واضعةً ‪كفها‬ على قلبها، تودع نعيمة ابنها محمد صباح كل يوم وهو ذاهب إلى مدرسة “الصمود” الابتدائية الآيلة للسقوط في بلدة الزويتينة (140 كلم شمال غرب بنغازي).

أكثر من 300 طالب وطالبة في المرحلة الابتدائية يرتادون مدرسةً قد تنهار على رؤوسهم في أية لحظة، فيما لا توجد في المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي سبعة آلاف نسمة ويقع فيها أحد أهم الموانئ النفطية بليبيا، سوى ثلاث مدارس أحدها وهي الصمود، وأخرى تضم صفوفاً ابتدائية وإعدادية، وثالثة ثانوية فقط.

واضعةً ‪كفها‬ على قلبها، تودع نعيمة ابنها محمد صباح كل يوم وهو ذاهب إلى مدرسة “الصمود” الابتدائية الآيلة للسقوط في بلدة الزويتينة (140 كلم شمال غرب بنغازي).

أكثر من 300 طالب وطالبة في المرحلة الابتدائية يرتادون مدرسةً قد تنهار على رؤوسهم في أية لحظة، فيما لا توجد في المدينة التي يبلغ عدد سكانها حوالي سبعة آلاف نسمة ويقع فيها أحد أهم الموانئ النفطية بليبيا، سوى ثلاث مدارس أحدها وهي الصمود، وأخرى تضم صفوفاً ابتدائية وإعدادية، وثالثة ثانوية فقط.

نعيمة سمعت مثل الكثيرين من أهل المنطقة أن “الصمود” قد لا تصمد لبقية العام، لكن لا سبيل أمام هذه السيدة سوى المجازفة، “فأنا أريد أن يكمل محمد تعليمه، وقد رفضت المدرسة الأخرى في البلدة استقباله بسبب عدم توفر أماكن”.

مبنى متهالك

منظر المدرسة العام يوحي بأنه مبنى أثري متهالك، ولكن ما أن تقترب أكثر حتى تتناهى إلى سمعك أصوات الطلبة يرددون الدروس أو يلعبون، في ساحة مطلة على البحر، بلا سور يضمن لهم سلامتهم.

“مراسلون” تجول بين ما تبقى من فصول، هي أحسن حالاً من تلك التي تم إقفالها نهائياً بسبب عدم صلاحيتها. لكن حتى تلك الفصول تفتقر إلى ملامح البيئة المدرسية الصحية والآمنة.

معظم الغرف لا كهرباء فيها على سبيل المثال، كما أن أجزاء كبيرة من الأسقف متآكلة تتساقط منها قطع صخرية، في حين أن الرطوبة لا تكتفي بالأسقف بل تنتشر زاحفة على الجدران فتزيل ما تبقى من طلاء، وتكشف عن حجر طيني أكل الدهر عليه وشرب.

علامات الانهيار

بمجرد أن دخلنا من باب المدرسة حتى استقبلنا مديرها عوض العجل، الذي كان حزيناً جداً على مدرسته التي أوكلت إليه مهام إدارتها منذ أكثر من عشرة أعوام.

العجل افتتح حديثه بعد اصطحابنا لمكتب إدارة المدرسة الواضحة عليه أيضاً علامات التصدع والتشققات. “أخشى من اليوم الذي ستنهار فيه المدرسة على رؤوس أبنائنا”.

يؤكد العجل مطرقاً أن قرار إزالة المدرسة تم توقيعه منذ العالم الماضي، كما أن من المفترض ألّا  تستقبل المدرسة الطلبة هذا العام، مقابل أن يتم توفير فصول متنقلة لهم.

ولكن نظراً لعدم اهتمام الجهات المسؤولة عن إزالة المدرسة، وعدم توفر فصول دراسية في المدرسة الأخرى بالمدينة، فإن المدرسة اضطرت إلى استقبال الطلبة، “سائلين الله أن يدفع شر مجهول ظهرت كل علاماته”، يقول المدير.

لا يهمني شيء

رغم الخطر المحدق إلا أن طلبة الصمود صامدون في مدرستهم، غير آبهين بما تم تدوينه من قبل لجان فنية من ملاحظات، كلها تقضي بإزالة مدرستهم، أو بشكل آخر فإنهم غير مدركين لحقيقة الأمر.

فمحمد القبايلي ابن السيدة نعيمة يرى أن مدرسته من أجمل المدارس، ووداد ابنة الصف الخامس تحاول إخفاء تصدعات حائط فصلها الدراسي بتعليق رسومات عليه لإظهاره بشكل لائق.

أما أيوب ابن الصف الرابع فيردد جملة أكبر من سنه بكثير بقوله “لا يهمني شيء ما دمت أجلس على مقعد وأتلقى تعليمي”، بينما سندس ابنة الصف الرابع أيضاً والتي تجلس جوار نافذة مكسور زجاجها كانت أكثر من زملائها واقعية حين سألناها عن شعورها فأجابت بصوت هادئ وبريء “خايفة نمرض”.

مقامرة بالحياة

حينما التقى “مراسلون” بأحد معلمي المدرسة الذي طلب عدم ذكر اسمه رمى بكامل اللوم على إدارة المدرسة. وردّ  المعلم (ع. أ) على سؤالنا حول واقع المدرسة بأسئلة كثيرة منها “ماذا لو انهار المبنى في أية لحظة؟ هل عدم وجود فصول دراسية إضافية في المدرسة الأخرى بالمنطقة حجة كافية؟ هل يقتصر دور الإدارة على توجيه المراسلات؟ وهل حياة أبنائنا رخيصة إلى هذه الدرجة حتى نقامر بها؟”.

أما الأستاذ جلال مصطفى، معلم مادة الرياضيات بالصف الرابع، فيحمّل وزارة التربية والتعليم كامل المسؤولية في حال حدوث أي مكروه للطلبة، ويقول إن “معظم المعلمين يشعرون بإحباط كبير لعدم تقدير المسؤولين لحياتهم وحياة الطلبة”.

قلق الآباء

بعد أن أطلق جرس انتهاء الحصة الرابعة إعلاناً عن فترة راحة الطلبة للإفطار، وأثناء خروج “مراسلون” لساحة المدرسة، لاحظنا أن عدداً من الآباء يتواجدون داخل الساحة للاطمئنان على أبنائهم.

القذافي اجبيل والد أحد الطلبة يقول إنه يأتي يومياً للمدرسة ثلاث مرات، الأولى للتأكد من دخول ابنه الفصل الدراسي، الثانية أثناء الإفطار، الثالثة حين خروجه من المدرسة.

اجبيل يقول إن خوفه على ابنه “يشتت أفكاره” في عمله، ويأمل أن يتم الاستعجال في وضع حل جذري يضمن سلامة ابنه وبقية الأطفال.

إخلاء مسؤولية

علي ادريس مدير مصلحة التقنيات وصيانة المرافق التعليمية بمنطقة اجدابيا التي تتبعها بلدة الزويتينة إدارياً، أكد في حديث لـ “مراسلون” أن أولى التقارير حول حالة المدرسة أُرسلت قبل أحداث ثورة شباط/فبراير 2011 إلى مصلحة المرافق التعليمية بطرابلس.

ادريس يقول إن إدارته أكدت على أن الحل الوحيد هو إزالة المدرسة وبناء أخرى مكانها، واعتبر بذلك أن إدارته أخلت مسؤوليتها في حال انهيار المدرسة “لا سمح الله”، مستغرباً من قيام مدير المدرسة باستقبال الطلبة رغم أنهم طلبوا منه في كتاب رسمي إغلاق المدرسة إلى حين إزالتها وبناء أخرى.

ويضيف إدريس أن “إدارة مصلحة المرافق التعليمية بطرابلس وافقت على إزالة المدرسة وبناء أخرى مكانها”، متوقعا أن يتم ذلك في “المستقبل القريب” حسب قوله.

لكن السيدة نعيمة وتعليقا على كلام ادريس، تقول إن المسؤولين لم يقوموا بشيء حتى الآن “سوى إخلاء مسؤوليتهم” بانتظار أن “تقع الكارثة” على حد وصفها.