بين أربعة جدران في حجرة ضيقة داخل مستشفى الهواري العام بمدينة بنغازي (شرق)، تستلقي آمنة العرفي على سرير وقد بدا عليها الهزال والإنهاك.

تعاني آمنة من عدة أمراض بعد أن أمضت ثلاثة أشهر من حياتها في “حبس أسري”، تعرضت خلاله للحرمان من الغذاء والدواء على يد زوجها، الذي قطع عنها كل شيء سوى كسرة خبز وماء كل يوم كي تبقى على قيد الحياة.

آمنة العرفي ابنة بنغازي البالغة من العمر ثمانية وأربعين عاماً، انتقلت بعد زواجها وإنجابها طفلين رفقة زوجها إلى منطقة قصر الأخيار (تبعد حوالي 75 كم شرق العاصمة طربلس في غرب ليبيا)، وهناك انقطعت أخبارها عن أهلها.

بين أربعة جدران في حجرة ضيقة داخل مستشفى الهواري العام بمدينة بنغازي (شرق)، تستلقي آمنة العرفي على سرير وقد بدا عليها الهزال والإنهاك.

تعاني آمنة من عدة أمراض بعد أن أمضت ثلاثة أشهر من حياتها في “حبس أسري”، تعرضت خلاله للحرمان من الغذاء والدواء على يد زوجها، الذي قطع عنها كل شيء سوى كسرة خبز وماء كل يوم كي تبقى على قيد الحياة.

آمنة العرفي ابنة بنغازي البالغة من العمر ثمانية وأربعين عاماً، انتقلت بعد زواجها وإنجابها طفلين رفقة زوجها إلى منطقة قصر الأخيار (تبعد حوالي 75 كم شرق العاصمة طربلس في غرب ليبيا)، وهناك انقطعت أخبارها عن أهلها.

تقول شقيقتها الكبرى نعيمة إنها علمت من أختها فيما بعد أن زوجها منعها من التواصل معهم، قاطعاً أية وسيلة اتصال بينها وبينهم.

بالكاد تتنفس

“مراسلون” زار آمنة في مستشفى الهواري الذي مكثت فيه عشرة أيام قبل سفرها للعلاج خارج ليبيا، وأثناء الزيارة اتضحت معالم معاناتها.

المريضة التي كانت تئن من الوجع على سرير في الغرفة رقم (17) بقسم الباطنة، بالكاد كانت تتنفس أوتستطيع الجلوس والحركة، كما أنها تجد صعوبة في الحديث، وأغلب تواصلها مع الناس الذين كانوا يزورونها كان عن طريق إيماءات برأسها، توضح من خلالها موافقتها على الحديث من عدمها.

يقول الطبيب الذي تابع حالة آمنة – طلب عدم نشر اسمه – إن المريضة “تعاني من فشل كلوي وضمور في الكبد وفقر دم حاد، بالإضافة إلى ارتخاء في عضلات الجسم وجلطة في القدمين بعد حدوث مشاكل في وظائف القلب”.

الطبيب يؤكد بأن حالة مريضته سيئة جداً، وأن صحتها لم تكن لتصل إلى هذا الحد المتدهور لولا انقطاع الدواء عنها، وهي التي تعاني من مرض في القلب، وما كاد أن ينهي كلامه حتى تدخلت شقيقتها نعيمة قائلة “كل ذلك حدث بسبب زوجها”.

ماء وخبز

بحسب نعيمة فإن العائلة لم يتوقف عن محاولة الاتصال بآمنة، ولكن زوجها كان يرد في كل مرة ويقول إن زوجته بحالة جيدة، ويبرر عدم السماح لآمنة بالحديث معهم بأنه دائماً خارج المنزل.

إلا أن إحدى شقيقاتها قامت بزيارة مفاجئة لآمنة، وهناك صُدمت عندما رأت أختها محبوسة داخل حجرة صغيرة، ولا يوجد معها سوى كوب فيه قليل من الماء، إلى جواره كسرات خبز يابس جعلها تستمر على قيد الحياة، رغم المرض وعدم القدرة على الحركة.

تضيف نعيمة بصوت يمازجه الحزن “قمنا بنقل آمنة إلى بنغازي مباشرة بعد أن تشاجرتُ مع زوجها الذي أمسك الطفلين عنده، وبمجرد وصولها لمستشفى الهواري أدخلوها على الفور قسم العناية المركزة”.

لمن نشتكي؟

“مراسلون” سأل نعيمة لماذا لم تُقدم شكوى ضد الزوج بعد أن قام بكل هذه الافعال وهي التي كانت شاهدة على حالة أختها؟ أجابت بحرقة: “نحن في بنغازي وهو في قصر الأخيار، والجهات القانونية والمحاكم لا تعمل، ولا توجد مراكز أمنية”، واختتمت كلامها قائلة “لمن نشتكي؟ وهل يوجد قضاء مفعّل؟”.

شقيقات آمنة المتواجدات أثناء الزيارة طالبن بعرض حالة شقيقتهن على الإعلام والمنظمات المختصة بحقوق المرأة، وذلك لعجزهن عن فعل أي شيء ضد من اعتبرنه “مجرماً وظالماً لشقيقتهم التي عذبها وتركها للموت البطيء”، حسب تعبير إحداهن.

وفق قول نعيمة فإن مشكلة آمنة لن تنتهي بعلاجها، فوالداها متوفيان منذ مدة ولا منزل لها تلجأ إليه، ولهذا ناشدت الدولة بالوقوف إلى جانب أختها وتوفير مسكن لها ولأبنائها.

حقوق ولكن..

“مراسلون” عرض حالة آمنة على العديد من الجهات المختصة بمثل هذه الحالات والداعمة لها، ومنها رئيس مكتب التنمية البشرية بمكتب وزارة الشؤون الاجتماعية بنغازي هند الفايدي، والتي أكدت أن المكتب يقدم المساعدة لهذه الفئة من السيدات التي تنضوي تحت اسم “المُعنّفات”.

الفايدي قالت لـ”مراسلون” نحن نقدم المساعدة للسيدات “سواء المعنَّفات من أزواجهن أو المُعنّفات اجتماعياَ”. ولكنها تأسفت على أن الحالات التي تشملها المساعدة تبقى قليلة، لأن النساء المعنفات لا يأتين لمكتب الشؤون الاجتماعية، ولا يعلم أحد بحالتهن، “بسبب الخوف والحياء بالإضافة إلى العادات والتقاليد التي لا تسمح للسيدات بالبوح بما يحدث لهن”.

يجب إثبات الضرر

المحامية بمحكمة استئناف بنغازي نجوى ابراهيم، تقول عن حاله آمنة العرفي إنه “يجب أن تُثبَت بفتح محضر عند أقرب مركز شرطة لها، ومن ثم رفع دعوى قضائية بالضرر الذي لحق بها مادياَ كان أم معنوياَ، وذلك عن طريق تقرير طبي مثبت بشهود”.

وأضافت ابراهيم أن القضاء “يضمن لها تعويضاً مادياً ومعنوياً عن سوء الحالة الصحية والنفسية التي وصلت إليها بسبب معاملة الزوج في حالة إثبات ذلك”.

وبحسب المحامية فإنه في حالة إثبات كل هذا الضرر من الممكن أن يحال الزوج إلى الجنايات لينال عقوبة جنائية، وتنال آمنة كل حقوقها في حال تفعيل القضاء، كما أنه من حق آمنة رعاية الأبناء إذا كانوا قصراً وثبتت عدم أهلية الزوج لرعايتهم.

تبقى قصة آمنة العرفي رغم قسوتها حالة من حالات كثيرة ربما أكثر قسوة وغرابة، ولكن مسكوت عنها، ففي غياب القانون وغياب منظمات حقوقية فاعلة وقادرة على التأثير والمساعدة، لا يمكن التوصل إلى الحجم الحقيقي لظاهرة العنف المنزلي في المجتمع الليبي.