منذ أن جرى حلّ حزب التجمع الدستوري الديمقراطي في في 9 آذار/مارس 2011، اختفى التجمعيون عن الأنظار وانسحبوا إلى كواليس المشهد. أما الذي كان يظهر على الشاشة أو في مقابلات الصحف، فكان يتكلم بغرض “غسل” ماضيه والتنكر لزين العابدين بن علي الذي استبد بالتونسيين طوال عقدين ونيّف من الزمن.  

بيد أن البلاد تشهد في الآونة الأخيرة عودة إعلامية قوية لقيادات التجمع ورموزه، وعودة سياسية أيضا من خلال أحزاب تأسست كامتداد للحزب القديم.

منذ أن جرى حلّ حزب التجمع الدستوري الديمقراطي في في 9 آذار/مارس 2011، اختفى التجمعيون عن الأنظار وانسحبوا إلى كواليس المشهد. أما الذي كان يظهر على الشاشة أو في مقابلات الصحف، فكان يتكلم بغرض “غسل” ماضيه والتنكر لزين العابدين بن علي الذي استبد بالتونسيين طوال عقدين ونيّف من الزمن.  

بيد أن البلاد تشهد في الآونة الأخيرة عودة إعلامية قوية لقيادات التجمع ورموزه، وعودة سياسية أيضا من خلال أحزاب تأسست كامتداد للحزب القديم.

عودة الحرس القديم تواكبها “مراسلون” بسلسة من المقالات تتناول الدور الذي يريد التجمعيون لعبه بظهورهم الإعلامي المتكرر، والأسباب الكامنة وراء تأسيسهم أحزاباُ بمسميات متعددة.

“محامية الشيطان” أم ضحية الإقصاء؟

يذكر التونسيون جيدا يوم أطلت عبير موسى، المحامية والأمين العام المساعد في حزب التجمع، لتدافع عن حزبها وتنتصر له في  وسائل الإعلام، بعد أيام قليلة من فرار الرئيس بن علي إلى العربية السعودية.

يومها كانت كلمة “تجمعي” شتيمة و”تهمة” يتبرّأ منها حتى كبار رموز الحزب، لكن موسى، وأمام استغراب واستنكار التونسيين، دافعت عن حزب سجن عدد من قياداته، وواصلت دفاعها  طوال السنوات اللاحقة، رغم قصر الفترة التي تقلدت فيها منصب الأمين العام المساعد (أقل من سنة)، حتى أن معارضون كثر اطلقوا عليها لقب “محامية الشيطان”.

ولئن فضّلت هذه السيّدة الابتعاد عن المشهد السياسي والتقشّف في الظهور الإعلامي لما تعرضت له من خصومات وصلت إلى أروقة المحاكم مع زملائها المحامين، إلا أنها وفي الأشهر الخمسة الأخيرة فاجأت الجميع بالعودة إلى الواجهة لتنشط مع “رفاقها” الذين اجتمعوا في حزب “الحركة الدستورية” برئاسة حامد القروي، الوزير الأول في لمدة عشر سنوات في عهد بن علي، ونائب رئيس التجمع إلى سنة 2008.

“مراسلون” سألت عبير موسى عن أسباب تمسكها بالدفاع عن التجمع، فكان ردّها هو ذات الردّ قبل ثلاث سنوات، يحمل افتخارا بانتسابها للحزب ونقدا للمنسحبين منه الذين “قفزوا من المركب قبل يغرق”.

تشدد موسى بثقة على رفضها حلّ التجمع بقرار قضائي. هذا القرار الذي تصفه بـالظالم. وتؤكّد أن من طالب بحلّ الحزب كان يرغب في ان يحلّ محلّه، وما قصدته بقولها هو “أن بعض الأحزاب أرادت ان تشتت التجمعيين ليسهل استقطابهم فيها واستخدامهم قواعد جماهيرية”، مشددة على أن “إقصاء التجمعيين هو الدكتاتورية بحد ذاتها”.

شجب عبير موسى “للإقصاء” لا ينسحب على سلوك حزبها في الماضي، فهي تعتبر أن التجمع “لم يكن دكتاتورياً وإنما حزبا مهيمناً، هيمنته استمدّها من دوره التاريخي ومن اتساع قاعدته الشعبية”، واصفة إياه بأنه”حزب ذو دور مجتمعي”.

ولا تكتفي عبير موسى بنزع صفة الدكتاتورية عن الحزب، بل هي تنفي أن يكون قد مارس القمع السياسي، لتؤكّد ان “الدولة وليس الحزب هي من فعل ذلك”.

وهنا تفصل المحامية بين الدولة والتجمع، وتعتبر ان القول “بتداخل الحزب مع الدولة هو خلط في المفاهيم “، قافزة فوق سؤال “مراسلون” عن استغلال حزبها مؤسسات الدولة في حملاته الانتخابية وتسخيره مواردها في أنشطته.

دفاع موسى لم يتوقف عند رفض حلّ التجمع، إنما تطور بمرور الوقت ليصبح “استهجانا” للانتقادات الموجهة لحزب التجمع الدستوري المنحل. فقد اعتبرت في تصريح لـ”مراسلون” أنّ “معارضي التجمع حرّفوا تاريخه وصوّروه على أنه حزب لقيط أتى به بن علي”، في حين تصرّ هي على أنّه “امتداد للحزب الدستوري” (حزب الرئيس الاسبق بورقيبة) الذي حكم تونس منذ الاستقلال ولغاية تسلم بن علي مقاليد السلطة في انقلاب أبيض سنة 1987.

وفي حديثها لـ “مراسلون” تصدت موسى لما أسمته بالإقصاء السياسي، الذي تعتبره معاقبة جماعية. ففي النهاية الأخطاء التي ارتكبت في ظلّ حكم التجمع “أخطاء فردية” في تقديرها، كما أن “الفساد” كان حالات فردية، والمحاسبة يجب ان تكون فردية.

وأشارت موسى إلى ان “تحصين الثورة” هو فعل دكتاتوري، نجم عنه إفساد المشهد السياسي في البلاد بعد انتخابات 23 تشرين أول/اكتوبر2011.

عبير موسى التي مثلت استثناء في صفوف التجمعيين الذين اختفوا بعد الثورة وتنصلوا من انتمائهم السابق وتنكروا للتجمع، تتقاسم مع هؤلاء تنكّرها لرئيس حزبها السابق زين العابدين بن علي، وهي التي كانت في أول أيام الثورة تدافع عن “سياسته الحكيمة”.

وكانت موسى وقد وصفت بن علي في اجتماع عقد في الأسبوع الأول من كانون الثاني/يناير 2011 (قبل فراره بأيام) في مقر الحزب بـ”الأب الحنون” الذي يحتوي أخطاء أبنائه. يومها اعتبرت كذلك أن محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده في 17 كانون الأول/ديسمبر 2010 أقدم على ذلك لأن “شخصيته ضعيفة ووضعه النفسي متأزم”.

تنّكر موسى لرئيسها السابق تزامن مع مراجعتها لموقفها من الثورة التي سبق واعتبرتها في أول أحداثها “حملة تشكيك يقوم بها المناوئون” فباتت اليوم تعتبرها “انتفاضة شعبية”، وإن كانت ترفض إطلاق اسم “ثورة” عليها.

لكنها في المقابل تعتبر أن حزبها تعّرض لـ”حملة شيطنة وتخوين” جعلت من مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد أعرجا حسب رأيها، متناسية حملات الشيطنة والتخوين التي قام بها هذا الحزب وقياداته ضد المعارضين والشرفاء وكل المدافعين عن حقوق الانسان على مدى أكثر من عشرين سنة.