انطلاقا من العاصمة البريطانيّة لندن وبواسطة “السكايب” والقناة التي يمتلكها “المستقّلة” استطاع الهاشمي الحامدي الذي لم يدخل تونس حتى بعد ثورة 14 كانون ثاني/يناير 2011 أن يحقق نتائج غير متوقعة في انتخابات المجلس التأسيسي الأخيرة في تشرين أول/أكتوبر 2011.

انطلاقا من العاصمة البريطانيّة لندن وبواسطة “السكايب” والقناة التي يمتلكها “المستقّلة” استطاع الهاشمي الحامدي الذي لم يدخل تونس حتى بعد ثورة 14 كانون ثاني/يناير 2011 أن يحقق نتائج غير متوقعة في انتخابات المجلس التأسيسي الأخيرة في تشرين أول/أكتوبر 2011.

ريم الثائري كانت أحد جنود الحملة الانتخابيّة الذين حرّكهم الحامدي عن بعد. لم يكن لديهم أيّ نشاط سياسي ملحوظ سابقاً ولا كانوا معروفين بين الأوساط الشعبية أو المعارضة. لكن وعود الحامدي كانت كافية لنجاحهم: الخبز بنصف السعر والصحة والتعليم والنقل المجاني، فضلاً عن منحة بطالة ومنحة زواج للشبّان.

في محافظة القيروان، وسط تونس، فازت قائمة العريضة الشعبيّة المستقلّة بزعامة الحامدي بمقعدين في المجلس التأسيسي (البرلمان)، والذي كانت مهمّته الأساسيّة كتابة ثالث دستور لتونس وثاني دستور بعد الاستقلال سنة 1956. الفائزان هما ريم الثائري ورمضان الدغماني.

زعيمة بالصدفة

الفتاة الخجولة التي يخفي غطاء الرأس مساحة من وجهها، إبنة الثلاثين عاما، لم تبذل في سبيل الفوز سوى ترويج الوعود الانتخابيّة لـ”الهاشمي الحامدي” رئيس القائمة. ولم تحتج سوى إلى مدير المدرسة رمضان الدغماني الذي ينحدر من مسقط رأسها بمعتمدية بوحجلة ليقدّمها لزعيم العريضة الشعبيّة الحامدي، فيقرّر منحها الترتيب الثاني في قائمته الانتخابية.

وخلال فترة الحملة الانتخابيّة لم تعقد الثائري أي اجتماع شعبي ولم تظهر في أي ندوة صحفيّة ولا حوار ولا مداخلة إعلامية. وإنما كان رصيدها الوحيد هو اسم الحامدي وصورته ووعوده في حال  فوزه بالرئاسة وعودته الى تونس. ولكنه لم يعد.

خرّيجة الجامعة، اختصاص لغة إنجليزية، الّتي لم تظهر في أيّ حراك سياسي أو مدني أو طلابي قبل الثورة، وجدت نفسها بعد ثمانية أعوام من البطالة ضمن أعضاء المجلس التأسيسي، ومن أصغرهم سنّا. وهي لم تعرف وظيفة تدرّ عليها مرتّبا، قبل مرتّب التأسيسي الذي أثار الكثير من الجدل.

بخلاف زملائها، أيمن الزواغي وابراهيم القصاص، الذين اشتهرا بحس الفكاهة والحديث داخل المجلس عن الأكل والمنح، وعن الجنس أحيانا، كانت تدخلات الثائري في المجلس التأسيسي تتركز على سرد مآثر الهاشمي الحامدي وبرنامجه الانتخابي. وهو ما جعلها تتعرض الى الانتقاد من قبل أهالي القيروان هي وبقيّة النوّاب عن الجهة بسبب “سلبيّة التدخلات” وعدم الاهتمام بخدمة الجهة وتحسين مستوى التنمية.

صلتها بالهاشمي الحامدي لم تنقطع، بخلاف رئيس القائمة رمضان الدغماني، الذي تململ كثيرا صلب كتلة العريضة الشعبيّة ثم قرر الالتحاق بكتلة سياسيّة أخرى وعد رئيس حزبها بوعود أكثر خيالية من الحامدي؛ إحداث جسر في البحر بين تونس وإيطاليا.

تلغي الثائري نفسها أمام صورة  الحامدي المقيم وراء البحار، وتعترف “أنّ من انتخبوني، لم يكونوا يعرفوني وإنما صوّتوا للهاشمي الحامدي وبرنامجه الانتخابي”. وهي لا تتوقف من وصفه بـ”الزعيم” وتتواصل معه عبر برنامج السكايب، وسيلة التواصل الاساسية بينه وبين أعضاء الحزب.

واصلت البرلمانية الشابة الدفاع عن زعيمها أمام زملائها في “تيّار المحبّة”، الإسم الجديد للعريضة الشعبيّة. ومانعت حركة الانشقاق التي قادها زميلها ذياب الشريف الغيضاوي  بسبب “ديكتاتورية الحامدي وغياب أي هيكلة للحزب” و”تدخل زوجته المقيمة في تونس” في شؤون الحزب وأعضائه الناشطين.

الغيضاوي أعلن عن تكوين قائمة مستقلّة تحت اسم تيّار الأحبّة” بدل المحبّة، وحافظت على نفس وعود الهاشمي الحامدي وهي التعليم والصحة والنقل المجاني ومنحة البطالة. واعتمدت على رصيد الحامدي و”الأصل التجاري لوعوده”.

وسائل الدعاية في انتخابات 2011 لم تكن أكثر من صورة الهاشمي الحامدي وشعار قائمته، والدعاية عبر قناة المستقلّة (يملكها الحامدي) الّتي تبث من لندن وما تحمله من دعابات للعجائز والمسنين ووعود للشباب الحالم.

“الخبز بنصف الثمن الحالي، والعلاج المجاني والنقل المجاني ومنحة الزواج للشباب ومنحة معتبرة للمعطلين عن العمل”. تلك هي الوعود التي لم تتحقّق.

لم يتقبّل الهاشمي الحامدي الدستور الذي كتبه نوّاب التأسيسي، وصادقوا عليه بالأغلبيّة. وكانت ريم الثائري من بين 12 نائبا فقط، رفضوا المصادقة على الدستور، من مجموع 217 نائباً. وكانت حجّتها تمسّك كتلتها بأن تكون الشريعة الاسلاميّة المصدر الأساسي للقوانين والدستور وأن يتضمّن الدستور وعود الهاشمي الحامدي.

هل تتكرر المصادفة؟

في حرص منها على تكرار تلك المصادفة التي جلبت لها بعض الشهرة والحظوة لدى “الزعيم” الحامدي، الذي ترافقها صورته في كلّ الاجتماعات، واصلت ريم الثائري الحملة الدعائيّة لفائدة استاذها. كما واصلت لقاءاتها مع المواطنين في المناطق الريفيّة التي لم يزرها كبار الأحزاب، وتعتمد نفس الطريقة، وهي الوعود.

لا تفوّت الثائري، فرصة الإجازة التي تقضيها في القيروان، فتعقد اجتماعاتها في مقاهي مدينة بوحجلة، أكثر معتمديّات القيروان كثافة سكّانيّة، وأعلاها نسبة في الأميّة والبطالة والانقطاع المبكّر عن الدّراسة، وبنسبة شباب تقدّر بـ 40 بالمائة. وقد أثمرت لقاءاتها عن قاعدة محترمة من الأنصار والمؤيدين.

الدّعاية التي تقوم بها الثائري، هي دعاية للهاشمي الحامدي الذي تعتبره “مؤسس الحزب وصاحب الأحقّية في الفوز”.

وقد احتجّت سابقا على إقصائه من الترشّح للرئاسة بدعوى حيازته لجنسيّة ثانية. كما احتجت بالإضراب عن الجوع تضامنا مع حلّ العريضة الشعبيّة. وتعتبر الثائري أن وفائها للحامدي هو “التزام أخلاقي” حسب موقفها.

نظرا لأنّ الوعود التي قدّمتها للناخبين، وهي الوعود الاجتماعيّة، لم تتحقّق، فإنّ النائب ترى أن عملها متواصل في حزب “الحامدي” إلى حين فرض تلك البرامج وتحويل الوعود الى حقيقة.

تلميذة الزعيم

رغم ما حققته العريضة الشعبيّة من نتائج في انتخابات 2011،  تشتكي الثائري مما تسميه “عدم الانتباه”، في ظل الاستقطاب السّياسي بين كبار الاحزاب والقوائم. حيث لم يتم توقع فوزها ضمن العشرة الأوائل وأهملتها مكاتب الاستبيان. كما اعتبرت أنّ الاعلام حطّ من فرص نجاح العريضة الشعبيّة ولم ينتبه لما تقوم به.

اختصار البرنامج الانتخابي في ثلاث نقاط، لا يتطلّب في نظرها اجتماعات مطوّلة ولا ندوات أنيقة في النزل الفخمة، ولا حملات دعاية عبر اللافتات، وكلّ ما نحتاج إليه هو “التواصل المباشر مع المواطنين”.

“لا نحتاج إلى استئجار فضاء لعقد اجتماع شعبي، وإنما نجتمع في المقاهي”. تؤكد الثائري. وتوجد في ولاية القيروان نحو 400 مقهى.

وتكرّر مسألة ثقتها في شخص الهاشمي الحامدي وتقول “لا نخشى ما يقال عن تغوّل الحامدي و سيطرته على الحزب. نحن لدينا ثقة كاملة في الدكتور الحامدي”.

وتعبّر عن ذلك بكل دقّة لدى انتقاء للعبارات، فهي صاحبة شهادة، ولكن في مجال السّياسة، لكنها في الحقيقة خرّيجة مدرسة الحامدي.