تبدأ قصة اللاجئ السوري عند نزول الطائرة في مطار تونس قرطاج الدولي. في الاستقبال أحد المعارف يقف ملوحا بورقة أو لافتة كتب عليها اسم إحدى البلدات السورية، ليعرف القادم أن الملوح بالورقة في انتظاره. بخطى متثاقلة يسير صاحب اللافتة نحوه، تسبق خطواته عبارات الترحيب التي لا تخلو من غصة تجاه مستقبل ضبابي ينتظره.

في الخارج هناك سيارة أجرة سرعان ما تقلّه نحو اقامته الوقتية؛ منزل متواضع في أحواز العاصمة مكتظ بساكنيه ولا يتسع للجدد.

رحلة البحث عن مأوى

تبدأ قصة اللاجئ السوري عند نزول الطائرة في مطار تونس قرطاج الدولي. في الاستقبال أحد المعارف يقف ملوحا بورقة أو لافتة كتب عليها اسم إحدى البلدات السورية، ليعرف القادم أن الملوح بالورقة في انتظاره. بخطى متثاقلة يسير صاحب اللافتة نحوه، تسبق خطواته عبارات الترحيب التي لا تخلو من غصة تجاه مستقبل ضبابي ينتظره.

في الخارج هناك سيارة أجرة سرعان ما تقلّه نحو اقامته الوقتية؛ منزل متواضع في أحواز العاصمة مكتظ بساكنيه ولا يتسع للجدد.

رحلة البحث عن مأوى

أيام فقط وتنطلق رحلة البحث عن سقف يأوي من برد تونس وحرّها. من وجد ضالته فقد أفلح ومن خاب بحثه ستستقبله الشوارع والمساجد حيث يمارس مهنته الجديدة: التسول.

لا صعوبة في ادراك المعاناة، فيكفي أن تنظر في عيني “أم أحمد”، المرأة الستينية القادمة من أحدى بلدات الريف الدمشقي. وما أحاط بهما من تجاعيد، ويكفي ان تقلب نظرك في بيتها الرطب المعتم.

“لا أمل في العودة لأرض الوطن” تقول أم أحمد، موضحة أن رئيس الجمهورية التونسية المؤقت محمد المنصف المرزوقي قطع العلاقات الدبلوماسية السورية التونسية بغلق السفارة وطرد السفير في نهاية شهر ديسمبر/كانون الأول من سنة 2011، فقلص بذلك حظوظ سوريين عالقين في تونس للعودة إلى بلادهم، بعد أن انتهت صلاحية وثائق سفرهم.

رغم ذلك تبدو أم أحمد مستعدة دوماً للرحيل، فقد حزمت كل أغراضها ووضعتها في ركن في أقصى المنزل الواقع في حي التحرير أحد الأحياء الشعبية المحاذية للعاصمة.

المنزل المتكون من مطبخ صغير وحجرتين فقط، يأوي أيضا ابنها وزوجته التي توشك على الولادة. تروي أم أحمد لمراسلون ما حل بها “نحن لم نحلم بأكثر من حياة عادية، كنا نشقى لنتدبر قوت يومنا لكني ما كنت أتوقع يوما أن أفيق وقد فقدت أحد أبنائي أو قصف بيتنا”.

تصمت للحظات كمن يستجمع ذكريات بعيدة “يومها كنا نسمع دوي الطائرات والقاذفات، هلع وصخب وعويل، ولم يكن في البيت من يعينني أنا وزوجة ابني على حمل أغراضنا لنغادر البلدة”.

يومها على عجل أخذت أم أحمد وزوجة ابنها بعض الاكل و الملابس وأوراق الهوية لتغادر وسط جحافل الفارين.

تقول عن ذلك اليوم “نمنا على الارض وسط الأشجار، التحق بنا ابني أحمد وصديق له وأمنا لنا الخروج من سوريا الى تركيا ومنها إلى الجزائر ومنها دخلنا إلى تونس”.

يعمل ابنها بمخبزة ليوفر إيجار البيت وحاجيات الطفل الذي سيولد في غضون اسابيع. أما هي فتعد بعض الحلويات الشامية للأفراح، “نحن نفضل أن نعمل ونتعب لا أن نعيش على حسنات الجيران، التونسيون طيبون لكننا لن نستغل طيبتهم”.

الزواج بتونسي لم يحل المشكلة

في مكان ليس ببعيد تسكن “نهوند”، فتاة سورية جميلة ومثقفة ذات مستوى جامعي، قدمت إلى تونس هربا من القصف والقتل العشوائي.

تؤكد نهوند أنها، خلافا لكثير من السوريين، دخلت إلى تونس بطريقة قانونية، لكنها علقت بها ولم تتمكن من الخروج.

وتوضح لمراسلون “هربنا من التقتيل والتنكيل. أمي تونسية الجنسية وهو ما سهل لي ولإخوتي الدخول”.

سكنت “نهوند” بادئ الأمر لدى أحد أقربائها، وسرعان ما ضاقت به وبعائلتها حجرات منزله، فتدبر لهم أحد مقرات الحزب الحاكم،سابقا(التجمع) ليقيموا فيه، لكن رطوبته وبرده داهما صدر الأم فقضت نحبها هناك.

تقول نهوند “أخواي الصغيران غادرا مقاعد الدراسة بسبب القصف واليوم ترفض السلطات التونسية ترسيمهما بالمدرسة. وجواز سفري انتهت صلاحيته ولم استطع تجديده نظرا لان السلطات التونسية اغلقت السفارة السورية”.

تضيف لمراسلون “الحياة صعبة جدا خاصة بوجود طفلين في كفالتي، ولا معيل لنا هنا غير زوجي التونسي. وأكبر ما داهمني من أزمات هو ترسيم عقد زواجي، فقد بذلت جهدا ومالاً دون أن أحصل على الاعتراف بزواجي رسميا في السجلات المدنية”.

في حالات مماثلة، تطلب السلطات التونسية لنقل سجلات نهوند عند عقد القران شهادة عزوبية وتصريحا من السفارة السورية بتونس. لذلك اضطرت نهوند إلى عقد زواج شرعي لدى أحد الشيوخ.

وتقول “زادت الأزمة تعقيدا بعد ميلاد ابنتي بزواج غير قانوني، أنظر الى حالنا هنا فيزداد الألم ويتضاعف، قدمت طلب لجوء وعلى غرار الكثيرين رفضت مطالبنا. لا أستطيع العمل طالما لا أملك وثائق رسمية وهو جزء مهم من معاناتي”.

إعادة العلاقات مع سوريا

حال “نهوند” على قساوته، يعتبر أفضل من حال كثير من أبناء وطنها ممن ضاقت بهم الأحوال وعازتهم الحيلة في العيش بطرق لائقة، فاضطروا إلى التسول.

فلا تكاد تمر أمام مسجد أو مصلى بالعاصمة وأحوازها دون أن تجد إحدى السوريات جالسة القرفصاء أمامه. الوجه ملثم، الملابس رثة والكف مبسوطة للمارة والمصلين. السيدة لا ترد التحية ولا تجيب عن أي من أسئلة “مراسلون”. تغمغم وتبتعد عن باب المسجد ولا فائدة تذكر من اتباع خطواتها فهي صارت تعرف أزقة المدينة أكثر من ساكنيها.

وبحثت “مراسلون” عن إحصائيات رسمية لعدد اللاجئين السوريين على تراب تونس لكن دون جدوى، لكن تقارير إعلامية عديدة قدرت عددهم بالآلاف.

ومع تشكيل الحكومة الجديدة في تونس، خصصت الجهات الرسمية مصلحة لبحث ملف اللاجئين السوريين، يتضمن خطة لإحصاء عددهم. لكن الحكومة تواجه عقبات أبرزها اختباءهم في أحياء شعبية أو ريفية.

وجاءت تصريحات رئيس الحكومة التونسية الجديد مهدي جمعة بردا وسلاما على قلوب اللاجئين الذين أكدوا لمرسلون أن بصيص أمل في إعادة ربط صلتهم ببلادهم عاد من جديد بعد إعلانه عن إعادة العلاقة “إداريا” مع سوريا، ما يعني تمكن السوريين العالقين في تونس من تجديد جوازت سفرهم وبقية معاملاتهم الخاصة بالزواج أو الدراسة.

لكن كلمات جمعة لم تجد ترجمة عملية لها إلى الآن بالنسبة لأم أحمد ونهوند وكثير من السوريين المتواجدين على التراب التونسي، وهو ما جعل أم أحمد تخذر الراغبين في القدوم إلى تونس بالقول “تونس ليست أرض خلاص لنا كما كنا نظن”.