علي العريّض، الأمين العام الجديد لحركة النهضة، سياسي جرّب شعور المحكوم عليه بالإعدام ورأى في نومه حبل المشنقة وهو يدنو من رقبته كل ليلة لينجو في النهاية بعفو من بن علي. جرّب السجن الانفرادي لمدّة 13 سنة بداية التسعينات وجرّب التعذيب حدّ تهديده بحقنه بفيروس الإيدز. لكنه جرّب أيضا نشوة السلطة ولذّة الجاه والنفوذ عندما شاءت الثورة أن يجلس ضحية الأمس على كرسي جلاّد الأمس كوزير للداخلية في مرحلة أولى قبل أن يجد نفسه رئيسا لحكومة الترويكا التي غادرها بعد أن اضطر للاستقالة. 

علي العريّض، الأمين العام الجديد لحركة النهضة، سياسي جرّب شعور المحكوم عليه بالإعدام ورأى في نومه حبل المشنقة وهو يدنو من رقبته كل ليلة لينجو في النهاية بعفو من بن علي. جرّب السجن الانفرادي لمدّة 13 سنة بداية التسعينات وجرّب التعذيب حدّ تهديده بحقنه بفيروس الإيدز. لكنه جرّب أيضا نشوة السلطة ولذّة الجاه والنفوذ عندما شاءت الثورة أن يجلس ضحية الأمس على كرسي جلاّد الأمس كوزير للداخلية في مرحلة أولى قبل أن يجد نفسه رئيسا لحكومة الترويكا التي غادرها بعد أن اضطر للاستقالة. 

 يرى قسم من التونسيين أن فترة حكم العريض ملطخة بالدم والاغتيالات السياسية، فقد اغتيل في فترة حكمه الزعيمان اليساريان شكري بلعيد في شباط/ فبراير 2013 ومحمد البراهمي في 25 تموز/يوليو من العام نفسه، في حين يصف نفسه بأنه رجل الدولة اجتهد لينجح الوطن بينما سعى غيره للنيل منه والتحريض ضدّه.

 في الحوار التالي مع “مراسلون” تحدّث رئيس الحكومة التونسية السابق عن خلافته لحمادي الجبالي على رأس حركة النهضة كما تحدّث عن ترشّحه لمنصب الرئيس القادم، وتطرق إلى ملف الإرهاب وموقفه من “معركة المصير” بين الإرهابيين والشعب التونسي. 

مراسلون : بعد مجزرة الشعانبي الأخيرة (مقتل 15 فردا من الجيش التونسي على يد مجموعات مسلحة) ما موقفك من هذه العملية الارهابية ومن اتهام بعض النقابات الأمنية للأجهزة الرسمية بالتقصير والتخاذل؟  

العريض: هذه جريمة إرهابية أخرى وشهداء جدد في حربنا على الإرهاب. وهي حرب ذات تكاليف وستأخذ بعض الوقت. كلّ الذي آمله وأدعو إليه هو تلاحم المجتمع وتلاحم أجهزة الدولة ومؤسساتها، أي صيانة الوحدة الوطنية في المراحل الصعبة والتحلّي برباطة الجأش والثبات وعدم مجاراة بعض الذين يستغلّون هذه المآسي للتوظيف السياسي والتحامل على دولتنا ومؤسستنا العسكرية والأمنية وعلى أطراف سياسية بهدف النيل من المعنويات العامّة.

إنّ مثل هذا الصنيع جريمة في حق الوطن وخدمة للإرهاب والإرهابيين وعلى القانون أن يأخذ مجراه في هذه الحالات. 

خلفت حمادي الجبالي على رأس الحكومة في السابق وتخلفه اليوم كأمين عام على رأس حركة النهضة. أي المنصبين تعتبره الأكثر إرهاقا، قيادة حكومة في فترة حرجة أم قيادة حزب يريد أن يسترجع الحكم؟

لكلّ منصب خصائصه، ومن حيث حجم العمل والضغوطات والتحدّيات والاستهداف فإنّ منصب رئاسة الحكومة أشدّ صعوبة خاصة عندما تكون أولوياتك هي الاجتهاد لينجح الوطن وننجح معه وأولويات البعض هي إفشال جهودك والتحريض ضدّك.

أولوياتي اليوم هي أولويات النهضة وهي المساهمة الكبيرة في نجاح الانتقال الديمقراطي وفي بسط الأمن ومكافحة الإرهاب ودفع التنمية والإصلاح ومقاومة الفساد وترسيخ الحوكمة الرشيدة وتحقيق العدالة الانتقالية.

هل تعتبر نفسك مسؤولا عن مغادرة الحركة للحكم؟

غادرنا الحكومة في إطار اتفاق والتزام مع بقية الأطراف بإنهاء الدستور والمصادقة عليه ووضع البلاد على طريق الانتخابات بإقرار الهيئة العليا للانتخابات وتحديد المواعيد (قبل نهاية 2014) وإفراز حكومة محايدة تسهر على باقي المرحلة حتى الانتخابات. هذا هو الإطار الذي حرصتُ عليه وحرصت عليه حركة النهضة ومن أجل هذا الهدف النبيل غادرت رئاسة الحكومة.

هل يعتبر منصب الأمين العام بداية الطريق نحو قصر قرطاج كرئيس قادم للجمهورية؟

الأمين العام مسؤول في الصف الأوّل للحركة، يسهر على تطوير بناء الحركة – برامجها وتنظيمها ومواقفها- لتكون في خدمة المشروع الوطني التونسي والذي يشير إليه شعار الحركة (حريّة، عدالة، تنمية).

المهم هو أن أواصل المساهمة في خدمة تونس من أيّ موقع كان، أمّا الترشح للمناصب فهو خيار نتّخذه بشكل جماعي في مؤسسات الحركة وهو ليس من أولوياتي. وبالنسبة للانتخابات الرئاسية القادمة فنحن مازلنا نتشاور مع الأحزاب والمنظمات والشخصيات حول أفضل المرشحين لدعمه جماعياً إن أمكن.

السيد علي العريض يراه أنصار حركة النهضة رجل الدولة القوي في حين يرى خصوم النهضة أنه سياسي فاشل كاد يجرّ البلاد الى حمّام من الدم خاصّة وأن هناك اتهامات بتساهلكم مع الإرهاب؟

عندما نتجاوز هذه المرحلة ويتخلّص الكثيرون من التجاذب السياسي والانتخابي سيذكر التاريخ بعون الله أنّ الحكومات التي توالت بعد الثورة والتي ترأّست إحداها في مرحلة ومنطقة مضطربتين وفيهما الكثير من المخاطر والفوضى قد تمكّنت بالعبور بالبلاد إلى الديمقراطية والأمن وإفشال مخططات الإرهاب لإسقاط الدولة والديمقراطية، وأنّنا كنّا في تونس المثال الناجح للثورات العربية والقاطرة التي أعطت وستعطي الأمل للآخرين للنجاح. 

لقد حميت تونس والثورة من السقوط تحت ضربات الإرهاب وضربات دعاة الفوضى والمرتدين على الثورة وأهدافها النبيلة.

هل ندمت يوما على  قرارك بعدم القبض على أبو عياض (زعيم تيار أنصار الشريعة المصنف منظمة إرهابية)؟

قراري كان ومازال هو القبض على أبو عياض ولا يوجد لي أي قرار سواه. ولعلّك تتحدّثين عن موافقتي على طلب القيادات الأمنية عدم اقتحام المسجد في 17 أيلول/سبتمبر 2012 بسبب تقديرهم أنّ العمليّة ستؤدّي إلى سقوط عدد كبير من الضحايا. فكانت موافقتي على طلبهم مرفوقة بقرار تعقّبه والقبض عليه حال خروجه. وقد عملت الوحدات الأمنية على ذلك ولم تحقق المطلوب بسبب الحضور الكثيف للمصلين يومها وحالة الفوضى بالمكان. واستمرّت جهود التعقّب ومازالت إلى حين تقديمه للعدالة.

مبادرة ترشيح رئيس توافقي قوبلت برفض أغلب المكونات السياسية ومع ذلك ما تزال حركة النهضة متمسّكة بها. لماذا كل هذا الإصرار على هذه المبادرة، وماذا بخصوص اقتراح الحركة كمال مرجان (آخر وزير خارجية زمن بن علي) كرئيس توافقي؟

إلى اليوم لم نقترح أيّ إسم كمرشّح توافقي للرئاسة وكلّ الأسماء ما تزال في السباق. نحن مازلنا نتشاور مع شركائنا حول المبادرة التي أطلقناها وقد نبدأ التداول في الأسماء خلال الاتصالات القادمة.

كيف ترون حظوظ حركة النهضة في الانتخابات التشريعية القادمة؟

تستعدّ الحركة حاليا للانتخابات التشريعية وهي بصدد إعداد قائماتها الانتخابية وبرنامجها الذي ستطرحه على الشعب. وتنوي الدخول إلى التشريعية باسم النهضة.

عوامل كثيرة يمكن أن تؤثر في سلوك الناخبين بما يجعل من السابق لأوانه التكهّن بنتائج الانتخابات. وعموما لنا قاعدة انتخابية محترمة وستكون لنا كتلة في البرلمان القادم. أمّا في الانتخابات الرئاسية فقد طرحنا مبادرة للتشاور مع الأحزاب حول إمكانية تشكيل ائتلاف واسع أو توافق حول الشخصية الأنسب لمواصلة أهداف الثورة. والمشاورات مازالت جارية.

 ما هو تقييمكم لأداء حكومة المهدي جمعة؟ هل أصبح وضع البلاد أفضل مع هذه الحكومة؟

وضع البلاد صار أفضل عندما اتخذنا بالتوافق جملة من القرارات الهامّة ومنها بالخصوص إصدار الدستور وتشكيل الهيئة المستقلّة للانتخابات وتحديد مواعيد الانتخابات والمصادقة على حكومة محايدة لما تبقّى من المرحلة وهي ليست معنيّة بالترشح وكذلك إصدار قانون العدالة الانتقالية والاتفاق على الهيئة المكلّفة بهذا الملف.

تسعى حكومة السيد مهدي جمعة للإيفاء بتعهداتها وتعمل مؤسسات الدولة (الرئاسة والمجلس التأسيسي والحكومة) وعدّة أحزاب ومنظّمات على أداء دورها حتى تنجح البلاد في هذه المرحلة الانتقالية الحساسة نظرا لتزاحم المهام والتحدّيات والمخاطر. الجهد جماعي والمسؤولية أيضا جماعية.