لم تكن حادثة اختطاف خمسة دبلوماسيين مصريين على الأراضي الليبية يومي الجمعة والسبت 25 كانون ثان/ يناير 2013 الأولى من نوعها وربما لن تكون الأخيرة، فاستهداف الرعايا الأجانب تجاوز حدود التهديد والخطف إلى القتل أحياناً، لأسباب مختلفة وحتى مجهولة.

خطف ومقايضة

لم تكن حادثة اختطاف خمسة دبلوماسيين مصريين على الأراضي الليبية يومي الجمعة والسبت 25 كانون ثان/ يناير 2013 الأولى من نوعها وربما لن تكون الأخيرة، فاستهداف الرعايا الأجانب تجاوز حدود التهديد والخطف إلى القتل أحياناً، لأسباب مختلفة وحتى مجهولة.

خطف ومقايضة

خطف المصريين تم من قبل ميليشيا مسلحة رفضت الكشف عن هويتها، جاء رداً على اعتقال شعبان هدية المعروف باسم “أبو عبيدة الزاوي” في الاسكندرية، وهو رئيس غرفة عمليات ثوار ليبيا التي تم ضمها مؤخراً لرئاسة الأركان، وقد صرح الخاطفون الذين كان ظهورهم الأول على قناة العربية مساء السبت بأنهم “من ثوار ليبيا”، وأنهم “رفاق الشيخ وأبناء مدينته”.

وأعلن الخاطفون أن عملية الخطف تمت بهدف الضغط على الحكومة المصرية لإطلاق هدية، وهددوا بأنهم لن يخلوا سبيل أفراد البعثة الدبلوماسية المصرية ما لم يتم إطلاق الشيخ، الذي كان في الاسكندرية مع أسرته بهدف العلاج حين داهمته الشرطة المصرية وألقت القبض عليه بتهمة التخطيط لعمليات إرهابية، والانتماء لتنظيم القاعدة، وفق ما تناقلته وسائل إعلامية.

وهو ما دفع الخارجية المصرية لإجلاء جميع العاملين المصريين “الرسميين” بالسفارة المصرية في ليبيا بمن فيهم السفير، خوفاً على حياتهم من أي تهديد محتمل.

حادث مروع

قبل هذا الحادث بزمن غير بعيد انتشرت قضية البريطاني الذي قتل في ليبيا، مع صديقته النيوزيلندية عبر صفحات الفيس بوك الليبية، مقترنة بصورة تبين آثار الدم والمكان الذي قتلا فيه، بالتزامن مع إصدار الخارجية البريطانية بياناً تقول فيه إنها تتابع القضية مع السلطات الليبية للتأكد من الأمر وللحصول على المزيد من المعلومات.

وقد أوضحت الصور أن المغدورين كانا يجلسان على الشاطئ بلباس عادي، وأن الرصاص قد أطلق على رأسيهما من مسافة قريبة.

بعد ذلك أصدرت السفارة البريطانية بياناً صحفياً تؤكد فيه مقتل المواطن البريطاني وأن “القائم بأعمال السفارة البريطانية أثار قضية إطلاق النار مع السلطات الليبية، ودعا الحكومة الليبية إلى إجراء تحقيق شامل في هذا الحادث المأساوي، ومواصلة بذل كل ما في وسعها لمحاكمة مرتكبي هذه الجريمة المروعة”.

وذكرت وسائل إعلام بريطانية نقلاً عن الخارجية البريطانية، أن الضحية كان يعمل في قطاع الطاقة في ليبيا منذ ستة سنوات، ويدعى “مارك دي سالس” وقد كانت صديقته النيوزيلاندية في زيارة إليه، وأنه قد عُثر على جثتيهما وعليهما آثار أعيرة نارية أمام منشأة نفطية “مليتة” بالقرب من بلدة زوارة، التي تبعد زهاء 100 كلم عن العاصمة الليبية طرابلس.

حوادث متكررة

قبل هذا الحادث بحوالي شهر تم قتل مدرس أميركي بالرصاص في مدينة بنغازي شرق ليبيا، كما قتل في مدينة اجدابيا (160 كلم غرب بنغازي) أستاذ جامعي هندي، سبقه خطف أكاديمي عراقي في مدينة درنة (حوالي 350 كلم شرق بنغازي) .

وغيرها الكثير من الحوادث التي استهدفت رعايا إيطاليين وكوريين وروس وإيرانيين، وأكثر من مرة تونسيين لمقايضتهم بليبيين يتم اعتقالهم على الأراضي التونسية.

ولم تقم الحكومة الليبية لحد الآن بالإعلان عن نتائج التحقيق في أي من تلك الجرائم، واكتفت بالإدانة وتقديم الاعتذار أحياناً عن طريق السفراء الليبيين في الخارج للدول التي ينتمي إليها الضحايا، والتأكيد على لسان وزير العدل صلاح المرغني أن هذه الأعمال هي جرائم يعاقب عليها القانون.

تحذير من السفر إلى ليبيا

هذا الخلل الأمني دفع الخارجية البريطانية لتحذير كل رعاياها في مشورة السفر التي تنشرها عبر موقعها الإلكتروني وتقوم بتحديثها كل ثلاثة أشهر، وفي التحديث المنشور بتاريخ 3 يناير 2014 شددت على تحذير رعاياها من السفر إلى ليبيا إلا في الحالات الضرورية.

وقد شدد التحذير على نصح الرعايا البريطانيين بعدم السفر مطلقاً إلى ليبيا ككل، باستثناء الشريط الساحلي من مصراتة إلى راس جدير ومدن جبل نفوسة، والمناطق الساحلية من رأس لانوف إلى الحدود المصرية إلا في الحالات الضرورية، فيما شملت المناطق الممنوعة بنغازي ودرنة.

وترجح الخارجية في تحذيرها “ازدياد الهجمات وأعمال العنف والاختطاف ضد غربيين في ليبيا في أعقاب التدخل الفرنسي في مالي”، منبهة رعاياها أن يكونوا على يقظة دائماً.

ويؤكد مسؤول الإعلام في السفارة البريطانية بطرابلس يوسف الصويعي أن التحذير “ليس ملزماً للبريطانيين، فلم تصدر الحكومة البريطانية قانوناً يعاقب من يسافر إلى ليبيا، السفارة تقدم النصح والمشورة للرعايا البريطانيين وتوفر لهم الدعم القنصلي، وهم أحرار في اختيار عملهم وسفرهم”.

أحداث السفارة الأمريكية

بدأت الحكومات الأوروبية والأمريكية إطلاق تحذيراتها بعدم السفر إلى ليبيا بعد الهجوم الذي تعرضت له القنصلية الأمريكية في بنغازي أيلول/ سبتمبر 2012، وأسفر عن مقتل أربعة أمريكيين من بينهم السفير الأمريكي في ليبيا كريستوفر ستيفنز، وجرح العديد من الأمريكيين ومغادرة معظم البعثات الدبلوماسية الغربية لمدينة بنغازي.

وفي كانون ثان/يناير 2013 جددت وزارة الخارجية البريطانية تحذير مواطينها من السفر إلى ليبيا، ونصحت جميع الرعايا البريطانيين “بمغادرة مدينة بنغازي شرقي ليبيا فوراً، بسبب وجود تهديد محدد ضد مواطني الدول الغربية”.

وحذت هولندا وألمانيا وفرنسا حذوها بتجنب السفر بما في ذلك الترانزيت، مستندة في ذلك إلى وضع أمني تشوبه حالة من عدم اليقين ومخاطر من اندلاع أعمال عنف.

أما وزارة الخارجية الأمريكية فقد ذهبت أبعد من ذلك بعد تسميتها لجماعة أنصار الشريعة في بنغازي ودرنة منظمات إرهابية، لاتهامها الجماعة بالمشاركة في الهجوم على القنصلية الأمريكية ببنغازي، حيث حذرت رعاياها من السفر إلى جميع مناطق ليبيا ما عدا السفر الضروري إلى طرابلس.

وتجدد السفارة الأمريكية في طرابلس تحذير السفر إلى ليبيا دورياً، كما تذكر المواطنين الأمريكيين في ليبيا بضرورة توخي الحذر و زيادة الوعي الأمني الشخصي، للحفاظ على مستوى عال من اليقظة واتخاذ الخطوات الملائمة لتعزيز أمنهم الشخصي .

أسباب غامضة

صحيفة الإندبندنت البريطانية رجحت أن يكون مقتل البريطاني وصديقته “عملاً إجرامياً بقدر ما يمكن أن يكون سياسياً”، حيث لم يتمكن المحققون من تحديد سبب مقتل هذين الشخصين، إذ أنه لم يتم العثور على أدلة حول ما إذا كانا يحملان معهما أشياء ثمينة استدعت السرقة أم لا، وبالتالي فإن “الهدف من قتلهما لا يزال غامضاً” بحسب الصحيفة.

وفي المقابل اعتبرت صحيفة “غارديان” أن حادثة قتل الأجنبيين تؤشر “إلى الوضع الأمني الهش في ليبيا”، مشيرة إلى أن قتل عامل الكهرباء البريطاني هو الحادثة الأولى التي يقتل فيها بريطاني في ليبيا منذ الإطاحة بالقذافي، وبالتالي فإنها ترجح أن يكون العمل “إرهابياً”.

فيما يرى الكاتب والإعلامي عزالدين عبدالكريم أن “الدافع لقتل الأجانب في ليبيا يغلب عليه عنصر من ثلاثة وفق كل حادثة، فإما أن تكون الدوافع جنائية بحتة، أو سياسية تحرض عليها المخابرات الأجنبية لبث الفوضى في البلاد، إو إرهابية تنفذها الجماعات الجهادية انتقاماً من الغرب”.

تقول هيومن رايتس ووتش إن “أعداداً كبيرة من الجماعات المسلحة والمجرمين من أصحاب الأجندات المختلفة تستفيد من نظام ليبيا الضعيف والمفكك لإنفاذ القانون، حيث يمكنهم قتل أفراد الشرطة أنفسهم والقضاة والأجانب، وهم بمأمن من العقاب، وما لم تتخذ الحكومة خطوات عاجلة لتحويل تعهداتها إلى أفعال وإعطاء الأولوية لبناء وحدات الشرطة والتحقيق الجنائي، فثمة خطر حقيقي من تصاعد العنف أكثر”.

موجودون رغم التحذيرات

ورغم كل هذه التحذيرات لم يغادر عدد كبير من الرعايا الغرب – غير الدبلوماسيين – البلاد، فهم موجودون ويأتون للعمل حتى في مدينتي بنغازي ودرنة الأكثر خطراً على أمنهم.

ويقول أحد الدبلوماسيين الغربيين – فضل عدم ذكر اسمه – أن هناك الكثير من الأسباب لقدوم الرعايا الغرب إلى ليبيا للعمل، “فمن الناحية النظرية ليبيا بلد نفط غني وسوق استهلاكية كبيرة، كما أن هناك الكثير من الأعمال التي يمكن القيام بها في مجالات البنية التحتية، والبيئة، والعديد من القطاعات الأخرى” بحسب قوله.

ووفقا للأطلس السنوي السابع لمخاطر حقوق الإنسان الذي تُصدره مؤسسة التحليلات العالمية “مابلكروفت”، فإن عدد البلدان المصنفة بأنها “خطر بالغ” ازداد من 20 سنة 2008 إلى 34 سنة 2014، وتحصلت ليبيا على المرتبة (19)، بعد سوريا (1)، السودان (2)، الصومال (5)، العراق (7)، اليمن (9)، ومصر (16).