إلى السجن الجديد الواقع بالقرب من المطار خارج مدينة سبها بالجنوب الليبي، والمكون من ستة مهاجع، نقلت السلطات الليبية نهاية شباط/ فبراير الماضي المئات من المهاجرين غير الشرعيين الذين اعتقلتهم في ظروف مختلفة، بعد أن عاشوا قرابة عام ونصف العام تحت وطأة شروط غير لائقة بحياة البشر، بحسب وصف منظمات حقوقية.

ولئن تخلص المهاجرون من ظروف المكان القاسية، إلا أن إساءة المعاملة ما زالت تحاصرهم في مقرهم الجديد، بدءا من الطعام القليل وصولا إلى الضرب وانعدام الرعاية الصحية. 

غير صالح للحياة

إلى السجن الجديد الواقع بالقرب من المطار خارج مدينة سبها بالجنوب الليبي، والمكون من ستة مهاجع، نقلت السلطات الليبية نهاية شباط/ فبراير الماضي المئات من المهاجرين غير الشرعيين الذين اعتقلتهم في ظروف مختلفة، بعد أن عاشوا قرابة عام ونصف العام تحت وطأة شروط غير لائقة بحياة البشر، بحسب وصف منظمات حقوقية.

ولئن تخلص المهاجرون من ظروف المكان القاسية، إلا أن إساءة المعاملة ما زالت تحاصرهم في مقرهم الجديد، بدءا من الطعام القليل وصولا إلى الضرب وانعدام الرعاية الصحية. 

غير صالح للحياة

قبل الانتقال السجن الجديد عاش المهاجرون القادمون من دول عربية وأفريقية في مبنى قديم متهالك يقع وسط المدينة، كان سجناً جنائياً حتى عام 2007 عندما تم إقفاله لعدم صلاحيته، ليعاد فتح بوباباته مجدداً لحجزهم في شهر أيار/مايو 2012.

المبنى القديم الذي زاره “مراسلون” كانت جدرانه متهالكة، لا وجود لفتحات تهوية أو نوافذ في غرفه، فضلاً عن أجهزة التكييف.

الرائحة الواخزة أول ما تصادف المرء عند دخوله بسبب تعطّل دورات المياه. الحجرات ضيقة والممرات معتمة. الجدران شديدة الاتساخ تعشش الحشرات بين شقوقها، تتصل بأرضية مهترئة تتجمع فيها برك مياه راكدة يحوم فوقها البعوض والذباب.

هذا هو المكان الذي قضى فيه مئات البشر شهوراً من أعمارهم، قبل أن ينتقلوا إلى مقر جديد ما زال تحت الإنشاء.

رعاية صحية مفقودة

ظروف السجن الجديد لا تختلف كثيراً عن سابقه بحسب المحتجزين الذين تحدث إليهم “مراسلون”، فهو غير مكتمل التجهيز، ويعاني من الاكتظاظ، لكن ما دفع ليبيا لاستخدامه قبل اكتماله هو ضغط المنظمات الحقوقية.

فبحسب تقرير منظمة العفو الدولية الصادر عام 2013، فإن السجن السابق تفوق على غيره من المراكز “من حيث وجود ظروف اعتقال شديدة القسوة، ترقى إلى مرتبة المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”.

وأضاف التقرير أن المحتجزين مع شدة الاكتظاظ كانوا يضطرون أحياناً كثيرة للنوم على الأرض المتسخة، وتحدث أيضاً عن خلو السجن من نظام للصرف الصحي، مما كان له أثر على الوضع الصحي العام داخل المركز.

وعند زيارة العفو الدولية للمركز كان هناك نحو80 معتقل يعانون من الحكة في أيديهم وأعضائهم التاسلية، مما يشير إلى احتمال إصابتهم بالجرب، وكان هولاء معزولون في باحة تحت أشعة الشمس، بناء على مشورة بعض الأطباء الذين زاروا المركز، ولكن الباحة لم تكن مظللة بالقدر الكافي.

ولم يتوفر للمحتجزين قدر كاف من مياه الشرب ومرافق الاغتسال والصرف الصحي، وشكى العديد منهم أنهم اضطروا للتبول في زجاجات بلاستيكية، وزعم بعضهم أنهم يفرغون أمعاءهم في الخلاء، بحسب المنظمة.

بيد أن المهاجرين – بحسب ما أفصحوا عنه لـ”مراسلون” – ما زالوا يمكثون في حجرات ضيقة ومتسخة أشهراً عدة قبل أن يتم ترحيلهم، وطوال هذه الفترة لا يحصلون على الرعاية الصحية الكافية، ويتعرضون للضرب والتعنيف.ا

الضرب بكابلات الكهرباء

المكان الجديد الذي يدعى هو الآخر “مركز إيواء سبها” يحتوي حالياً على أكثر من ألف وثلاثمائة نزيل، من جنسيات متعددة؛ السنغال، النيجر، تشاد، مالي، الكاميرون، بوركينا فاسو، إريتريا، اثيوبيا، الصومال، السودان، سوريا، ويعيش كل هؤلاء في أوضاع إنسانية غير لائقة تماماً بحسب وصفهم، بالرغم من تخلصهم من العديد من المشكلات السابقة.

سليمان أسوري وهو محتجز من السنغال اعتبر مشكلته الأساسية سوء معاملة موظفي المركز، والتي لن تتغير بتغيير المكان. يقول سليمان “نحن نتعرض للضرب بكابلات الكهرباء وخراطيم المياه، كما نتعرض للشتم، ولايسمح لنا بالخروج من غرفنا للساحة، حتى إننا نتعرض أحياناً للعقاب الجماعي إذا أخطأ أحدنا”.

محتجز سوري – فضل عدم ذكر اسمه – روى لـ”مراسلون” أنه تعرض لعملية خداع من أحد موظفي إدارة الجوازات، الذي زور أختاماً على جوازه فاعتقل في مطار سبها وتم إحضاره إلى السجن.

محتجز آخر من النيجر يدعى يوسف تراوري قال إنه يملك وثيقة من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تعطيه صفة طالب لجوء، لكن هذه الوثيقة لم تحمه من الاعتقال في مركز احتجاز سبها، “نتعرض للضرب بشكل عشوائي أحياناً، خاصة عند توزيع الطعام”، يقول يوسف.

تكثر القصص والحكايات داخل المركز، وإن كان الجميع يتفقون على أن تغيير المكان لم يحل المشاكل، ولم يخفف من وطأة الانتهاكات التي يتعرضون لها.

الموظفون أيضاً يعانون

المدني الزيداني مدير السجن لم ينكر بؤس الأوضاع التي يعيشها المحتجزون، بل وأكد أنه ومن معه من موظفين يعانون بشدة من هذا الوضع الذي ينطبق عليهم أيضاً كعاملين في هذا المكان، وتحدث لـ”مراسلون” عن أن الموظفين لايحصلون على تطعيمات تحميهم من أمراض قد يأتي بها النزلاء.

موظفو المركز بحسب الزيداني غير مؤهلين للتعامل مع المهاجرين، فلا أحد منهم يتحدث أية لغة أخرى غير العربية، وبالتالي هم عاجزون عن التخاطب مع غير العرب من النزلاء، وهم لا يحصلون على أية تدريبات تزيد من مستوى قدراتهم وفعاليتهم في تسيير الأمور.

ويعتقد بأن ضعف رواتب الموظفين يجعلهم أحياناً يلجؤون إلى تصرفات غير قانونية مثل تلقي الرشى أو ابتزاز المحتجزين أو تهديدهم هم أو أرباب أعمالهم، ومساومتهم مقابل حريتهم، وبالمقابل يقول أنه كثيراً ما يحدث العكس، حيث يتعرض موظفو المركز للتهديد من قبل مواطنين لهم عمال داخل المركز، ما أدخلهم في دوامة فقدان الأمن.

ثلاث وفيات

سجل “مركز إيواء سبها” ثلاث وفيات بين المحتجزين بسبب الإهمال وانعدام المتابعة الصحية، وهذا ما يبرره الزيداني بقلة الموارد البشرية والإمكانيات لدى المركز، والتي تحول بينهم وبين إقامة عيادة صحية.

وذكر الزيداني لـ”مراسلون” أن المستشفى المركزي “لايتعاون معنا بالشكل المطلوب، وأحيانا كثيرة يرفض استقبال حالات نرسلها له بشكل رسمي، تارة بحجة عدم إمكانية العلاج، وتارة بحجة عدم استكمال إجراءات سفارتهم، وتارة بحجة أن هذه حالات طويلة الأجل، بمعنى أن علاجها يستغرق وقتاً طويلاَ”.

أضف إلى ذلك أن “المحتجزين يوضعون بأعداد لاتتناسب مع حجم الغرف، ونحن لا نملك ميزانية لشراء ملابس نظيفة وفرشات وأغطية جديدة للمحتجزين فضلاً عن علاجهم”.

المجتمع المدني

تنظم عمليات الترحيل من قبل المنظمات الدولية تقريباً وليس دائماً كل أربعة أشهر، بعد التنسيق مع شركات النقل والسفارات التي يتبعها المرحلون، وهنا تبرز مشكلة الجنسيات غير المستهدفة بالترحيل، مثل إريتريا والصومال وإثيوبيا ودارفور السودانية، حيث ترفض المنظمات الدولية ترحيل هؤلاء بسبب ما تعانيه دولهم من مجاعات وحروب.

وتعترف السلطات في ليبيا بحقهم في عدم الطرد، إلا أن هذا الاعتراف لا يحميهم من الاعتقال والاحتجاز لمدد قد تطول، حتى إذا امتلكوا وثائق تثبت أنهم لاجئون، وهو الأمر الذي لم نجد له تفسيراً لدى إدارة المركز.

لم تسجل بحسب مدير المركز زيارات حقيقية وفعالة من قبل مؤسسات المجتمع المدني المحلية للمركز، بينما الزيارات الدورية تقوم بها المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان واللاجئين وطالبي اللجوء والمهاجرين، ومنها منظمة العفو الدولية، ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، ومنظمة الهجرة الدولية، والهيومن رايتس ووتش.

خرجنا من مركز الاحتجاز بسبها، وقد استوت عندنا معاناة نزلائه فلا نستطيع أن نفاضل بينهم، كلهم يعيشون نفس البؤس بكافة تفاصيله الدقيقة، وقد يكون حال موظفي المركز أقل سوءاً، إلا أنهم أيضاً يعانون الإهمال والتسيب والتهميش.