قدم من وسط شعبي متواضع بأقصى الجنوب التونسي، أسمر اللون، ممتلئ الجسم قوي البنية، دائما حليق الرأس يعطي انطباعا بأنه مصارع أو مقامر، لفت إليه الانتباه بلباسه البدوي، وهو لباس يعرف بـ”الطوارق” يميز الجنوب التونسي وتحديدا محافظة قبلي مسقط رأس القصاص.

قبل ترشحه عن قائمة العريضة الشعبية في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 ليصبح نائبا في المجلس التأسيسي كان سائقا لميكروباص. لم يكن كغيره من النواب الذين أتيحت لهم فرصة مزاولة تعليمهم والحصول على شهادة جامعية، فقد كان ذا مستوى تعليمي محدود إذ تخلى عن الدراسة في السنة الثالثة من التعليم الثانوي.

قدم من وسط شعبي متواضع بأقصى الجنوب التونسي، أسمر اللون، ممتلئ الجسم قوي البنية، دائما حليق الرأس يعطي انطباعا بأنه مصارع أو مقامر، لفت إليه الانتباه بلباسه البدوي، وهو لباس يعرف بـ”الطوارق” يميز الجنوب التونسي وتحديدا محافظة قبلي مسقط رأس القصاص.

قبل ترشحه عن قائمة العريضة الشعبية في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011 ليصبح نائبا في المجلس التأسيسي كان سائقا لميكروباص. لم يكن كغيره من النواب الذين أتيحت لهم فرصة مزاولة تعليمهم والحصول على شهادة جامعية، فقد كان ذا مستوى تعليمي محدود إذ تخلى عن الدراسة في السنة الثالثة من التعليم الثانوي.

نجاحه في المجلس التأسيسي، كما نجاح حزبه العريضة الشعبية، كان مفاجأة من العيار الثقيل، فقد فاز حزب العريضة بالمركز الثاني في المجلس التأسيسي بعد حزب حركة النهضة الاسلامي، وسط ذهول وحيرة المتتبعين للشأن السياسي، فكل التوقعات والتحليلات السياسية لم تأت على ذكر هذا الحزب ولم يخطر ببال أحد أن يلقى مثل هذا النجاح.

لم يكن للقصاص ماضي سياسي يذكر، فلم يكن مناضلا ولا مواليا ولم يعرف له مواقف، لكن نجاح حزبه المفاجئ جعل كل الأنظار وعدسات الكاميرا تسلط عليه وعلى النواب الذين ترشحوا عن نفس الحزب.

في لقائه بمراسلون كان تلقائيا وكأنه لا يجيد تغليف المصطلحات، يقول الكلمة بكل عفوية ولا يكترث للعواقب. كان قريبا من الإعلاميين الذين كانوا يواكبون أشغال المجلس، يجالسهم ويبوح لهم بما يخالج فؤاده.

دخل المجلس التأسيسي بعزيمة مرتفعة، رغم أن حزبه في البداية لقي الكثير من النقد اللاذع بلغ حد السخرية. يقول “وضعت قدمي في المجلس التأسيسي وكلي تفاؤل، كنت أحلم بأن أكون صدى للناخبين الذين أعطوني أصواتهم في الانتخابات وأدافع عن الطبقة المهمشة والفقيرة التي أنتمي إليها”.    

أراد القصاص أن ينحت لنفسه صورة النائب المدافع الشرس عن الفقراء والجهات المحرومة، يقول “صدقت نفسي بأنني فعلا كنت أستطيع أن أغير ما يمكن تغييره وأن يؤثر صوتي على الرأي العام فيتغيّر هذا الواقع”.

لم تمر تصريحات ابراهيم القصاص يوما مرور الكرام، بل كثيرا ما وقف عندها المتابعون للمشهد السياسي التونسي عامة، ولأشغال المجلس التأسيسي خاصة. أحيانا يأخذون هذه التصريحات على محمل الجد وغالبا ما يأخذونها على محمل الهزل.

يرى زميله النائب عن نداء تونس أن صراخ ابراهيم القصاص خلال الجلسات العامة كان يندرج في اطار الدعاية لحزبه العريضة الشعبية الذي قدم نفسه على اساس كونه حزب الفقراء والفئات المهمشة، كما اعتبر أن “الهرج والفوضى التي كان يقوم بها إنما يعود لكونه لا يملك الإجابة المقنعة وغير قادر على الحوار”.

غريب الاطوار، كما حزبه أيضا، متقلب المواقف، استقال من حزب قريب من الاسلاميين (العريضة) والتحق بحزب ليبيرالي قريب من العلمانيين (نداء تونس)، يقول عنه النائب محمد علي النصري، ويضيف “أراه غير متزن ومضطرب وهذا نتيجة الفترات التي عاشها في العريضة الشعبية وفي نداء تونس وخارج هذين الحزبين أيضا”.

وكمثال على ذلك “كان يدافع على اعتماد الشريعة في التشريع عندما كان في العريضة الشعبية، لكنه أصبح يدافع على الدولة المدنية عندما التحق بنداء تونس”، يؤكد النصري، مشيرا إلى أن القصاص “اتهم النهضة في الماضي بأنها تهدد الديمقراطية وتسعى لإقامة دولة دينية لما كان في النداء، لكنه يقف على يمين النهضة الآن ويتهمها بأنها فرطت في الاسلام عندما لم تعتمد الشريعة كأساس للتشريع في الدستور”.

يحدث القصاص كثيرا من الهرج ويرفع تهديدات بتعطيل عمل المجلس إذا لم يتراجع عن اعتماد حرية الضمير وتجريم التكفير في الدستور.

يحدث نفس الهرج ويرفع نفس التهديدات ويقول بأنه سيمنع جلسات المصادقة على الدستور إذا لم يتحصل على منحة السكن (التي ألغيت لجميع النواب إثر ضغوط من الشارع بضرورة أن يتوخى المجلس سياسة التقشف).

يقول زميله محمد علي النصري “عندما التحق بنداء تونس فرض عليه هذا الحزب الالتزام، لذا لم نره في تلك الفترة كثير الكلام، بل انه غير شكله الخارجي ولم يعد يلبس اللباس البدوي بل أصبح يضع ربطة العنق” وأضاف “لكنه عندما غادر الحزب صار في حالة ضياع ولا يعلم ماذا يفعل”.

ولعلّ من أهم التصريحات التي رسخت في الأذهان، مداخلة القصاص في سياق مناقشة قانون الأمنيين، عندما طالب بفصل رجال الأمن عن النساء أثناء المهمات الليلية وخاصة في الأماكن البعيدة، معتبرا أن ترك أمنيين وأمنيات في أماكن معزولة بمفردهم يمكن أن يتسبب في “ممارسات أخرى”. وقد أثارت هذه المداخلة جدلا حادا بين النواب وطالبت نقابات قوات الأمن الداخلي القصاص بالاعتذار الرسمي، نظرا لأنهم رأوا في تصريحه اهانة للأمنيات.

ومع انتهاء كتابة الدستور أعرب القصاص عن حالة الاحباط والألم التي أصبح يشعر بها، يقول “لقد قاطعت الإعلاميين ولن أدلي من هنا فصاعدا بأي تصريح، سينتهي المجلس التأسيسي وستنتهي معه حياتي السياسية، سأعود إلى حياتي الطبيعية أرعى الأغنام لأنها أشرف ألف مرة من هؤلاء الساسة الذين ضحكوا على ذقون الشعب البسيط”.

واضاف “لو أكتب كتابا عن هؤلاء الساسة فلسوف يثور عليهم الشعب ..أصبحت أعرفهم واحدا واحدا من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار.. هم رجال وليسوا برجال”.

أما في جلسة التصويت على الدستور التي تلت حوارنا معه، فكان القصاص من بين اثنى عشر نائبا صوتوا ضد الدستور الذي تمت المصادقة عليه ليلة الاحد 26 كانون الثاني/جانفي بأغلبية 200 نائباً.