في مطلع شهر آذار/ مارس الجاري، وقفت سجى ذات السبع سنوات في مقدمة صفوف التظاهرة التي ضمتها وزملائها من صبيان وبنات مدينة زوارة (أقصى الغرب الليبي) تحمل تفاحة بيد وبالأخرى لافتة كتب عليها “لا للتدخين”. عن سر هذه التفاحة قالت سجى لـ “مراسلون” ببراءة “أنا سأعطي التفاحة لأبي ولكل مدخن يمرّ أمامي، وسأطلب منه ان يرمي السيجارة”.  

تعال وخذ تفاحة

في مطلع شهر آذار/ مارس الجاري، وقفت سجى ذات السبع سنوات في مقدمة صفوف التظاهرة التي ضمتها وزملائها من صبيان وبنات مدينة زوارة (أقصى الغرب الليبي) تحمل تفاحة بيد وبالأخرى لافتة كتب عليها “لا للتدخين”. عن سر هذه التفاحة قالت سجى لـ “مراسلون” ببراءة “أنا سأعطي التفاحة لأبي ولكل مدخن يمرّ أمامي، وسأطلب منه ان يرمي السيجارة”.  

تعال وخذ تفاحة

“لا للتدخين”. كان عنوان اليوم الأول من تظاهرة سجى وزملائها، وعن سبب اختيار هذا الموضوع بالتحديد تقول الأخصائية الاجتماعية صباح عريبي العطوشي صاحب الفكرة “نعلم جميعا مدى خطورة التدخين وتفشيه بنسبة كبيرة في مجتمعنا، حتى بين صغار السن والذين نكاد نقول عنهم أطفال”.

ولكن قصة اختيار الأخصائية لموضوع خطر التدخين تتعلق بإحدى طالباتها التي تغيبت عن المدرسة، وكان جوابها حين وجهت لها المعلمة السؤال بأن والدها الذي يحضرها إلى المدرسة كان مريضاً “أبي مرض بسبب التدخين وقد طلبت منه مراراً ان يكف عنه حتى لايمرض”، هذا ما قالته الطفلة.

وتتابع العطوشي “أثر فيَّ كلام مريم كثيراً، وهي اليوم تساهم معنا في التظاهرة وتشعر بالسعادة، وأخبرتني بأنها طلبت من أبيها الحضور لتعطيه التفاحة التي كانت رمزاً للحملة”.

وتقول عزيزة شامي مديرة مدرسة شهداء زوارة إن “هذا النشاط جديد من نوعه في المدينة، ويأتي من باب تنمية قدرة الاطفال على التفاعل مع المجتمع بشكل تطوعي، وزرع روح العمل المدني في شخصياتهم”.

وتؤكد شامي على أن دور المدرسة يجب أن لا يقتصر على التعليم التقليدي فقط، بل أن يتعداه إلى “تطوير وضع الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة وخلق كيانات ذات تفكير وهدف”.

“شكراً لكم”

في اليوم الثاني من النشاط وقف ساجد وسيفاو ومعهم أطفال آخرون، يوزعون بطاقات شكر على رجال شرطة المرور ورجال الأمن في شوارع المدينة، في مشهد غير مألوف بالنسبة للأهالي.

اقتراح نوع النشاط في اليوم الثاني جاء من الطفل سيفاو نفسه الذي كان يردد أمام المارة عندما يسالونه عن تلك البطاقات الملونة التي يحملها بيده: “أنا جئت لأشكر كل شرطي ورجل أمن لأنهم يحموننا”.

وتعلق مديرة المدرسة على مبادرة سيفاو بالقول: “أطفالنا يدركون جيداً مايحدث حولهم من انفلات أمني، ويدركون أن مدينتهم تنعم بأمن وأمان بفضل جهود أبنائنا في الأمن والشرطة”. وتتابع “لقد اقترح سيفاو رغم صغر سنه أن نقدم لرجال الأمن بطاقات شكر ونقف معهم ونطالب بتفعيل الجيش والشرطة في كل ليبيا”.

تهيئة للعمل المدني

هذا النشاط الذي نظمته مدرسة شهداء زوارة تم بتنسيق مع مكتب التعليم بالمدينة، وقد شارك في التظاهر رئيس مكتب التعليم وأعضاؤه. وكان المساهمين في هذا العمل من تلاميذ الصف الأول والتاني والثالت الابتدائي، لم تتجاوز أعمارهم الثماني سنوات.

ويقول المنصوري رئيس قسم النشاط في المكتب: “نشعر بالسعادة ونحن نرى الأطفال يدمجون في نشاط مدني لتوسيع قدراتهم، وزرع مبدأ تنمية الناس من أجل الناس وبواسطة الناس”، مشيرا إلى أن ما يفعله الأطفال اليوم “كان ممنوعا عليهم، بل يعتبر جريمة في زمن النظام السابق”.

دعم من الأسر

قامت المدرسة في إطار الاستعداد لهذا النشاط بعقد اجتماع مسبق مع أولياء الأمور، وناقشت فيه عدة أمور خاصة بالطلبة وتم فيه إبلاغهم بهذا النشاط وبموعده. وتقول العطوشي “تركنا لهم حرية الاختيار بأن يشارك أبناؤهم أو لا، والحمد لله كان الإقبال جيداً جداً، وشارك عدد كبير من التلاميذ بدعم من أسرهم” .

السيدة سعاد والدة الطفلة سجى عبرت عن فخرها بأن تشارك ابنتها في مثل هذه الأنشطة كوسيلة لتنمية وتقوية شخصيتها. “من الجميل أن أسمعها تحدث أخوانها الأكبر منها سناً عن أضرار التدخين وما يسببه للجسم من مخاطر، وتنبههم منه حينما يكبرون، وهي فخورة بما تفعل”.

لكن أثر التظاهرة كان على الأهالي بقدر ما كان على الأطفال، فقد لمعت عينا مريم وهي تشاهد أباها من بعيد وتتوجه اليه بأقصى سرعتها لتقدم له التفاحة رمز الحملة، راجية إياه أن يرمي بعلبة السجائر. “عينا الوالد كانتا تدمعان، احتضن ابنته ووعدها بذلك”، تقول العطروشي، معتبرة أن هذا المشهد وحده كان كافيا ليدل على أهمية التظاهرة وضرورة متابعة العمل عليها.