يمثل موقف محمد الغرياني من حلّ حزب التجمع الدستوري الذي أنشأه وتزعمه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي استثناءً في صفوف “الحرس القديم”.

فالرجل الذي شغل منصب الأمين العام للحزب منذ 2008 وإلى يوم حله في آذار/مارس 2011 يكاد يكون الوحيد بين قيادات “الحرس القديم” الذي يردّد منذ خروجه من السجن في تموز/ يوليو 2013 أن حلّ الحزب هو “نتيجة حتمية للثورة”، وأن “الثورة تستوجب تغييرا جذريا  يتزامن مع إعادة ترتيب الحياة السياسية في تونس”.

يمثل موقف محمد الغرياني من حلّ حزب التجمع الدستوري الذي أنشأه وتزعمه الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي استثناءً في صفوف “الحرس القديم”.

فالرجل الذي شغل منصب الأمين العام للحزب منذ 2008 وإلى يوم حله في آذار/مارس 2011 يكاد يكون الوحيد بين قيادات “الحرس القديم” الذي يردّد منذ خروجه من السجن في تموز/ يوليو 2013 أن حلّ الحزب هو “نتيجة حتمية للثورة”، وأن “الثورة تستوجب تغييرا جذريا  يتزامن مع إعادة ترتيب الحياة السياسية في تونس”.

وكان الغرياني، 52 عاماً، قد أوقف عقب الثورة بتهمة الاختلاس المالي والإساءة في استخدام السلطة لكن القضاء التونسي أخلى سبيله في الدعوة الموجهة ضده لعدم توفر الأدلة.

ويسترجع الأمين العام السابق للتجمع ذكريات الأيام الأولى لانهيار نظام بن علي بتأكيده على أن عددا من التجمعيين عاتبوه على خياراته السياسية ومنها الرضوخ لقرار الحّل وعدم الاعتراض عليه، وقال إنه اتخذ ذلك الخيار وخيارات أخرى لم يفصح عنها “لتجنيب البلاد حصول كوارث”.

ويشرح الغرياني بتفاصيل أكثر أسباب تأييده لحل الحزب قائلا إن تونس بعد 14 كانون الثاني/يناير 2011 لم تعد تحتمل وجود “حزب كبير وأحزاب صغيرة”، لذلك فان من  المقتضيات إعادة ترتيب المشهد “إما بحل التجمع أو من خلال وضع قواعد جديدة تلزم جميع الأحزاب بالانطلاق من الصفر”، وهذه الانطلاقة يشترط فيها أن “يكون الجميع متساوين في الإمكانيات والفرص”.

بيد أن هكذا انطلاقة غير ممكنة “بموروث غير متكافئ”، يقول الغرياني، لذلك هو اليوم كما كان قبل ثلاث سنوات لا يعارض الحلّ وان كان ينتقد “طريقة الحل التي لم تحترم القواعد القانونية”.

قبول الغرياني لحل حزبه لا يعني بالنسبة له قبول جميع التهم التي سيقت بحق الحزب، فالتجمع المنحل “حزب كبير والتجاوزات كانت فردية” على حد قوله.

ورغم إقراره في ردّ على أسئلة وجهتها “مراسلون” بأن النظام السابق مارس القمع، وأن البلاد عاشت مرحلة من الفساد في عهده، “لكنّ من يعاقب هو  القضاء الذي يثبت الجرم أو يبرّئ”.  

برأي الغرياني، فإن  نمط الحكم  لم يكن يعطي هامشا  كبيرا في الحياة العامة للحزب بل للمؤسسات وأجهزة الحكومة، مشيرا مثلاً إلى عمليات تزوير الانتخابات الرئاسية التي “كانت تتم تحت إشراف وزارة الداخلية، حيث أن التجمع لا دخل له في إدارة الانتخابات حتى يزورها”.

و يدعو القيادي السابق من أطلق عليهم صفة “الدستوريين” (نسبة الى الانتساب للحزب الدستوري الذي بات يسمى التجمع بعد 1988)، إلى ضرورة أن “يقوموا بالمراجعات اللازمة والنقد الذاتي والاعتراف بالأخطاء، والإعلان عن توجهات سياسية جديدة ليعودوا لممارسة السياسة”. وهو يعتبر أن  التجمع “امتداد للحزب الدستوري بزعامة بورقيبة وليس انحرافا عنه”.

حزمة المواقف التي أعلنها الأمين العام السابق للتجمع تتعارض تماما مع ما يعلن عنه “رفاقه” السابقين في الحزب، وتطاول إقراره بـ “المسؤولية السياسية” عن القمع والدكتاتورية. وهو يشدد هنا على  كلمة “السياسية” مشيرا إلى أن حزبه السابق “لم يرتكب جرائم بالمعنى الجنائي” ولكنه “ارتكب أخطاء وعليه تحمل مسؤوليتها”.

هذه الأخطاء يقول الغرياني لـ”مراسلون” أنه ينوى تقديم اعتذار عنها إذ “لا حرج في الاعتراف بوجود التجاوزات والاعتذار”. وما سيعتذر عنه الغرياني هو ممارسات حزبه ونظام الحكم الذي كان جزءا منه، والذي “لم يحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان”.

أما عن الاتهامات التي وجّهت إليه شخصيا بالفساد وتحقيق مكاسب شخصية، فقد أكد لـ”مراسلون” أن “القضاء عين خبراء للتحري عن وضعي المالي، ولم يسجل عني أي فساد” معتبرا “ذلك طبيعي لعدم تحملي أية مسؤولية في قطاعات اقتصادية”.

ويعتقد الغرياني ان على الجميع “الاعتراف بالثورة وان يتعايش معها”. كما انه رفض ان يطلق على عودة “الحرس القديم” إلى الساحة السياسية  اسم”الثورة المضادة”. وعلّق على التحاق عدد من التجمعيين بأحزاب من خارج الفكر الدستوري بان التنقل في حقل السياسة أمر طبيعي بعد “النقد الذاتي”، وانتقال السياسيين من “اليمين الى اليسار ومن اليسار الى اليمين” طبيعي أيضا.

امتناع الغرياني عن الدفاع عن “حزبه السابق” وإصراره على أن يتحمل أعضاء الحزب مسؤوليتهم السياسية  وشرح ما حدث في البلاد طيلة 23 سنة هي خلاصة النقد الذاتي الذي أجراه.

وإلى أن يعلن عن اعتذاره الرسمي عن مشاركته في النظام السابق يبقى القيادي التجمعي بعيدا عن أضواء الإعلام، يمارس السياسة من بابها الخلفي، كمستشار لرئيس حركة نداء تونس الباجي قائد السبسي، الذي لا ينفك ينوه بمناقب الرجل في كل مناسبة.