لم يكن محمد مختار مامي يريد من أعمام أمه غير نصيبها الشرعي في ميراث أبيها، من أرض تركها جدها في منطقة السيدة زينب بجنوب مدينة الزاوية (40 كلم غربي طرابلس) قيمتها تقدر بملايين الدينارات، ليُقتل على يد ابن عم أمه بخمس رصاصات إحداها في القلب، إثر مشادة كلامية حول موضوع الميراث.

قضية أم محمد شائكة وقديمة، فقد توفي أبوها منذ سنوات طويلة وترك خلفه أربع بنات، تزوجن وأنجبن وعندما كبر أبناؤهن وعرفوا أن لأمهاتهن حقاً شرعياً في ميراث جدهم، بدؤوا بالمطالبة بذلك الحق المسكوت عنه منذ أكثر من 25 عاماً، إلا أن أعمام أمهاتهن لم يلتفتوا إلى تلك المطالب ولم يرضوا بتقسيم التركة.

لم يكن محمد مختار مامي يريد من أعمام أمه غير نصيبها الشرعي في ميراث أبيها، من أرض تركها جدها في منطقة السيدة زينب بجنوب مدينة الزاوية (40 كلم غربي طرابلس) قيمتها تقدر بملايين الدينارات، ليُقتل على يد ابن عم أمه بخمس رصاصات إحداها في القلب، إثر مشادة كلامية حول موضوع الميراث.

قضية أم محمد شائكة وقديمة، فقد توفي أبوها منذ سنوات طويلة وترك خلفه أربع بنات، تزوجن وأنجبن وعندما كبر أبناؤهن وعرفوا أن لأمهاتهن حقاً شرعياً في ميراث جدهم، بدؤوا بالمطالبة بذلك الحق المسكوت عنه منذ أكثر من 25 عاماً، إلا أن أعمام أمهاتهن لم يلتفتوا إلى تلك المطالب ولم يرضوا بتقسيم التركة.

قتلوه وسلموا أنفسهم

محمد مامي، الابن الأكبر للبنت الكبرى له أربع أطفال، ألح على أخذ نصيب أمه من الميراث، فاستدعاه أعمام أمه وأبناؤهم هو وأبناء خالاته وتجمعوا لحل القضية، لكن سوء تفاهم نتجت عنه مشادة كلامية بين محمد وعم أمه، تطورت إلى ضرب بالأيادي لينادي العم ابنه الأصغر الذي أحضر مسدسه ليفرغ خمس طلقات في بدن محمد، فأرداه قتيلاً.

سلم القاتل وأبوه وابن عمه أنفسهم للشرطة، وهم الآن في السجن يواجهون تهماً بالقتل والتحريض عليه.

هذه النهاية المأساوية هي إحدى عواقب ظاهرة تنتشر في ليبيا، وخاصة في المدن البعيدة عن العاصمة وهي حرمان الإناث من حقهن في الميراث، وهي ناتجة عن موروث ثقافي قائم على الحفاظ على الممتلكات وخاصة الأرض من الانتقال إلى عائلات أخرى عن طريق بنات العائلة.

طرق ملتوية

ليس الإخوة فقط بل حتى الآباء أحياناً يعملون على عدم توريث بناتهن، وهو ما حدث مع عائشة – 55 عاماً – التي قالت لـ”مراسلون” إنها حرمت من ميراث والدها هي وأخواتها البنات “بطريقة ذكية”.

فقد باع والد عائشة على نحو صوري كافة ممتلكاته لأولاده الذكور، واحتفظ بالعقود داخل خزائنه إلى حين وفاته، وبذلك كان مفلساً عند الوفاة لا ميراث له، وضاع حق الإناث في ميراثهم الشرعي.

والد عائشة من سكان مدينة جنزور التي لا تبعد عن العاصمة طرابلس سوى 10 كيلومترات، وهو أب للعديد من الأبناء الذكور والإناث، ومن ملاك الأراضي الزراعية وأراضي البناء الميسورين في المنطقة، وتقدر قيمة أملاكه السوقية بالملايين من الدنانير الليبية.

قصة أخرى عن سليمة – 54 عاماً – التي روت لـ”مراسلون” أن أخوالها أعطوا قدراً زهيداً من المال لأمها عندما باعوا جزءاً من الأراضي التي تركها جدها، وبالرغم من أنها تعرف أن أمها التي توفيت لم ترث نصيبها من أملاك أبيها، وأن لها الحق في المطالبة بميراث أمها، إلا أنها تقول “لا أريد أن أخاصم أخوالي بسبب ميراث أمي”.

الطعن بالصورية

مسألة الميراث أمر شرعي، والقانون في ليبيا يطبق الشريعة، وبالتالي لا يجوز قانوناً أن يحرم أي شخص المرأة من ميراثها.

وفي حالة عائشة يمكن الطعن على عقود البيع بالصورية، فحين يكون البيع تم لطفل عمره عشر سنوات مثلاً، حينما تثبت الصورية عن طريق القضاء فإن المرأة تأخذ حقها.

المحامي رمضان سالم يقول “ما يتم عملياً هو تحايل على القانون، بمعنى أنه قبل أن يموت الشخص يكتب كل تركته لأولاده الذكور وليس الإناث، والقانون الليبي يجيز لمثل هذه الحالة رفع دعوى والطعن بصورية عقود البيع، وإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل التعاقد الصوري، وتوزيع التركة حسب الشريعة الإسلامية”.

لكن المشكلة بحسب المحامي أن الأمور عادة لا تصل إلى القضاء “فعلى الرغم من إمكانية إنصاف القانون الليبي للمرأة إلا أن المرأة ذاتها تتقاعس عن المطالبة بحقها، حيث ترفض الإناث المحرومات من الميراث مخاصمة والدهن في حياته أو مخاصمة إخوتهن بعد ممات والدهن، وهن خانعات بحكم العادات والتقاليد”.

أعراف اجتماعية

يلقي صبري المقطوف اللوم في حرمان أخواته الإناث من الميراث على والده الذي أوصى بذلك. “الأوراق التي تركها أبي هي وصية واجبة التنفيذ، ويتحمل وزرها من كتبها وأنا لست مسؤولاً عنها. أنا لم أحرم أحداً وسأورث بناتي، وقد كتبت وصية أنه عند موتي يجب تقسيم تركتي على أبنائي وبناتي حسب الشرع”.

ويروي المقطوف “أذكر أن والدي هدد أمي بالطلاق إن هي طالبت بحقها من ميراث أبيها، بحجة أن إخوتها الأولاد أولى بالميراث، فيما بناته الثلاث توفين ولم يأخذن نصيبهن بالكامل مما ورثه”.

المقطوف أعطى لكل من أبنائه قطعة أرض ليبني عليها مسكناً، أما بناته فلم يعطيهن شيئاً لأنهن متزوجات ولديهن مساكن، ويقول “إن احتجن سأعطيهن ما يطلبن”.

وفي حديثه لـ”مراسلون” عبر المقطوف عن استغرابه من ظهور النشطاء الحقوقيين بعد الثورة ليتحدثوا عن مثل هذه المفاهيم “الخاطئة”، متسائلاً “أين كان هؤلاء خلال 42 سنة الماضية؟ لماذا لم يتحدثوا عن حقوق المراة في الميراث من قبل؟”.

ثمانية بنات وولد

سميرة هي واحدة من ثمانية أخوات لهن شقيق ذكر واحد، توفي أبوها في منتصف سبعينات القرن الماضي ولم تطالب بحقها في ميراث أبيها من عقارات وأراضِ ومنازل ومحلات، فيما يتمتع أخوها الوحيد بكل هذه الأملاك، وما ينتج عنها من إيرادات ومرتبات وأموال تدخل على حسابه شهرياً.

تقول سميرة “لم تتحدث أي من أخواتي السبعة عن حقهن في الميراث، ولهذا لا أريد أن أتحدث بمفردي لأنني أعرف أن ذلك سيحدث مشاكل، قد تصل حد القطيعة مع أخي وعائلتي، ومع ذلك أنا لم أتنازل عن حقي ولن أتنازل عنه”.

الناشط الحقوقي عمر الماي يقول “هذا ما يقلق فعلاً، إذا لم تثر المراة فإن المجتمع ميت، ونبض الحياة في أي مجتمع مقياسه ارتفاع صوت المرأة فيه”.

ويعلق الأستاذ الجامعي رجب مختار “بكل أسف هذا موجود بكثرة في المدن الليبية، حتى أن المرأة لا تطالب بنصيبها في الميراث خشية إن هي اضطرت إلى الرجوع لبيت أبيها يوماً ألا يعاملها إخوتها بشكل جيد”.

الخلاف على الميراث عادة يتم حول الأراضي والعقارات بشكل خاص، يقول قاسم كامور، حيث ترث المرأة نصيبها عادة من المال والماشية بما تقتضيه الشريعة.

الحبس على الذكور

ما يعرف بـ”الحبس” في ليبيا هو عبارة عن وصية مكتوبة يتركها المورث، تحرم فيها الإناث من الميراث ويقتصر الميراث على الذكور، وقد كانت شائعة في كثير من المدن والمناطق الليبية حتى تم إلغاؤها بصدور فتوى من مفتي الديار الليبية السابق الشيخ الطاهر الزاوي سنة 1973م، وبعد هذه الفتوى صدر القانون رقم 16 لسنة 1973 بإلغاء الحبس على الذكور.

لكن هذا الإلغاء لم يؤدي إلى تغيير المفهوم العام السائد في المجتمع بالميل لحرمان الإناث من حقهن في الميراث، ما دفع مفتي عام ليبيا الشيخ الصادق بن عبد الرحمن الغرياني لإصدار الفتوى (810) في بداية عام 2013 حول الموضوع نفسه.

ونصت الفتوى على أن “الحبس على الذكور دون الإناث هو محل اختلاف بين أهل العلم، والصـواب الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائز شرعاً، وهو المعتمد في أكثر المذاهب، لما في ذلك من التحايل على حرمان المرأة من الميراث، عليه، فإن هذا الحبس لا يُعمل به شرعاً ولا قانوناً، وتجب قسمته على الذكور والإناث على السواء حسب الفريضة الشرعية”.

لكن الفتاوى والنصوص القانونية لا تكفي وحدها لتحصيل حق أم محمد وعائشة وسميرة وسليمة في ميراثهن، يقول المحامي رمضان سالم، فالنساء في المجتمع الليبي بحاجة إلى توعية بحقوقهن في حين أن “المنظمات الحقوقية لا تقوم سوى بالتنديد فقط، حتى بعد صدور قانون تجريم حرمان الإناث من الميراث”.

ويرى رمضان أنه “لا بد من عقد ورشات عمل قانونية وإصدار كتيبات ونشرات دورية، والقيام بحملات إعلامية من قبل المؤسسات النسوية والحقوقية والأهلية وتسليط الضوء على هذه القضايا في الإعلام المحلي لتحويل القضية إلى قضية رأي عام”، فالتحدي الأساسي بحسب المحامي هو تحدّ ثقافيّ  واجتماعيّ  لتقاليد استمرت عقودا من الزمن وما زالت النساء تدفع ثمنها.