سنة 1910، قامت إحدى الشركات الفرنسية  بتصنيع قطار ليستعمله بايات تونس، آنذاك في تنقلهم بين قصورهم في أحواز العاصمة و مكاتبهم في وسطها. البعض يطلق عليه “السحلية الحمراء” والبعض الآخر الجرذون الأحمر le lézard rouge والبعض يسميه قطار الباي.

بعد الاستقلال وإنهاء حكم البايات، توقّف القطار عن العمل، ووقع إهماله في مستودعات شركة سكك الحديد، حتى إعادة استغلاله عبر مسالك جبال ثالجة بالمتلوي (460كم جنوب تونس العاصمة)

سنة 1910، قامت إحدى الشركات الفرنسية  بتصنيع قطار ليستعمله بايات تونس، آنذاك في تنقلهم بين قصورهم في أحواز العاصمة و مكاتبهم في وسطها. البعض يطلق عليه “السحلية الحمراء” والبعض الآخر الجرذون الأحمر le lézard rouge والبعض يسميه قطار الباي.

بعد الاستقلال وإنهاء حكم البايات، توقّف القطار عن العمل، ووقع إهماله في مستودعات شركة سكك الحديد، حتى إعادة استغلاله عبر مسالك جبال ثالجة بالمتلوي (460كم جنوب تونس العاصمة)

سكّان المنطقة يجمعون على رواية واحدة مفادها أن الحبيب بورقيبة -أول رئيس للجمهورية، كان وراء توقّف استغلال هذا القطار في ضواحي العاصمة لطمس كل الشواهد التي تذكر سكان تونس بعهد البايات. وعندما كثر الحديث عن توقف القطار في السبعينات تم ارساله في رحلة بلا عودة ليستقر في مدينة المتلوي بالجنوب التونسي.

أيمن ديناري ابن مدينة المتلوي وأستاذ التاريخ المعطل عن العمل هو دليل “مراسلون”  في الرحلة. يقول ” إهمال قطار الباي الذي يعتبر تحفة اثرية يأتي في سياق عام، وهو سلوك مارسته الحكومات المتعاقبة لطمس مرحلة كاملة من تاريخنا، هي تاريخ حكم البايات”.

قي مرتفعات جبال ثالجة وداخل أنفاقها تستمر الرحلة السياحية الاستكشافية ذهابا وإيابا لمدة ساعتين.  يقول سامي صدراوي مدير مكتب شركة الرحلات المنظمة لرحلات قطار الباي إن الرحلة في التسعينات وحتى أيام الثورة التونسية كانت بمعدل مرة واحدة على الأقل في اليوم.

ويضيف “الوضع الامني وكثرة الاضرابات بمنطقة حوض مناجم الفسفاط الذي تشهده الجهة قلّص من عدد رحلاتنا اليومية وتسبب في عزوف السياح عن استخدام قطار الباي في اسفارهم”.

يتذكر “عم محمد”، أحد أعوان شركة  سكك الحديد بمحطة المتلوي، والتي تشرف على صيانة القطار، الأيام الأولى لوصول قطار الباي إلى الجنوب وكيف تحول في تلك الفترة إلى مزار يقصده الصغار والكبار.

يقول: “كان القطار متكونا من عربة للباي، و عربة لمساعديه، ومطعم، و عربتين للأمتعة. واليوم نجد مجرد عربات مجرورة لا تدل على كون هذا القطار هو قطار الباي”.

“إريك” مخرج تلفزي فرنسي التقاه موقع “مراسلون” على متن  قطار الباي يقول: “ما فائدة هذا القطار اليوم، حين لا يتحدث عن تاريخ تونس والجهة”.

ويضيف: “كان بالإمكان تحويل إحدى عربات القطار الى متحف يحدثنا عن حقبة البايات ومراحل استخراج الفوسفات في جهة المتلوي ومحافظة قفصة عامة”.

[ibimage==12879==Small_Image==none==self==null]

تصوير الهادي رداوي

يحدثنا أحد أبناء المتلوي العاملين بشركة فوسفات قفصة وهو يصف لنا تضاريس منطقة الثالجة: “حين يعبر القطار رقبة ثالجة يخيل للمسافر أنه في جبال “كولورادو” الأميركية”. ويضيف مشيرا إلى نهر مجاور: “هذا واد تنتهي مياهه  في شط الغرسة”.

ويلمح الزائر للمكان عين ماء طبيعية كانت تزيد الرحلة متعة، قبل أن تلوث مجرى الواد مياه غسل الفوسفات فتتحول لبرك من الماء الآسن” .

بين سنتي 1914 و1920، قام المستعمر الفرنسي  بحفر أربعة أنفاق تشق جبال “الثالجة” لعبور القطارات المحملة بالفوسفات.

يقول دليلنا في الرحلة أيمن الديناري إن عديد المناطق السياحية المهملة، التي يصعب الوصول إليها عبر وسائل النقل العادية، مثل المغاور البربرية بجبل السند (محافظة قفصة) والآثار الرومانية بمنطقة القطع (من مدينة أم العرائس إحدى مدن الحوض المنجمي بمحافظة قفصه) إنه كان يمكن استغلال قطار الباي للتنقل بينها في مسلك سياحي، وستكون الفائدة أكبر للمواطن والسائح.

بزيّه النظامي غير المرتّب جيدا، وبدراجته النارية كان عون أمن مصحوبا بمرافق، يلاحق القطار على امتداد الطريق الموصلة لنقطة النهاية. وإضافة لتأمين الرحلة كان عون الأمن مكلفا أيضا بمتابعة فريق التصوير الذي يقوده المخرج “إريك”.

يجد شباب المتلوي في بعض الحالات “الجرذون الاحمر” وسيلتهم الوحيدة للضغط على الحكومة، فهم يوقفونه أحيانا  للمطالبة بالتشغيل أو لتحقيق بعض مطالبهم وإسماع أصواتهم. ويعتقد شباب المنطقة من العاطلين عن العمل أن وجود سياح وخاصة أجانب على متن القطار عند إيقافه، من شأنه أن يحرج السلطة فتسارع بتلبية مطالبهم .

رحل البايات وبقي قطارهم يحرس تاريخهم، شاهدا على حضارات تعاقبت على البلاد سعت كل الحكومات المتعاقبة إلى طمس معالمها، في انتظار رحلة عودته إلى الحياة.