التقيناه لنطرح عليه سؤالا محوريا في وقت يحيي فيه المصريون ذكرى ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك سلميا في 18 يوما فقط، وشهد لها العالم بالتحضر، ومع هذا التحول السياسي والاجتماعي الكبير، يرى البعض أن المصريين لم يتغيروا، ولن يتغيروا، وسيظلون يصنعون الفراعنة، ولا يصلح لحكمهم إلا طاغية.

التقيناه لنطرح عليه سؤالا محوريا في وقت يحيي فيه المصريون ذكرى ثورة 25 يناير التي أسقطت نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك سلميا في 18 يوما فقط، وشهد لها العالم بالتحضر، ومع هذا التحول السياسي والاجتماعي الكبير، يرى البعض أن المصريين لم يتغيروا، ولن يتغيروا، وسيظلون يصنعون الفراعنة، ولا يصلح لحكمهم إلا طاغية.

كيف تغير المصريون خلال 30 عاما من حكم مبارك و3 سنوات من الثورة؟ كان هذا السؤال هو محور حديثنا مع الدكتور سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، ومدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، وأحد أبرز المعتقلين السياسيين في عهد مبارك.

إلى نص الحوار:

هل شهد المجتمع المصري تغيرات في عهد مبارك وفي سنوات الثورة؟

في عصر مبارك، تيبست شرايين المجتمع نتيجة شيخوخة القيادة، حيث بلغ متوسط عمر من حكموا مصر  -بمن فيهم مبارك-  في عام 2010 حوالي 70 عاما، ومن ثاروا عليهم في 25 كانون الثاني/يناير 2011 كانوا في أوائل العشرينات من العمر، متوسط الفارق بين الشاب الثائر والحاكم 50 سنة على الأقل.

هذه المدة الزمنية في العلوم الاجتماعية تمثل جيلين، وهذا يعني أن لدينا فجوة مقدارها جيلين بين الحكام والشباب. هذه الثورة لم تكن في مصر وحدها، بل كانت في تونس، وليبيا، والبحرين، واليمن، وسوريا، والمغرب، والجزائر، والأردن، ولكن الملاحظ أن أنظمة الحكم الملكية كانت أسبق في التجاوب مع الشباب الساخط مقارنة بالأنظمة الجمهورية.

ما الذي انطوت عليه هذه الثورة إلي جانب إسقاطها أربع أنظمة في مصر، وتونس، وليبيا، واليمن، وخلخت النظام البحريني، والأردني، والسوري، وما زالت المعركة في سوريا دائرة:

أولا: كسرت جدار الخوف.. ففي بلد مثل مصر كانت السلطة المركزية (سلطة الفرعون، أو الإمبراطور، أو أمير المؤمنين، أو رئيس الجمهورية) سلطة يهابها الشعب على مدار 6000 آلاف عام، وما حدث في ثورات الربيع العربي أن جدار الخوف هذا كسر.

ثانيا: أهتم المجتمع كله بالسياسة (تسيس)، أي أصبح مشغولا بالسياسة، بعد أن كانت حكرا على 10% من النخبة، وجميع الناس تتكلم الآن في السياسة.

ثالثا: أصبح المصريون مستعدين للمشاركة في الحياة السياسية، هناك استعداد للتعبئة العامة.

هل هذه التغيرات الثلاثة ايجابية؟

طبعا.. هذا شيء ايجابي، ستجد أن والدتك تسألك: “البلد رايحة على فين يا ابني؟”، أصبح الإنسان العادي مهتما، ليس فقط بالعائلة، أو القبيلة، أو القرية، أو الحي، بل بالدولة كلها، وهذا مهم جدا، نحن نقول إن هذا في علم الاجتماع (كعملية) يستغرق ما بين 100 إلي 200 سنة، كي يصبح المجتمع القومي جزءا من الوعي اليومي للمواطن.

حينها يتحول الإطار المرجعي من العائلة، أو العشيرة، إلي الوطن ككل، وهذه العميلة تمت عندنا في مصر خلال ثلاث سنوات فقط، بدأ المواطن في التفكير في الدولة، استعد المصريون للمشاركة في الشأن العام خلال سنوات قليلة، فيما يسمى بالمليونيات، وأحيانا تجد مليونية في ميدان التحرير، وأخرى مضادة في مصطفى محمود، أو مظاهرة في ميدان رابعة العدوية، وأخرى عند قصر الاتحادية.

نحن نسمي هذا بالتعبئة الاجتماعية، يكون الشخص عندها مهيئا للمشاركة، بعد أن كان سلبيا، يردد: “امشي جنب الحيط، والسياسة لها ناسها، والعين لا تعلو عن الحاجب، احنا مالنا احنا ناس غلابة”، كل هذا تقلص أو اختفى تماما.

الناس التي لم تثر خلال 30 عاما من حكم مبارك، ثارت مرتين في ثلاث سنوات، والذين لم يسقطوا حاكما واحدا على مدار 6000 سنة اسقطوا حاكمين في ثلاثة أعوام، هذا يوضح لنا مدى التغير الهائل الذي حدث في نفسية الناس، وفي قدراتهم، وفي درجات الاستجابة للاحتجاجات الشعبية.

لكن قبل الثورة وفي عصر مبارك، كان هنا انتقادات حادة للشخصية المصرية، فقد أصبح شائعا بين الناس أن المصريين تغيروا، وأن نسبة الولاء للوطن انخفضت، وهناك صراع مستمر فيما بينهم، وشاع الفساد، والرغبة في الثراء السريع، وانحطت القيم والأخلاق والالتزام بالقانون.. هل تتفق مع هذا الرأي؟ وهل أحدثت الثورة تغيرات على المستوى الاجتماعي إلى جانب السياسي؟

هناك كتاب معروف اسمه “ماذا حدث للمصريين؟” ألفه الدكتور جلال أمين، أرى أن به حنينا لماضيه، وهذا يتجلى حين تقرأ الكتاب بعين المدقق، تجد الانتقائية في الذكريات، ويتلقط الأشياء الجيدة فقط، ولا يذكر أي شيء سلبي عن الماضي، ومن ثم يرى الحاضر أسوأ من الماضي.

أنا أقول إن ما حدث للمصريين خلال الثلاث سنوات الماضية تغيرات ايجابية، وهذا ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن على المستوى الاجتماعي أيضا، في مصر الثورة حدثت وبشكل في قدر كبير من التحضر، عدد من قتلوا في 3 سنوات من الثورة لم يتجاوز 10 آلاف شخص، يسقط القتلى في الثورات بعشرات ومئات الآلاف.

هذا يدل على أن الشعب المصري متحضر، ويحب الاستقرار، ولا يميل إلى العنف، وهذه هي طبيعة المجتمع الزراعي، أو ما نسميه المجتمع النهري، ينزع للاستقرار، تبذر، وترعى البذور، والأرض، وتنتظر عدة شهور، إلى أن تثمر الأرض، وتحصد المحصول، وتختزن منه لأوقات الجفاف.

ترى التغيرات التي حدثت ايجابية، لكن الكثير من الناس متخوفون ويشعرون بالقلق نتيجة المظاهرات وعدم الاستقرار. ما تفسيرك؟

من الذي يخاف؟ الذي يخاف هو من فقد السلطة، والسلطة ليست في يد حكام الدولة فقط، قد تكون في العائلة، أو في الحي، أو في الجامعة، أو في مكان العمل، هناك تراتبية في كل شيء، حين يشعر رب الأسرة، أو المدير أن الشباب أصبح متمردا، ويسأل أسئلة كثيرة، ويعترض، فيشعر أن “الدنيا سابت” وأن البلد أصبحت خرابا. نحن نمضي من انجاز إلي انجاز، الطريق أصبح واضح المعالم، نمر بمطبات؟ نعم، ولكن نهاية الطريق وجانبيه واضح.

هناك فوضى ملحوظة، وعدم احترام للقانون. هل يمكن التدخل في تغيير السلوك الشائع في المجتمع؟

نعم يمكن.. الحزم في تطبيق القانون، وتطبيقه على الكبير قبل الصغير، وعلى الأمير قبل الغفير، يعطي شعورا بالجدية، ويغير في سلوك المواطنين. أعطي لك مثلا، في الفترة التي أعلن فيها حظر التجول، استجاب المصريون حين شعورا بأن هناك جدية في الأمر.

نعم يمكن تغيير المجتمع وإحداث طفرات وتغير السلوك، وأنا أتوقع أنه لو انتخب الفريق أول عبدالفتاح السيسي (وزير الدفاع) رئيسا للجمهورية، وهو الأقرب للفوز بسبب حب الناس له، يمكن أن يحدث تغيرات أو يقود موجات تغيير جادة، وكبيرة، وعميقة، في المجتمع المصري.

لكن المعروف أن الحكم العسكري هو حكم ديكتاتوري، وقد قرأنا كثيرا عن هذا، ولك كتابات تنتقد فيها الديكتاتورية وتحملها مسئولية الضعف والفشل.. فكيف ترى أن حكم قائد الجيش يمكن أن يحدث تغيرا ايجابيا في الدولة؟

هذه وجهة نظر، ولكن هناك وجهات نظر أخرى، نحن لا ننظر إلى ما الذي يرتديه، ولا أين تعلم، أنظر لانجازاته، وشخصيته، وبرنامجه. في تاريخ العالم، دوايت ايزنهور حكم اكبر ديمقراطية في العالم، وتشارلز ديجول، انتخب مرتين لحكم فرنسا، وأناس كثيرون لا يعرفون أن جيمي كارتر أيضا كان عسكريا، سجل العسكريين حتى في الدول الديمقراطية لا بأس به، لا أقول أنه سجل عبقري، ولكن لا بأس به.

لكن لماذا لا يدخل من البوابة الديمقراطية، ويستقيل من منصبه أولا، ويؤسس حزبا، ويخوض انتخابات بدلا من أن يأتي محميا بقوة السلاح؟

هذا أفضل طبعا، وإذا كان يرغب في الترشح عليه أن يستقيل من الآن، فهناك مهلة ربما تصل إلى 6 أشهر قبل الانتخابات الرئاسية، عليه أن يستقيل قبلها ويستعد لخوض الانتخابات.