يطلقون عليه اسم الوحش لضخامة بنيته الجسدية. يتردد الجميع عند الحديث في حضوره. يهابه أترابه من الصفوف الأخرى. اقترب منا بعد تردد وقال: ما المثير هنا؟

كان يحمل صورة الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بينما ينفث آخر بقايا سيجارته ليخفي بها آثار ضحكته المتهكمة.

أيمن (18 عاما) ليس عضوا في أي تنظيم جهادي، بل هو واحد من 143 ألف تلميذ في تونس يحتفلون في شهر أيار/ مايو باجتياز امتحان الباكالوريا هذا العام، في تقليد يعرف في تونس باسم “الدخلة”.

يطلقون عليه اسم الوحش لضخامة بنيته الجسدية. يتردد الجميع عند الحديث في حضوره. يهابه أترابه من الصفوف الأخرى. اقترب منا بعد تردد وقال: ما المثير هنا؟

كان يحمل صورة الزعيم السابق لتنظيم القاعدة أسامة بن لادن، بينما ينفث آخر بقايا سيجارته ليخفي بها آثار ضحكته المتهكمة.

أيمن (18 عاما) ليس عضوا في أي تنظيم جهادي، بل هو واحد من 143 ألف تلميذ في تونس يحتفلون في شهر أيار/ مايو باجتياز امتحان الباكالوريا هذا العام، في تقليد يعرف في تونس باسم “الدخلة”.

و”الدخلة” كلمة مستوحاة من دخلة الجماهير الرياضية التي تسبق المباريات في كرة القدم. ولأن امتحان الرياضة أو ما يسمى “الباك سبور” هو مفتتح امتحانات البكالوريا في تونس، فقد اقترن به هذا الإسم.

يستعد التلاميذ لهذا الحدث في العادة بتحضير قطعة قماش تحمل صورة كبيرة جدًّا يصل حجمها أحيانًا الى 400 متر مربع أو أكثر، تحمل هذه الصّورة رسالة تعكس فكرة معينة عن انجازهم في هذا العام. وهو احتفال عادة ما تصاحبه أجواء الموسيقا والرقص.

إلا أن احتفالات هذه السنة كانت صحبة إعلام تنظيم القاعدة ورموز جهادية أو سياسية أخرى.

يقول أيمن إنه فخور برفع صورة أسامة بن لادن، “لأنه يعد رمزا لفئة كبيرة من الشباب التونسي”. ويضيف:  “لنا الحق في التعبير عما نشاء”.

أليست هذه حرية التعبير؟

في معهد حي الحديقة بتونس العاصمة وهي مدرسة أيمن، اختارت كل مجموعة التعبير عن آرائها ومواقفها. فهناك تلاميذ على غرار أيمن، فاجأوا حتى معلميهم برفع أعلام جهادية، وصور لقيادات تنظيم أنصار الشّريعة المحظور، مما جعل البعض يتخوف من اختراق الفكر الجهادي  لمنابر التعليم.

لكن آخرين رفعوا صورة الزعيم اليساري شكري بلعيد الذي اغتيل في شباط/ فبراير العام الماضي، وهناك من اختار التعبير عن طريق الفن والإبداع متمثلا في صورة أم كلثوم وفنانين آخرين.

يمشط أيمن شعره المجعد ويجول بنظره الى زملائه “لماذا كل هذه الجلبة حول ما قمنا به؟ ألا يكفي أننا بعيدون عن السياسة؟” ويصرخ بصوت عالٍ: ” دعونا وشاننا نعبر عن ما يخالج بنات افكارنا .. ألستم من جماعة حرية التعبير؟”.

محمد الجويلي، أستاذ علم الاجتماع في جامعة تونس، يعلق على سلوك أيمن، موضحاً أن الدخلة اقتصرت في مدارس تونس قبل ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011 على الرّقص والموسيقى والغناء وتوزيع الحلويات. فيحضر أهالي التلاميذ وأصدقاؤهم  للتشجيع والتقاط الصّور للذّكرى.

“لكن أجواء الشحن السياسي والاغتيالات والعمليات الإرهابية التي شهدتها البلاد في العامين الماضيين جعلت من “الدّخلة” تتخطى حدود الترفيه ليطغى عليها الطابع السياسي”.

شعارات مسيسة

حملت دخلات الباكالوريا رسائل ذات معانٍ، سواء عن طريق التهكم من رموز الساسة بالبلاد كراشد الغنوشي (رئيس حركة النهضة الحزب الحاكم بتونس) أو الباجي القائد السبسي رئيس حركة نداء تونس.

لكن بعيدا عن السخرية والتهكم، رفعت شعارات ورسائل ومضامين سياسية.

ففي دخلة أحد المعاهد بجربة ( جنوب تونس) رفع التلاميذ صورة صالح بن يوسف أحد الرموز الوطنية في الستينات وأبرز خصم سياسي للحبيب بورقيبة أول رئيس جمهورية في البلاد.

وفي شمال غربي البلاد وتحديدا بوادي مليز من محافظة جندوبة، وهي المنطقة نفسها التي ينحدر منها  كمال القضقاضي المتهم بقتل المعارض اليساري شكري بلعيد (قتل القضاضي لاحقا في معركة مع قوات الأمن غير بعيد عن العاصمة تونس) خيّر أبناء معهد المدينة تكريم روح بلعيد، ورفعوا له صورة كبيرة باللونين الأبيض والأسود وقد كتب أسفلها بالفرنسية: “لا للإرهاب”.

شعارات مختلفة شكلت فسيفساء متناقضة داخل معاهد تونس من شمالها إلى جنوبها، لتحوي في جرابها اكثر من مضمون، من الفن إلى الأفكار القومية العربية و اليسارية وشعارات نبذ الإرهاب وصولا إلى تبني الفكر الجهادي ورفع رايات التوحيد رمز الجهاد.

تمويل خارجي “للدخلة”

الخبير في الشؤون الأمنية والعسكرية والتيارات الإسلامية مازن الشريف له مقاربة مغايرة لما يحدث في المعاهد التونسية. فهو يلقي باللوم على المنظومة التربوية في تونس ويتهمها بالتراخي والتهاون في التعامل مع هذه الموجة  “الجهادية المخيفة” على حد تعبيره، التي غزت عقول الناشئة.

يقول مازن الشريف لـ “مراسلون”: “دخلة الباكالوريا لسنة 2014 كشفت عن ضعف الدولة التونسية في مواجهة المد الإرهابي”.

ويعتبر أن ما تم الترويج له من صور يتجاوز حدود التعبير المتعارف عليها، ويؤكد وفق معلومات يقول إنه حصل عليها على وجود “تمويل خارجي لبث مثل هذه الدعوات للعنف”.

وعلق الشريف على آراء بعض الشباب الذين استهانوا بأبعاد تصرفاتهم: “إنهم لا يدركون الخطر المحدق بهم و مدى سهولة التلاعب بعقولهم عن طريق تفريغ هذه الافكار الجهادية من محتواها الإيديولوجي”.

من جهته يرى أستاذ علم الاجتماع محمد الجويلي أن هذه الظاهرة هي عدوى السياسة بالمعاهد، “وهي حالة عادية بالنظر لما تمر به البلاد من ظرف استثنائي”.

ودعا الجويلي إلى ضرورة تقبل افكار الشباب التي ليست سوى طريقة لتمظهر الذات والبحث عن الإثارة وإحداث الصدمة في “الدخلة”، حتى تكون غير مألوفة وتخلق ما سماه الضجة le Buzz.