بعد أن عرفت أغنيته “حوماني” رواجا منقطع النظير (ستة ملايين مشاهدة على موقع اليوتيوب) قبضت الشرطة على مغني الراب أحمد العبيدي الملقّب بـ”كافون” بتهمة استهلاك القنب الهندي المعروف شعبياً بـ”الزطلة”. وقضت المحكمة في آب/أغسطس 2013 بسجنه لمدة سنة وتغريمه بألف دينار تونسي (حوالي 800 دولار أمريكي)، إلى أن أفرج عنه بعفو رئاسي قبل نحو أسبوعين بمناسبة عبد الاستقلال التونسي.

بعد أن عرفت أغنيته “حوماني” رواجا منقطع النظير (ستة ملايين مشاهدة على موقع اليوتيوب) قبضت الشرطة على مغني الراب أحمد العبيدي الملقّب بـ”كافون” بتهمة استهلاك القنب الهندي المعروف شعبياً بـ”الزطلة”. وقضت المحكمة في آب/أغسطس 2013 بسجنه لمدة سنة وتغريمه بألف دينار تونسي (حوالي 800 دولار أمريكي)، إلى أن أفرج عنه بعفو رئاسي قبل نحو أسبوعين بمناسبة عبد الاستقلال التونسي.

الحكم على “كافون” وسجنه تحول إلى قضية رأي عام في تونس، بعد أن تبنت العديد من منظمات المجتمع المدني والحقوقيين ملفه، لا دفاعا عن شخصه فقط، حسب تصريحاتهم، بل دفاعا عن قرابة 8 آلاف تونسي (ثلث عدد المساجين الحاليين)، وقعوا ضحية تطبيق قانون العقوبات رقم 52، وتهتمهم هي استهلاك نبتة القنب الهندي أو الحشيش أو أنواع أخرى من الأعشاب والمواد المخدرة.

أقدم سجين 

تبلورت تحركات المجتمع المدني في مبادرة أطلق عليها مجموعة من المحامين والأطباء اسم “السجين 52″، معتبرين أن القانون 52 الصادر عام 1992 هو”السجين الأقدم” لأنه لم يخضع لأي مراجعة منذ صدوره قبل 22 عاماً.

ويقضي القانون الحالي بمعاقبة المتعاطي بالسجن لمدة تترواح بين سنة وخمس سنوات، وبغرامة مالية تترواح بين ألف وثلاثة آلاف دينار تونسي.

غازي مرابط، عضو مبادرة “السجين 52” ومحامي “كافون”، قال لـ”مراسلون” إن قضية أحمد العبيدي ليست إلا أنموذجا لآلاف القضايا التي ترد يوميا على المحاكم التونسية وتتعلق بقانون المخدرات، معتبرا أن هذا المغني تجرأ عبر أغنية “حوماني” على كشف ظاهرة من أهم الظواهر الاجتماعية المسكوت عنها.

التجربة أثبتت أن القانون لم ينجح في ردع مستهلكي هذا الصنف من المخدرات، يقول المحامي، مستغرباً عدم إجراء تعديلات في القانون بعد ثورة 14 كانون الثاني/يناير 2011 “في حين يدفع آلاف الشباب سنويا ثمن قسوة الأحكام الصادرة ضدهم استنادا لهذا القانون”.

المحامي مرابط الذي قاد حملة عبر شبكة التواصل الاجتماعي للدفاع عن “كافون” ودافع عنه أمام هيئة المحكمة، أضاف لـ”مراسلون” إن تحركات المجتمع المدني ستؤدي إلى تحرير “السجين 52” مشيرا إلى أن كل الأرقام الرسمية تدفع نحو مراجعة القانون باستبدال العقوبة السالبة للحرية لمتعاطي “الزطلة” بالتأهيل النفسي والخدمة للصالح العام.

وتؤكد إحصائيات وزارة العدل التونسية أن ثمانية آلاف من ضمن 25 ألف موقوف في السجون التونسية اليوم، موقوفون في قضايا تتعلق بالمخدرات استهلاكا وترويجا. وأن من بين كل 10 موقوفين في قضايا المخدرات هناك 9 موقوفين في قضايا استهلاك أغلبها تتعلق باستهلاك “القنب الهندي”.

في السياق ذاته قال مرابط إن مبادرة “السجين 52” تقدمت إلى وزارة العدل بمشروع قانون ينص على استبدال العقوبة السجنية لمتعاطي المخدرات وأساسا “الزطلة” بعقوبات مدنية كالخدمة للصالح العام مع إخضاع المدمن لبرنامج علاجي.

واعتبر أن قانون عام 1992 على صرامته، لم يمنع من انتشار استهلاك المخدرات، “وهو ما يؤكد أن العقوبة السالبة للحرية دون العلاج والمتابعة النفسية للمستهلك، لا تؤدي إلى أي نتيجة بل أن المستهلك يمكن أي يعاود التجربة فور إنهاء العقوبة”.

دول ألغت العقوبة

من جانبه قال الدكتور عبد المجيد الزحاف رئيس الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات وعضو مبادر “السجين 52″ لـ”مراسلون” إن “الدوائر الرسمية على وعي تام بضرورة مراجعة قانون سنة 1992 المتعلق المخدرات غير أنها تتلكأ رغم كل الضغوطات التي يمارسها المجتمع المدني”. وأشار إلى أن معظم الدول الديمقراطية استغنت عن العقوبة البدنية في قضايا استهلاك المخدرات.

كما اعتبر الزحاف أن التشريعات الموجودة حاليا لا تضطلع بدور فعّال في الحدّ من نسبة استهلاك مادة القنب الهندي أو ما يُعرف بـ”الزطلة” في تونس.

وحسب إحصائيات الجمعية التونسية للوقاية من تعاطي المخدرات، فإن 200 ألف تونسي يستهلكون هذه المادة. ولكن رئيس الجمعية اعتبر أن جل الأرقام المتوفرة لا تعكس الوضعية الحقيقية لعدد مستهلكي هذا المخدر الذي يقدر بأكثر من ذلك.

وتفاقم معدل استهلاك الزطلة في تونس في السنوات ما بعد الثورة (كانون الثاني/يناير 2011). وأصبح العديد من المستهلكين -حسب بيانات صدرت عن الجمعية-  يزرعون نبتة “القنب الهندي” في منازلهم من أجل الاستهلاك الشخصي.

واعتبر الدكتور الزحاف أن إلغاء العقوبة البدنية لن يؤدي إلى استسهال استهلاك المخدر كما يعتقد  البعض. واقترح تحويل الإمكانيات المسخرة حاليا للسجون  لفائدة الاحاطة بالشبان وتوفير مراكز علاج للمدمنين.

ودعا الزحاف إلى تحرير “السجين 52 ” بمراجعة القوانين التي حوّلت في عدّة مناسبات مستهلكي “الزطلة” إلى مدمني مخدرات، “خاصة وأن أولى تجارب الإدمان تكون بسيجارة لتمر في مرحلة ثانية إلى الأقراص والحقن وهو ما يجعل التصدي للإدمان بالعلاج في مراحله الأولى أنجع بكثير من العقاب البدني أو الخطية المالية”.

مع سجنهم لكن بشروط

في المقابل قالت القاضية ليلى بحرية لـ”مراسلون” إنها ضد إلغاء العقوبة البدنية بصفة كلية في هذا الصنف من الجرائم. واعتبرت أن إلغاء العقوبة سيفتح الباب نحو تغييرات كبرى في المجتمع وارتفاع نسبة الجريمة الناتجة عن استهلاك المخدرات.  

وفي الآن ذاته تعتبر القاضية بحرية أنه يمكن مراجعة القانون في اتجاه تمكين القاضي من الوسائل التي تخوله “إسعاف المتهم” من خلال تأجيل العقاب البدني أو استبداله بعقوبة غير سالبة للحرية إذا ما ارتأي القاضي ذلك، مع العمل على التكثيف من الحملات التوعوية ومراكز الإحاطة بالمدمنين.

وعلى صعيد آخر عبر النائب في المجلس الوطني التأسيسي الحبيب اللوز (حركة النهضة) في تصريح لـ”مراسلون” عن “رفضه القطعي” لمبادرة إطلاق “السجين 52 ” وإلغاء العقوبة البدنية في قضايا استهلاك مخدر القنب الهندي.

وأكد اللوز على أن القوانين السالبة للحرية “مفيدة في مثل هذه الحالات” لأنها “تمنع تواصل المدمن مع المحيط الذي كان سببا في إدمانه”.

غير أن النائب الإسلامي شدد على ضرورة أن تتزامن فترة العقوبة مع الإحاطة النفسية للسجين “ليتمكن من التخلص من كل الرواسب النفسية والجسدية لهذه المادة السامة التي تؤدي إلى التهلكة وتتعارض مع كل التعاليم الإسلامية والمحرمة دينيا” وفق تعبيره.