في التاسع من كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، انتهت رحلة السوري محمد ذياب، 24 سنة، فاراً من جحيم الحرب في بلاده، على سرير في إحدى مستشفيات مدينة سبها في الجنوب الليبي، عارياً من الملابس، مفتقداً لأدنى متطلبات العلاج.

ذياب الذي جاء من الغوطة الشرقية في ريف دمشق، إحدى أكثر المناطق اشتعالاً في الجنوب السوري، والمطوّقة بالحصار والجوع، كان يستلقي بالكاد يقدر على الحديث، على سرير في مستشفى سبها المركزي، حين التقاه موقع “مراسلون” بعد أن أصيب في حادث سير هو ورفاقه أثناء دخولهم إلى ليبيا عن طريق السودان عبر الصحراء.

في التاسع من كانون الثاني/ يناير من العام الماضي، انتهت رحلة السوري محمد ذياب، 24 سنة، فاراً من جحيم الحرب في بلاده، على سرير في إحدى مستشفيات مدينة سبها في الجنوب الليبي، عارياً من الملابس، مفتقداً لأدنى متطلبات العلاج.

ذياب الذي جاء من الغوطة الشرقية في ريف دمشق، إحدى أكثر المناطق اشتعالاً في الجنوب السوري، والمطوّقة بالحصار والجوع، كان يستلقي بالكاد يقدر على الحديث، على سرير في مستشفى سبها المركزي، حين التقاه موقع “مراسلون” بعد أن أصيب في حادث سير هو ورفاقه أثناء دخولهم إلى ليبيا عن طريق السودان عبر الصحراء.

قرار السفر

كان ذياب يعمل رفقة صديقه محمد الخليل وآخرين بالنجارة في ورشة صغيرة يملكانها ببلدة المليحة بريف دمشق، وعندما بدأت الثورة السورية وتغول نظام الرئيس بشار الأسد وطالت الحرب وجدا أنفسهما بلا عمل، في منطقة تعج بمعارك الكر والفر، ففكرا في الحصول على عمل خارج بلادهم، ولأن لأصدقائهما أقارب سوريون في ليبيا، عرضوا عليه القدوم إليها.

“جئنا إلى ليبيا للعمل بعد أن سُدت الأبواب في وجوهنا”، قال وأنّات الألم المتواصل تقطع من انسياب كلامه.

اعتقد ذياب كما غيره من السوريون أن ليبيا هي أفضل بلد يقصده، فهي “تعادي النظام السوري وتحتضن الكثير من أبناء بلدنا على أراضيها”، ما شجعه ورفاقه لجمع ما استطاع من أموال كي يفتتح ورشة للنجارة بمجرد وصوله إليها.

“كانت أمامنا مشكلة الحصول على تأشيرة الدخول” يقول، “فالحكومة الليبية لاتملك سفارة في سوريا حتى نتمكن من طلب التأشيرة، وقد سمعنا أن الحصول عليها من ليبيا أصبح صعباً في الآونة الأخيرة، وكذلك سمعنا عن صعوبة الدخول عبر مصر، لذلك قررنا أن ندخل عن طريق السودان”.

المرحلة الأصعب

خرج ذياب ورفاقه إلى لبنان ومنها إلى تركيا، وتوجهوا جواً من اسطنبول إلى الخرطوم، حيث بدأت المرحلة الأصعب من الرحلة.

“في المطار استقبلنا مهرّب سوداني الجنسية وأخذنا إلى بيته، حيث علمنا أن السفر قد يستغرق أربعة أيام بلياليها، وأخذ منا المهرب تكاليف الرحلة وتحركنا في اليوم التالي”.

بعد أربعة أيام من السير المتواصل في الصحراء، لم يتخللها إلا توقف واحد في قرية صغيرة نائي لملئ الوقود، دخل ذياب رفقة ثلاثة عشر مهاجر سوري آخر الأراضي الليبية.

“استقبلنا موظفو البوابة الحدودية الأولى في ليبيا بشكل اعتيادي، وختموا جوازات سفرنا بسهولة، مما أثار دهشتنا واستغرابنا، ثم ركبنا منطلقين في الصحراء، وبعد يوم كامل استوقفتنا بوابة أمنية أخرى”، يقول ذياب.

ابتزاز وحجز

اختلفت معاملة العساكر في البوابة الثانية عن سابقتها بحسب ذياب، حيث أنزلوهم من السيارة وأهانوا السائق السوداني، وطلبوا نقوداً حتى يسمحوا لهم بمواصلة السير. وبعد رفض المهاجرين التخلي عن مدخراتهم قام العساكر باحتجازهم لمدة عشرين يوماً دون أكل أو شرب ما عدا بعض التمر أو الماء من وقت لآخر.

“وسط برد قارص وفي صحراء موحشة، كانت فرص هربنا متوفرة، لكن كيف سنهرب في الصحراء دون دليل”، يقول ذياب.

بعد تلك المعاناة أذعن المهاجرون لمحتجزيهم الذين أخذوا – بحسب ذياب – كل ما معهم من نقود، وسمحوا لهم بالذهاب مع سائقهم السوداني، ليتواصل سيرهم في الصحراء رفقة الجوع والبرد يومين آخرين، انتهيا بحادث سير بدأت بعده رحلة جديدة بين سجون ليبيا ومستشفياتها.

شلل نصفي

“انقلبت بنا السيارة فوق أحد عروق الرمال بالصحراء الليبية، وقد فقدت وعيي وعندما أفقت وجدت نفسي في المستشفى مجرداً حتى من ملابسي، لم أدرِ ماالذي حدث مع رفاقي، أو كيف وصلت لمستشفى سبها، لم أجد حتى أوراقي الثبوتية أو جواز سفري”، يقول ذياب.

وبحسب الطبيب المعالج الذي حدثه “مراسلون” فإن ذياب يعاني من رضوض في الطحال، وشلل نصفي من أعلى الوجه إلى أسفل القدم بالجانب الأيسر.

[ibimage==12020==Small_Image==none==self==null]

محمد الخليل

المسؤولون في المستشفى قالوا لـ”مراسلون” إنهم لا يملكون العلاج لحالة محمد ذياب والجريح الآخر الذي قدم معه في ذات الحادث ويدعى محمد الخليل، وأنهم يكتفون بإعطائهم المسكنات، ويعجزون عن نقلهم إلى أحد مستشفيات طرابلس دون الحصول على إذن رسمي من إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية.

وأفاد المسؤولون في المستشفى أيضاً أن رفاق محمد ذياب غير المصابين تم احتجازهم في إدارة مكافحة الهجرة غير الشرعية بأحد مراكز الإيواء، الذي أوضح لنا مديره خالد الأزهري أن الحادث وقع على أحد الطرق بمنطقة السرير، شمال غرب مدينة الكفرة في أقصى الجنوب الشرقي لليبيا.

“هناك ألقي القبض عليهم”، بحسب الأزهري، بعد أن توفي اثنان منهم وجرح اثنان آخران.

تنظيم القاعدة

مدير المركز برر احتجاز المجموعة قائلا إن البوابة التي ختمت لهؤلاء جوازاتهم بختم الدخول غير معترف بها من قبل الدولة، وعليه فإن فالأختام لا يعتد بها.

وحول مصيرهم قال الأزهري إن السلطات لن تسلمهم لأي منظمة حقوقية، لأنهم بحسب قوله “من تنظيم القاعدة، وقد أرسلهم نظام الأسد ليقوموا بتفجيرات إرهابية داخل ليبيا”، علما أن اللاجئ السوري محجمد ذياب أكد لـ “مراسلون” أن السطات الليبية لم تحقق معه بشأن أي اتهام بضلوعه في التخطيط لأعمال إرهابية، نافيا حقيقة الأمر جملة وتفصيلا.

مدير الإدارة العامة لمكافحة الهجرة غير الشرعية بطرابلس العميد مسعود الراقوبي نفى علمه بحادثة السوريين المحتجزين في سبها، واستنكر في حديثه لـ “مراسلون” اتهامهم بأنهم من تنظيم القاعدة دون أدلة، وأبدى استعداده لتسليم المحتجزين للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين كونها الجهة المسؤولة عن هكذا حالات.

عالقون في الاشتباكات

بعد أيام من حديثنا مع الراقوبي علم “مراسلون” أن المحتجزين تم ترحيلهم من مطار سبها إلى طرابلس، أما الجرحى فصادف الموعد المقرر لترحيلهم اندلاع اشتباكات في مدينة سبها وإغلاق مطارها في الرابع عشر  من كانون الثاني / يناير 2014.

في اليوم الأول من الاشتباكات التي اندلعت بمدينة سبها كانت مباني المستشفى خالية تماماً من الزوار والموظفين والأطقم الطبية والطبية المساعدة، وظل ذياب والخليل في حال من الذعر والخوف، وسط أصوات إطلاق النار والقذائف التي أصابت المستشفى.

وفي اليوم الثاني قام سوريون يقطنون المدينة منذ زمن في محاولة جريئة بالدخول للمستشفى، وإخراج الجريحين من هناك، واستقبالهم في بيوتهم، واوصلوهم إلى مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.

مخيمات مفتوحة

محمد عقيلة، الموظف في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، قال لـ “مراسلون” إن “اللاجئين السوريين في ليبيا والمسجلين لدى المفوضية بلغ عددهم 18 ألف لاجئ، والحكومة الليبية ترفض إنشاء مخيمات لهم بحجة أن الوضع في سوريا قد يستمر لفترة طويلة وتظل المخيمات مفتوحة”.

وأشار الموظف الأممي أن المخاطر التي تعرض لها ذياب تنطبق على حوالي 200 ألف سوري وصلوا إلى ليبيا حسب تقديرات المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، دخل معظمهم البلاد دون تصاريح، ويعاملون معاملة مهاجرين غير شرعيين يتم احتجازهم وتسليمهم للجهات المختصة لتقوم بترحيلهم.

ويستغرب عقيلة هذا الموقف من الحكومة الليبية، لأن “فتح المخيمات يزيل مسؤولية رعاية اللاجئين عن عاتق الحكومة الليبية لتتولاها منظمات الإغاثة الدولية وحتى المحلية”.

موقف ليبيا هذا من اللاجئين السوريين يشجع معظمهم على فكرة ركوب البحر إلى أوروبا، وقد وثقت المفوضية عبور أكثر من 7000 سوري من ليبيا إلى أوروبا عبر البحر، وهذا الرقم قابل للزيادة وسيزيد معه بالضرورة حجم جرائم تهريب البشر التي تنتشر في المناطق الحدودية والساحلية على حد سواء، بحسب عقيلة.  

عند كتابة هذا التقرير يكون محمد ذياب في بنغازي ليتلقى علاجه، بعد أن تمكنت المفوضية من إخراجه من سبها إلى طرابلس هو ومحمد الخليل .أما بقية زملاءه، فتشير معلومات إلى اتفاق جار بين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين وبين السلطات الليبية، لمنحهم إقامات مؤقتة وتأمين سبل العيش لهم على حساب المفوضية ريثما يتم ترحيلهم أو تسوية أوضاعهم، علما أن التفاوض معهم ما زال في مراحله الأولية.

ومع تردي وضعه الصحي انهارت جلّ أحلام ذياب في إيجاد فرصة عمل في ليبيا، أو استجلاب بقية أفراد أسرته. وبدلا من مساعدتهم، صار لزاما عليهم أن يرسلوا له المال كي ينهي فترة الإقامة والعلاج.

وفي اتصال هاتفي مقتضب مع “مراسلون”، قال ذياب بصوت يائس: “كل ما أحلم به اليوم هو العودة إلى بلدي.. كل ما احلم به هو أن أموت هناك”.