“والله ما عندي كيف انفطر اعيالي اليوم”، هكذا بدأ أحمد الفاخري يصيح بهستيرية أمام مصرف الجمهورية باجدابيا (160كم جنوب بنغازي)، وذلك بعد أن أعلنت إدارة المصرف عن عدم توفر سيولة مالية في أول أيام شهر رمضان الكريم.

ازدحام بلا نتيجة

أحمد الفاخري، 33 عاماً، معلم مادة الرياضيات في مدرسة ابتدائية، واحد كغيره من الموظفين الذين يعودون بخفي حنين في هذه الأيام بعد ازدحام يدوم لساعات أمام المصارف العاملة في المدينة.

“والله ما عندي كيف انفطر اعيالي اليوم”، هكذا بدأ أحمد الفاخري يصيح بهستيرية أمام مصرف الجمهورية باجدابيا (160كم جنوب بنغازي)، وذلك بعد أن أعلنت إدارة المصرف عن عدم توفر سيولة مالية في أول أيام شهر رمضان الكريم.

ازدحام بلا نتيجة

أحمد الفاخري، 33 عاماً، معلم مادة الرياضيات في مدرسة ابتدائية، واحد كغيره من الموظفين الذين يعودون بخفي حنين في هذه الأيام بعد ازدحام يدوم لساعات أمام المصارف العاملة في المدينة.

وحتى قبل شهر رمضان يقول أحمد إنه بالكاد كان يستطيع توفير لقمة العيش لعائلته بالرغم من أن لديه قيمة مالية لا بأس بها في حسابه المصرفي بسبب الازدحام الذي تشهده المصارف، أو بسبب خلوها من السيولة الكافية.

يقول أحمد إنه يئس من هذا الوضع وليست هناك حلول بديلة، ولا أحد يريد التعامل بالدين في هذه الأيام التي وصفها بأيام قحط.

يغادر أحمد مقلبا كفيه مرددا “حسبي الله ونعم والكيل”، لكن لعل ذلك الرجل الذي كان حاضرا حديثنا سيقتسم مع أحمد تلك الدنانير التي نجح في تحصيلها من المصرف وقال عنها إنها كل ما يملك حالياً.

المشكلة من بنغازي

“مراسلون” كان من المزاحمين أمام مصرف الجمهورية. وعند تمكننا من الدخول للمصرف التقينا بمديره سعد موسى، وعلى عجالة دار بيننا هذا الحديث:

– ما هي المشكلة تحديدا سيد موسى؟

– نحن كمصرف ليست لدينا مشكلة.. المشكلة عدم تحويل سيولة مالية من مدينة بنغازي.

– وما هي المشكلة في عدم تحويل السيولة من بنغازي؟

– هذا لا يحتاج سؤال، بالتأكيد السبب هو الاشتباكات بين قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر وتنظيم أنصار الشريعة.

– متى سيتم تحويل السيولة القادمة؟

– لا أدري.

– إلى متى سيستمر هذا الوضع؟

– لا أدري.

جيوب خاوية

انتهى حوارنا مع مدير المصرف بعد أن علمنا أنه لا جديد سيضيفه لنا، بعدها توجهنا إلى خارج المبنى لنشاهد تلك اللوحة المأساوية للمتعاملين مع المصرف. فالمنظر العام للازدحام، وتصرفات الناس وتعابير وجوههم، كلها تترجم مشاعر المنتظرين بلا أمل.

فتجد بعضهم متراصين تحت مدخل البناء هربا من حرارة الشمس، وآخرين جالسين بصمت على عتباته التي تحولت إلى ما يشبه المدرجات، وهناك من كان يجلس على الرصيف واضعا يديه فوق عينيه مترقباً حدوث “معجزة”، ولا شيء يدور بينهم سوى همهمات كلها تؤكد على أن جيوبهم خاوية، أو قاب قوسين أو أدنى.

أيتام في بيتي

‫”‬افتحوا الباب يا إسلام”. جملة أجبرت كثيرين من الموجودين أمام المصرف للالتفات لصاحبتها الحاجة أم السعد، والتي كانت تتقدم زحمة النساء المخترقات بدون أية اعتبارات لصفوف الرجال، فالوضع لا يحتمل “الحياء” تقول الحاجة أم السعد.

أم السعد لا تعي أن المصرف ليس مسؤولا عن توفير السيولة المالية من عدمه، فرمت بكامل لومها على إدارته.

وعندما نقل “مراسلون” لها الحوار الذي جرى بينه وبين مدير المصرف قالت: “طيب ليش ما يطلعش ويحكيلنا الكلام هذا”.

تجلس أم السعد على الأرض وتنزل “فراشيتها” -الرداء الليبي- على أكتافها وتقول إنه لا يوجد أي شيء في بيتها نقتات عليه في رمضان، وإن ابنتها مع أبنائها الأيتام يعيشون معها في نفس البيت ولا يملكون أي دخل سوى معاش الضمان الذي لم تتمكن من سحبه منذ شهرين.

مستعدون لتوفير السيولة

يقول العقيد “بشير عبد القادر” آمر كتيبة 149 مشاة التابعة للجيش الليبي والمسؤولة عن تأمين القاطع الحدودي الجنوبي إنه مستعد لتوفير قوة عسكرية لجلب السيولة من بنغازي في حال توفرها، وإنه كتيبته “قادرة على فرض النظام على زبائن المصرف بمجرد أن يبدأ في العمل”.

“عبد القادر” قال إنه لا يستطيع أن يفرق الناس من أمام المصارف حتى لا يزيد من استيائهم، بالرغم من أن وجودهم لا يقدم شيئا ولا يؤخر، “ولكن انتظارهم قد يشعرهم أن ثمة بصيص أمل قد يلوح لهم”.

في المقابل، قال أحد المسؤلين العاملين في إدارة مصرف الجمهورية ببنغازي – رفض نشر اسمه –  إن السيولة المالية متوفرة في خزنات المصارف الرئيسة ببنغازي، “لكن نظرا للسطو المتكرر ممن وصفهم بقطاع الطرق جعل من هم في موقع المسؤولية يتوقفون عن تحويل السيولة حتى تقوم الجهات الأمنية بواجبها”.

المصدر ذكر أن أكثر من عشرة ملايين دينار ليبي (5.8 مليون دولار أمريكي) هي حصة فروعه في أجدابيا والبريقة، لم يتم تحويلها، وأن هذه القيمة ستحل المشكلة في حال وصولها للمصارف المذكورة.

دعم ودعوة

وسط هذا الوضع غير المطمئن بالنسبة لأصحاب الحسابات البنكية يقول محمد القطعاني، تاجر مواد غذائية بالمدينة – إنه مستعد لتقديم المساعدة من خلال إيداع مبالغ مالية في حسابه بالمصرف.

ودعا القطعاني رؤوس الأموال في المدينة إلى أن يتكاتفوا في هذا الوقت الذي وصفه بالمحنة، وأن يقوموا بإيداع أموالهم حتى يسهموا بشكل مباشر في حل المشكلة.

القطعاني يؤكد محلاته مفتوحة أمام أهله في مدينة اجدابيا، وأنه سيقبض ثمن ما يشترونه بعد أن تقوم المصارف بصرف المرتبات.

ورغم النوايا الطيبة للقطعاني وغيره من تجار المدينة، يبقى لسان حال موظفيها يردد ما صاح به أحمد الفاخري أمام المصرف “حسبي الله ونعم الوكيل” إلى أن يأتي “الفرج” من بنغازي.. وقد لا يأتي.