مضامين مسلسلات رمضان ابتعدت عن السياسة وما جرى في ثورتي يناير ويونيو. نتيجة قد يصل لها من يشاهد السباق الدرامي الأخير واقفا، أما من يجلس أمامه ويتأمل سيكتشف بسهولة أن السياسة حاضرة في كل الأعمال تقريبا وأنه لم يعد هناك مفر من تجاهلها بعدما أصبحت الأحداث السياسية تشكل يوميات المواطن المصري رغم عنه.
مضامين مسلسلات رمضان ابتعدت عن السياسة وما جرى في ثورتي يناير ويونيو. نتيجة قد يصل لها من يشاهد السباق الدرامي الأخير واقفا، أما من يجلس أمامه ويتأمل سيكتشف بسهولة أن السياسة حاضرة في كل الأعمال تقريبا وأنه لم يعد هناك مفر من تجاهلها بعدما أصبحت الأحداث السياسية تشكل يوميات المواطن المصري رغم عنه.
صحيح أنه لا يمكن القول بوجود أعمال درامية تناولت الواقع السياسي بشكل مباشر، عكس مسلسلات أخرى تم عرضها في المواسم التي تلت ثورة يناير مباشرة، لكن السياسة كانت حاضرة بقوة في مسلسلات رمضان 2014 ومن زاويا مختلفة معظمها داخل المضامين التي تابعها الجمهور وبعضها خارجه فيما يتعلق بالنواحي الإقتصادية والعائدات الإعلانية التي تعني المختصين لا المشاهدين.
عودة مواطن
“عودة مواطن” هو عنوان الفيلم الشهير لمحمد خان الذي تابع الجمهور من خلاله كيف تغيرت مصر في الثمانينات من خلال المواطن العائد للاقامة في بلد بعد غربة عمل، راصدا كيف تغيرت القيم التي تركها قبل أن يتجه لمطار القاهرة. فكرة الفيلم تكررت بصيغة أخرى عام 2010 مع أحمد حلمي في شريط “عسل أسود” ومن المنطلق نفسه. لكن من منظور مختلف تماما رصدت هند صبري في مسلسل “امبراطورية مين” هذا العام حماس أميرة وأسرتها المقيمة في لندن منذ 15 عاما للعودة إلى مصر بعد الصورة المثالية للمحروسة التي رأتها في ميدان التحرير لمدة 18 يوما انتهت بسقوط رأس النظام حسني مبارك.
وبعودة أميرة لأرض الواقع رصد المسلسل الكثير من التناقضات التي تعانيها الشخصية المصرية وأعاد التذكير بالعديد من الوقائع التي كادت تنساها الذاكرة الجمعية رغم أن معظمها جرى عامي 2011 – 2012 ، مثل مذبحة ماسبيرو والاستفتاء على الدستور في 19 مارس، مع التركيز على المتحولين سياسيا، وتجار الدين وغير ذلك من ملفات. ما سبق ربما يفسر الهجوم الدعائي من الملحن عمرو مصطفى، المعادي لثورة يناير على صبري وفريق المسلسل ودعوته لها بالعودة لبلدها الأصلي تونس وتقديم مسلسل عن الثورة هناك.
السجن الكبير
على طرف آخر، تجري أحداث مسلسل “سجن النسا” قبل قيام الثورة بسنوات عدة، لكنها تقول لمن في رأسه عقل كيف وصل المجتمع المصري للهاوية التي على إثرها انفجرت الأوضاع في يناير 2011، من خلال معاناة شخصيات المسلسل مع الجهل والعوز والجريمة وتحول السجن لمكان مفضل بالنسبة لمعظمهن بالمقارنة بالتوحش الذي ساد المجتمع خارج الأسوار.
في مسلسل آخر حصد إعجاب الجمهور هو “السبع وصايا” كان تبرير غياب الشرطة عن متابعة الأبطال الذين قتلوا أبائهم بسبب انشغالهم بما هو أهم تكريسا لغياب الأمن بالفعل في حياة المصريين طوال السنوات الثلاثة الماضية، بينما عكس مسلسل “السيدة الأولى” كيف يتحكم مدمنو السلطة إلى حد كبير في خيوط تحريك الشارع حسبما تأتي رياح عواصفهم السياسية ضد بعضهم البعض. كذلك أعاد مسلسل “ابن حلال” الجدل حول قضية مقتل ابنة المطربة ليلي غفران وجدد الشكوك في كون الفاعل ليس الشاب البسيط الذي تم اعدامه وإنما ابن مسؤول مصري نافذ في عهد مبارك.
حتى الكوميديا
المسلسلات الكوميدية التي تهدف للضحك فقط كما يقول صناعها دائما لم تبتعد هي الأخرى عن السياسة، أغنية “بشرى خير” التي خرجت لدعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال الانتخابات الرئاسية الماضية كانت حاضرة ضمن أحداث مسلسل “الكبير قوي”. المسلسل نفسه استعاد واقعة القاء القبض على حمامة متهمة بالتجسس، والتي كانت تعكس حجم الهوس الأمني الذي أصيب به المصريون، استعادها المسلسل لكنه حول الحمامة إلى أبو قردان تحاورها اعلامية مستفزة في اشارة للاعلامية ريهام سعيد مقدمة برنامج “صبايا الخير” على شاشة قناة النهار والتي تثير الجدل دائما حول القضايا التي تعرضها للجمهور.
على خط مواز سار مسلسل “فيفا آطاطا” الذي عاد من خلاله محمد سعد لشخصية اللمبي الذي يعود لعصور مختلفة بحثا عن كنز أسرته، لكن الهدف كان اعادة قراءة التاريخ المقرر على المصريين جيلا وراء جيل من خلال ردود أفعال اللمبي التي تبدو مضحكة فقط لمن لا يحلل عباراته سياسياً، والتي هدفت في اجمالها لبيان كيف تفضح شخصية اللمبي الفوضوية حجم الاكاذيب التي عاشتها الأجيال السابقة وأنتجتها القصور الحاكمة أيا كانت توجهات الحكام السياسية والدينية.
واللافت أن هذه الطريقة في التناول السياسي كانت الأكثر تأثيرا واستجابة من المشاهدين خصوصا على مواقع التواصل الاجتماعي بالمقارنة بالأعمال التي حاولت تقديم السياسة بشكل مباشر كما حدث في مسلسل “المرافعة” التي ظهر فيها مرشد الإخوان محمد بديع بعدما جسده الممثل أحمد عبد الوارث. لكن العمل حقق نجاحا أقل من المتوسط.
السياسة والإقتصاد
خارج البلاتوهات السياسية أثر الوضع الاقتصادي وطغيان حمى المونديال في النصف الأول من رمضان على الأعمال الفنية وأدى لعدم تحقيق القنوات الرئيسة المدخول الإعلاني الكبير. فقد خصصت الشركات الكبرى ميزانيات أقل لحملات 2014 ، وبات واضحا بعد الحلقات العشر الأولى أن الإعلانات تذهب للمسلسلات الأكثر نجاحا أيا كانت القناة التي تعرض عليها، عكس المسلسلات الحصرية التي لم تحظ بالاهتمام الإعلاني نفسه لأن معظمها فشل في جذب اهتمام الجمهور الذي ظن أنه سيأخذ فسحة من السياسة في رمضان، لكن يبدو أن صناع الدراما المصرية لم ينجحوا في المهمة.