في صيف العام 2012 طبع الجزب الوطني عدداً كبيراً من الملصقات أثناء حملة انتخاب أعضاء المؤتمر الوطني العام، علقها في ساحات طرابلس العامة، وكان لها صلة بقضايا اجتماعية منها دور المرأة في المجتمع.

تصوّر إحدى تلك الملصقات رجلاً ملتحياً بأنف كبير، يعتمر عمامة، يستنكر خروج المرأة من البيت، في حين تقول شخصيات أخرى في الملصقات كلاماً يعارض قول ذلك المتشدد، مؤكدة أن المرأة جزء من المجتمع، وأن المجتمع السليم تديره المرأة والرجل معا دون تفرقة.

غير أن تلك الرسالة يبدو أنها استفزت البعض، فبالرغم من أن الملصقات كانت معلقة في كل مكان، قامت مجموعة من المسلحين تابعة للجنة الأمنية العليا -وهي هيئة شبه رسمية عملت تحت إشراف وزارة الداخلية- باقتحام مقر الحزب الوطني الليبي في 30 تشرين ثاني/ نوفمبر من العام نفسه، وانتزعت عدد من الملصقات وجدتها داخل المقر، وشرع أفرادها بالصراخ فرحين: “نحن نملك الدليل الآن”، وخرجوا بعد أن كسروا الباب مخلفين وراءهم فوضى عارمة.

بعدها بأشهر، وتحديدا في 6 آذار/ مارس 2013، وعلى خلفية نشر هذه الملصقات، وجه مكتب النائب العام إلى كل من القيادي في الحزب الوطني الليبي علي التكبالي، والأمين العام للحزب  فتحي صقر، عدة تهم يعاقب عليها القانون الليبي، أبرزها “التجديف” و”الإساءة للإسلام ونبيه” و”إثارة التفرقة”.

تصريحات تلفزيونية

يربط أحد المتهمين، وهو الدكتور علي التكبالي، منسق الدائرة السياسية والمسؤول عن الحملات الانتخابية في الحزب الوطني الليبي، حادثة الهجوم على مقر حزبه بتصريحات أدلى بها إلى قناة “توباكتس” الفضائية في شهر تشرين ثان/نوفمبر 2012، عندما نعت المسلحين “بالمليشيات” وقال أنهم “يرسلون الشباب إلى سوريا دون إذن ويدفعون لهم المال”.

وبحسب التكبالي بقيت الرسوم معلقة على الجدران لمدة ستة شهور ولم يتكلم عنها أحد، وفي اليوم التالي لتصريحاته التلفزيونية “هجمت مجموعة من المسلحين الملتحين على مقر الحزب وكسروا الباب وأخذوا الصور، وكأن الصور لم تكن معلقة في كل مكان”. هذا عدا أن المقتحمين لم يحملوا أية صفة قانونية بحسب قوله، ولم تتخذ أية إجراءات في حقهم.

لائحة التهم

أولى التهم التي وردت في لائحة الاتهامات بحق الرجلين كانت “بث روح الفتنة والسعي إلى الفرقة والحرب الأهلية” وهي جريمة بنص المادة 203 وعقوبتها الإعدام، ومن ثم تهمة “الترويج وحيازة رسومات ساخرة بقصد الإساءة للرسول الكريم (تجديف)”، وهي جريمة بنص المادة 207 وعقوبتها الإعدام، فضلا عن تهمة “إهانة دين الدولة (تجديف) بنشر رسوم ساخرة في أماكن عامة” بموجب المادة 291، وعقوبتها الحبس لفترة لا تتجاوز السنتين.

كما شملت اللائحة أيضاً تهمة “التحريض علانية على طائفة من الناس، والإزدراء بشكلهم مما يخل بالأمن العام وإثارة الفتنة بين الطوائف”، وهي جريمة بنص المادة 318، وعقوبتها الحبس سنة مع غرامة مالية من 20 إلى 100 دينار ليبي، وقد استعانت النيابة بالمادة 76 التي تنص على أنه “إذا كوّن الفعل الواحد جرائم متعددة، وجب اعتبار الجريمة التي عقوبتها أشد والحكم بعقوبتها دون غيرها”.

ويقول التكبالي إن “الشخص الذي تقدم بالدعوى اسمه مفتاح قرير، من كتيبة الإسناد الثانية عشر التابعة للجنة الأمنية العليا، ولم يتم جلبه أمام النيابة أو المحكمة طيلة جلسات المحاكمة”.

شخصية مسيئة

الشخصية المتشددة التي استخدمها التكبالي في ملصقاته شكلت مادة أساسية للاتهامات، حيث تزعم النيابة العامة أن هذه الشخصية منقولة من رسم كاريكاتوري مثير للجدل ظهر في المجلة الفرنسية الساخرة “شارلي إبدو”، في 2011 و2012.

ولكن التكبالي يؤكد بأن هذا الادعاء مسقط من أساسه لأن صورة المجلة التي استشهد بها عضو النيابة هي صورة صدرت في أيلول/ سبتمبر 2012، والصورة المشار إليها في قرار الإتهام هي صورة استخدمت لدعاية الحزب الوطني الليبي في حزيران/ يونيو 2012.

وتدعم منظمة العفو الدولية موقف التكبالي حيث تورد في تقريرها بأن الشخصية نفسها قد ظهرت بعد ثلاثة أشهر على أنها النبي محمد عليه الصلاة والسلام في رسم ساخر معاد للإسلام ومثير للجدل، نشرته المجلة الساخرة الفرنسية “شارلي ايبدو” في أيلول/ سبتمبر 2012.

مصدر الصورة

الصورة التي تسببت بالمشكلة يقول التكبالي إنه أخذها من شبكة المعلومات الدولية “لإظهار موقف الحزب من المرأة ولم يكن شيئا آخر، وليس لها علاقة بالمجلة، ولو أردنا الدعاية والترويج لرسوم مسيئة، لنشرناها على مواقع التواصل الاجتماعي السريعة الانتشار، واتهامنا بالإساءة للرسول ينفي كوننا مسلمين، وهذا ادعاء خطير قد يدفع بعض المتحمسين لقتلنا أواغتيالنا”.

في حزيران/يونيو 2013 طالبت هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية القضاء الليبي بإسقاط جميع الاتهامات الجنائية الموجهة ضد الرجلين وأنه في حالة إدانتهما بهذه التهم، فإن التكبالي وصقر سيُعتبران سجينيْ رأي محتجزيْن بسبب ممارستهما السلمية لحقهما في حرية التعبير، ليس إلا.

وتقول هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية إن المواد التي ذكرتها النيابة العامة والتي يحاكم بها الرجلان تخرق الإعلان الدستوري الليبي والقانون الدولي لحقوق الإنسان ولابد من إلغائها أو تعديلها مؤكدة أن جميع التهم تخالف تدابير الحماية الدولية لحرية التعبير.

تجاهل إعلامي

هذه القضية الجدلية رغم حساسيتها لم تلقَ أي اهتمام من قبل وسائل الإعلام الليبية، بل ويعاتب التكبالي منظمات المجتمع المدني المعنية بالحقوق والحريات على تجاهلها للقضية، ويؤكد أنه “لم تتحدث أي منظمة مدنية ولا نسائية ليبية ولا وسيلة إعلامية واحدة باستثناء قناة ليبيا الدولية عن القضية”.

ويضيف “إن مواقفي وثقافتي وانتمائي لا يمكن أن تفرزها صورة في دعاية، ولكنها تظهر في  كتاباتي وتصرفاتي التي دعوت السيد عضو النيابة المحترم للبحث عنها في محرك “جوجل” تحت اسمي، ولكنه لم يكلف نفسه عناء البحث عن الحقيقة، رغم أنه لم يحجم عن رمينا بأشنع التهم، والمطالبة بتطبيق حكم الإعدام علينا”.

ويختم التكبالي “أعجب أن يقدم مسلم على رمي مسلم بفرية كهذه، وليس لي ألا أن أقول: “حسبي الله ونعم الوكيل.”