في قرارات تمس من مبدأ حرية التعبير والإعلام قبل ان يعلنوا بعد 23 سنة أنهم أخطأوا .