تعانق من كانا بالأمس أعداء، المنجي الرحوي، النائب عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد اليساري المعارض، والحبيب اللوز النائب عن حركة النهضة الإسلامية حزب الأغلبية بالبرلمان التونسي، اللذين اشتهرا بخلافهما الكبير، بلغ حد توجيه كل واحد منهما الآخر اتهامات خطيرة على امتداد مراحل كتابة الدستور.

النائب الحبيب اللوز احتفل إلى جانب زملائه بالمصادقة على الدستور، رغم أنه قال قبل أيام معدودات بأن “هذا الدستور ولد ميتا”، بل وتعانق مع من كان “خصمه اللدود” منجي الرحوي الذي أعلن أنه أصبح اليوم مهددا بالاغتيال نتيجة ما اعتبره تصريحات تحريضية قام بها اللوز ضده.

تعانق من كانا بالأمس أعداء، المنجي الرحوي، النائب عن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد اليساري المعارض، والحبيب اللوز النائب عن حركة النهضة الإسلامية حزب الأغلبية بالبرلمان التونسي، اللذين اشتهرا بخلافهما الكبير، بلغ حد توجيه كل واحد منهما الآخر اتهامات خطيرة على امتداد مراحل كتابة الدستور.

النائب الحبيب اللوز احتفل إلى جانب زملائه بالمصادقة على الدستور، رغم أنه قال قبل أيام معدودات بأن “هذا الدستور ولد ميتا”، بل وتعانق مع من كان “خصمه اللدود” منجي الرحوي الذي أعلن أنه أصبح اليوم مهددا بالاغتيال نتيجة ما اعتبره تصريحات تحريضية قام بها اللوز ضده.

كانت صورة مفاجئة للجميع، تلك التي ظهر فيها الرحوي واللوز يتعانقان بعد المصادقة على دستور الجمهورية الثانية لتونس، في لقطة وصفها التونسيون بالتاريخية،  وتناقلتها على امتداد أيام جل وسائل الاعلام التونسية.

تعانقا بحرارة، وسط تصفيق وتهليل بقية النواب رغم كل ما نشب بينهما من خلاف في السابق بلغ في الفترة الأخيرة من كتابة الدستور التونسي ذروته، حين اتهم اللوز الرحوي بأنه “عدو الإسلام” واتهم الرحوي اللوز بأنه “شيخ الكذابين”.

وبالرغم من التنافر الأيديولوجي بينهما، استطاعا في تلقائية وعفوية أن يجعلا العناق بينهما ممكنا، في لقاء كسرا به حاجز العداوة التاريخية.

ينتمي المنجي الرحوي إلى أقصى اليسار (حزب الوطنيون الديمقراطيون الموحد)، وهو أول حزب تعرض للمد الإسلامي في تونس وخاض مع طلبة الاتجاه الإسلامي صراعا مريرا خاصة في ما عرف بأحداث منوبة 1982. أما الحبيب اللوز فهو من المؤسسين لحركة “الاتجاه الإسلامي” والتي أصبحت تعرف في ما بعد بحركة النهضة. بل أنه يصنف من أشد صقور حركة النهضة الاسلامية.

الصراع التاريخي الذي انطلق من أسوار الجامعة التونسية بين الجناحين الأكثر تشددا آنذاك، حزب الوطد في أقصى اليسار والاتجاه الاسلامي في أقصى اليمين. معارك بالسلاسل والاسلحة البيضاء كان من أبطالها عبد اللطيف المكي وزير الصحة في حكومة النهضة ورضا المكي المعروف بـ “رضا لينين” من الوطد.

يقول نائب الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد محمد جمور وهو أحد مؤسسي هذا الحزب، “دائما كنا نعتبر أن التيار الإسلامي لا يمثل مستقبل تونس، كانت علاقتنا به علاقة تنافس وصراع فكري، منذ طوال مسيرتنا لم نتحالف مع الاتجاه الإسلامي لاختلاف جوهري”. وأضاف أن “هذا الاختلاف والصراع بلغ حدّ العنف بين الطلبة خلال فترة الثمانينات في المركب الجامعي بتونس العاصمة”.

ومنذ انتخاب المنجي الرحوي والحبيب اللوز نائبين بالمجلس الوطني التأسيسي، ما فتئ كل واحد منهما يعتبر الآخر الخصم الذي يريد أن يفرض أيديولوجيته في الدستور.

فالمنجي الرحوي يصف الحبيب اللوز وأعضاء حزب حركة النهضة بـ “الظلاميين الذين يريدون فرض الشريعة في الدستور وانشاء دولة اسلامية”، بينما ينهت الحبيب اللوز خصمه الرحوي بـ “الكافر”، ويرى أن حزبه يريد انشاء دولة مدنية لا تعترف بالدين.

لكنهما بعد المصادقة على الدستور تجاوزا كل هاته الخلافات ورميا بكل ما صرحا به عرض الحائط في لحظة فارقة، قطعت مع ماضيهما، كما قطعت مع ماضي حزبيهما.

عناق الرحوي واللوز، قابله التونسيون بتفاؤل كبير، حتى أن بعض الساسة وصفوه بالمصالحة الوطنية، ناهيك وأن منجي الرحوي اتهم عند اغتيال رفيقه ورئيس حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد، حركة النهضة بضلوعها في عملية الاغتيال.

ويذكر أن المعركة بين التيارين هدأت خلال فترة التسعينات عندما شن نظام بن علي حملات قمعية ضد الاسلاميين واليساريين، يقول محمد جمور “في عهد بن علي لم نشرّع لقمعهم ولم نساعد أبدا على قمع الإسلاميين، كنا نطالب بالعفو العام ونحتج على المعاملات غير المقبولة من مداهمات واهانات وهتك للحرمات الجسدية”.

وحّدهم الاستبداد في التسعينات لكن عادوا الى الصراع الذي وصل أوجه مع اغتيال زعيم حزب الوطد شكري بلعيد، فقد أكد محمد جمور أن حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد لم يصالح على دم شهدائه ويعتبر أن حركة النهضة مسؤولة سياسيا وأخلاقيا في اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.  

لكن يوم الأحد 26 جانفي/ 2014 مثّل في نظر العديدين بداية مرحلة تاريخية جديدة، ليس فقط لأن التونسيين أصبح لديهم دستور الجمهورية الثانية الذي طال انتظاره أكثر من سنتين، وإنما لأن لحظة تتويج أشغال المجلس الوطني التأسيسي التونسي أسست لبداية علاقة جديدة بين الفرقاء السياسيين، فكل النواب تعانقوا وتصافحوا وتبادلوا التهاني بهذا التتويج، رغم أنهم طيلة سنتين ما فتئوا يتخاصمون ويتشاجرون ويتبادلون التهم، لتبقى الصورة الاستثنائية التي علقت بالأذهان “تعانق الرحوي واللوز”.

يقول رئيس مجلس الشورى التابع لحركة النهضة عبد الحميد الجلاصي إن “للتونسيين عبقريّتهم الخاصة، يصلون إلى حافة الهاوية، لكنهم عندما يدركون الخطر يتجاوزون بسرعة خلافاتهم لإنقاذ الوطن”.

لكن محمد جمور اعتبر أن المصافحة بين الرحوي واللوز تمت لأن اليساريين “يتمتعون بأخلاق عالية”، كما أكد أنهم ليسوا ضد أشخاص وإنما هم يصارعون أفكار.  

ويرى الجلاصي من جانبه، أن هذه المصافحة أخذت رمزية مهمة جدا تدل على أن تونس قادرة على استيعاب جميع الحساسيات السياسية، وأنها قادرة في المستقبل أن تكون دولة ديمقراطية فعلا.

الصورة التي ظهر فيها المنجي الرحوي والحبيب اللوز يتعانقان ويتصافحان، أصبحت صورة رمزية في أذهان التونسيين، أخذت بعدها الرمزي من تلقائية النائبين، لأن احساسهما بانتمائهما إلى وطن واحد وهو تونس، تجاوز الحسابات السياسية الضيقة والاختلافات الإيديولوجية.

فقد أكدت الصورة أن لا شيء يعلو فوق الوطن وأن تونس تسع الجميع مهما اختلفت وجهات نظرهم أو اعتقاداتهم، وأن منطق الإقصاء، هو منطق مغلوط قطع مع عهد لفظه كل التونسيين بكلمة واحدة “ديقاج”.