مراسلون: تبدو قضيتك متشعبة، فهل تفسّر لنا أولاً أسباب احتجازك؟

بوناب: جئت إلى دولة قطر عام 1999 لأشغل وظيفة خبير إعلامي بمكتب رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة بعد أن قضيت 15 عاما رئيسا للقسم العربي بالهيئة العامة السويسرية للإذاعة والتلفزيون. سنة 2003 كلفني رئيس مجلس الإدارة بإعداد دراسة لإطلاق قناةٍ للأطفال ضمن مشروع تربوي عربي جاء بمبادرة من رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم .

مراسلون: تبدو قضيتك متشعبة، فهل تفسّر لنا أولاً أسباب احتجازك؟

بوناب: جئت إلى دولة قطر عام 1999 لأشغل وظيفة خبير إعلامي بمكتب رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة بعد أن قضيت 15 عاما رئيسا للقسم العربي بالهيئة العامة السويسرية للإذاعة والتلفزيون. سنة 2003 كلفني رئيس مجلس الإدارة بإعداد دراسة لإطلاق قناةٍ للأطفال ضمن مشروع تربوي عربي جاء بمبادرة من رئيس مجلس إدارة مؤسسة قطر للتربية والعلوم .

وقد شغلت منذ 2004 وحتى 2011 وظيفة عضو مجلس الإدارة والمدير العام التنفيذي للقناة. وحصلت القناة تحت إدارتي على أكثر من 50 جائزة تقديرية عربية ودولية. لكـن هــــــذا الحلم الجميل انقلب فجاة إلى كابوس مفزع عطّل حياتي وحياة عشرات الموظفين.

ما الذي حصل تحديدا؟

لقد بدأت القضية بفصلي من العمل في ظروف مريبة وغير عادية يوم الثلاثاء27 أيلول/سبتمبر أيلول 2011. توقفت الأجهزة في مكتبي! البريد الإلكتروني والهاتف الدولي والكمبيوتر!

للوهلة الأولى، حسبت الأمر عطلا فنيًا، غير أن الزملاء أبلغوني أن كل شيء كان عادياً بالقناة.

تلقيت إثرها اتصالا من نائب الرئيس للشؤون الإدارية بمؤسسة قطر ليبلغني أن رئيس مجلس إدارة المؤسسة الشيخة موزا بنت ناصر (زوجة أمير قطر آنذاك ووالدة الأمير الحالي تميم) قررت فصلي فورا عن العمل وتعيين إدارة جديدة للقناة، وأنه تم فرض منع سفر علي في نفس ذلك اليوم، عشية سفري في مهمة عمل.

حاولت بشتى السبل التواصل مع مكتب السيدة موزا والمسؤولين لفهم ما يجري، لكن دون جدوى، الأبواب كلها موصدة في وجهي!

بعد شهر فقط من فصلي الذي تبعه في ظرف 6 أسابيع فصلُ كامل الطاقم الإداري الذي كان يعمل معي بالقناة وفصلُ عشراتِ الموظفين الآخرين، تم إبلاغي يوم 30 تشرين أول/اكتوبر 2011 أن إدارة الجزيرة للأطفال قدمت ضدي وخمسة من زملائي بلاغا إلى النائب العام بتهم خطيرة تتراوح بين الاختلاس وإهدار المال العام وسوء استعمال السلطة.

هل كان بينك وبين الشيخة موزا خلاف من أي نوع كان؟

كانت علاقتي مع الشيخة موزا علاقة عمل يسودها التقدير والاحترام المتبادل. ورغم كل ما تعرضت له من ظلم وافتراء منذ فصلي من العمل، فإنني أؤكد أنني طوال سنوات عملي ضمن مؤسسة قطر، لم أجد منها  إلا كل الدعم والمساندة والثقة.

تتعلق التهم الموجهة إليك من النيابة العامة القطرية بالإستيلاء على المال العام وإهداره في إنتاج البرامج التلفزيونية. من يقف وراء هذه التهم الموجهة إليك؟

هم بلا شك أولئك الذين دبروا المكيدة ضدي وضد زملائي منذ البداية ومن يقف وراءهم. فقد بدأت القضية بتقرير أعدته إدارة التدقيق الداخلي لمؤسسة قطر وأرفقه رئيس مجلس إدارة قناة الجزيرة للأطفال بالبلاغ الموجه ضدي وزملائي إلى النيابة العامة في تشرين أول/أكتوبر 2011. ولم يكن هذا التقرير في واقع الأمر سوى وابل من الإتهامات العشوائية  الموجهة جزافا ودون أي سند أو حجة لي ولفريقي الإداري.  

واعتمادا على البلاغ المقدم من إدارة الجزيرة للأطفال إلى النيابة العامة والمستند إلى تقرير إدارة التدقيق الداخلي لمؤسسة قطر، انتدبت النيابة العامة في كانون الأول/ديسمبر 2011 لجنة من ديوان المحاسبة القطري لفحص التهم الواردة في تقرير التدقيق الداخلي لمؤسسة قطر وتأكيدها أو تفنيدها.

وبعد قضاء اللجنة 8 أشهر في الفحص والتدقيق، خلتْ إستنتاجات المدققين من أي تصرف خاطئ أو عمل مشين من جانبي أو من جانب زملائي في إدارة القناة بالنظر إلى التهم الخطيرة الموجهة إلينا في تقرير إدارة التدقيق الداخلي لمؤسسة قطر.

لكن إدارة الجزيرة للأطفال رفضت قبول استنتاجات ديوان المحاسبة وطعنت فيها! فكلفت النيابة العامة مؤسسة “أرنست يونغ” العالمية بإجراء تدقيق آخر تواصل حوالي ثمانية أسابيع، ليؤكد تقريرها أيضا نفس استنتاجات ديوان المحاسبة.

رغم أن مكاتب التدقيق القطرية والأجنبية برأتك من تهمة الإختلاس وإهدار المال العام وسوء استعمال السلطة، فإن المحكمة أرجأت البت القضية في آخر جلسة إلى أجل غير مسمى، هل تتوقع تواصل احتجازك إلى أجل غير مسمى أيضا أم تعول على الضغط الدولي للافراج عنك؟

بدأت محاكمتنا يوم 5 شباط/فبراير 2013 وكنا ننتظر صدور الحكم في القضية في جلسة يوم الخميس 3 حزيران/يوليو 2014. لكن المحكمة لم تُدل بالحكم بل فاجأتنا أنها طلبت انتداب لجنة ثلاثية من الهيئة العامة (القطرية) للإذاعة والتلفزيون من الخبراء المختصين بإنتاج البرامج موضوع التداعي تكون مأموريتها بيان الأسس الفنية التي على أساسها تم تقدير قيمة تلك البرامج.

فطلبنا من المحكمة العدول عن هذا الحكم التمهيدي لأن الجهة التي أوكل لها القاضي مهمة الفحص وهي المؤسسة القطرية للإعلام (الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون سابقا)، يرأسها الشيخ حمد بن ثامر آل ثاني الذي هو في نفس الوقت رئيس مجلس إدارة شبكة الجزيرة، وكذلك مجلس إدارة قناة الجزيرة للأطفال منذ تأسيسها، كما أنه هو من رفع البلاغ ضدي وخمسة من زملائي إلى النائب العام في 30 تشرين أول/اكتوبر 2011، وهو كذلك رئيسي المباشر في العمل، مما سيجرد اللجنة من  الحياد والموضوعية الضروريتين لإنجاز مثل هذا العمل.

رغم كل تلك الإعتراضات والحجج، رفضت هيئة المحكمة العدول عن الحكم التمهيدي وقررت مخاطبة المؤسسة القطرية للأعلام لتشكيل اللجنة الفنية لفحص البرامج وحددت المحكمة الجلسة المقبلة يوم 1 تشرين أول/أكتوبر، مما يعني أننا سنقضي صيفا آخر في الدوحة هو الرابع على التوالي منذ بداية هذه القضية.

لذا، فأنا قابع في الدوحة في انتظار أن يفرِجها الله أو حصول تسوية وصفها البعض بالسياسية، ما دامت هذه القضية مستعصية على التحقيقات وعلى القضاء ويبدو أنها أيضا مستعصية حتى على السياسيين.

تعهد أمير قطر خلال زيارته في نيسان/أبريل الماضي إلى تونس بمتابعة قضيتك والإفراج عنك في أقرب الآجال، هل تعتقد أن أعلى سلطة في قطر غير قادرة اليوم على الايفاء بتعهداتها؟

لا أشك لحظة واحدة في أن الشيخ تميم كان صادقا في وعده لرئيس الجمهورية  المنصف المرزوقي. ولا ريب لدي أنه يعلم أنني خدمت دولة قطر حوالي 15 عاما في كنف الأمانة والإلتزام وأنني تعرضت داخل مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع إلى تهم مفتعلة ولا أساس لها.

هل ترى تذبذبا بين موقفي الدبلوماسية التونسية ورئاسة الجمهورية من قضيتك؟

كنت آمل أن يستقبل رئيس الجمهورية  بعض أفراد عائلتي على الأقل ليطمئنهم أن الدولة التونسية لم ولن تتخلّ عن قضية محمود بوناب وأنها تقوم بكل ما في وسعها كي يعود إلى والدته وأسرته.

لكن يبدو أن هناك من استكثر ذلك عليّ وعلى أسرتي وعلى لجنة المساندة من أجل اعتبارات تتعلق ببعض المصالح الآنية أو الحسابات الضيقة وبذريعة أن الأمر قد يُثير حفيظة الأشقاء في قطر. وهذه في رأيي قراءة مُكَابِرة ومُجَانبة لطبيعة العلاقات بين الدوحة وتونس.  لذا، يؤلمني جدا موقف بعض المسؤولين في تونس وفي قطر لإصرارهم على التغاضي عن الحق.

ما هي ظروف إقامتك الحالية في قطر وهل هناك تحرك دولي للافراج عنك؟

أنا حبيس في الدوحة وداخل حدود دولة قطر منذ 27 أيلول/سبتمبر 2011 أي منذ 34 شهرا بسبب منعي من السفر. وآخر طلب قدمه محاميّ لرفع منع السفر كان في الأسبوع الأول من شهر تموز/يوليو الجاري لكنه رُفض، وهذا الرفض هو الثالث منذ بداية محاكمتنا رغم الضمانات التي قدمناها بأن نبقى على ذمة القضاء. وأحاول قدر الإمكان تجاوز الضغوطات المادية والنفسية كي أحافظ على إنسانيتي ولياقتي الذهنية.

لقد ضيعت هذه القضية المفتعلة ثلاثة سنوات من حياتي، وألحقت بي وبعائلتي أضرارا فادحة. حياتي معطلة تماما وليس لي أي مـورد رزق يحفظ حرمتي منذ سنتين. ولولا أنني ما زلت أقيم في البيت المخصص لي من مؤسسة قطر لوجدت نفسي في الشارع دون مأوى.

ثم إنني أُقيم في قطر بلا رعاية صحية حيث ألغت الجزيرة للأطفال تأميننا الصحي الخاص فور فصلنا عن العمل. كما أصبحت ممتلكاتي مهددة بالبيع أوالمصادرة بسبب عجزي عن تسديد أقساط القروض البنكية التي بذمتي. هذا إلى جانب الصدمة التي أصابت أسرتي وأولادي بسبب ما أشيع عني من افتراءات ومن تشويه فادح ومقصود لسمعتي ورصيدي المهني.