إعلان السلطات الليبية عن اكتشافها شبكات منظمة لتزوير جوازات السفر فتح الباب واسعاً على الجدل الدائر منذ سقوط نظام القذافي حول مسألة الجنسية والتلاعب بالوثائق الرسمية، في ظل فوضى إدارية وأمنية تعم البلاد.
وكانت كتيبة “شهداء الحرية” وهي سرية الاستطلاع الأولى التابعة لحرس الحدود بمدينة البيضاء (200 كم شمال شرق بنغازي) قد أعلنت في 2 كانون ثاني/يناير الجاري عن تمكنها من اكتشاف شبكة تقوم بتزوير الجنسية الليبية لغير الليبيين بقسم “العائدون” في السجل المدني بالمدينة.

إعلان السلطات الليبية عن اكتشافها شبكات منظمة لتزوير جوازات السفر فتح الباب واسعاً على الجدل الدائر منذ سقوط نظام القذافي حول مسألة الجنسية والتلاعب بالوثائق الرسمية، في ظل فوضى إدارية وأمنية تعم البلاد.
وكانت كتيبة “شهداء الحرية” وهي سرية الاستطلاع الأولى التابعة لحرس الحدود بمدينة البيضاء (200 كم شمال شرق بنغازي) قد أعلنت في 2 كانون ثاني/يناير الجاري عن تمكنها من اكتشاف شبكة تقوم بتزوير الجنسية الليبية لغير الليبيين بقسم “العائدون” في السجل المدني بالمدينة.
وجاء ذلك الإعلان خلال مؤتمر صحفي نظمته منظمة “معاً للأفضل”، وحضرته مؤسسات المجتمع المدني وناشطون من المدينة. وكشفت فيه الكتيبة المتخصصة بمكافحة الهجرة غير الشرعية عن قيامها “بضبط 4700 حالة تزوير جنسية ليبية، لأشخاص يحملون الجنسية المصرية”.
دفع رشى
أحد أعضاء النيابة العامة قال خلال المؤتمر الصحفي إن المتهمين في هذه القضية هم ثلاثة موظفين في “مكتب العائدون” بمصلحة الأحوال المدنية أصولهم من مدينة البيضاء. وتتركز مهام هذا المكتب في تسوية أوضاع ذوي الأصول الليبية العائدين من المهجر ولا يملكون الجنسية الليبية، إضافة إلى اثنين من موظفي مكتب الجوازات بالجبل الأخضر.
وأضاف عضو النيابة العامة “قُبض أيضاً على سبعة عشر متهماً قيل إنهم قاموا برشوة موظفي السجل المدني والجوازات لدفعهم للتزوير في الأوراق الرسمية”.
من جهته قال آمر الكتيبة التي كشفت الشبكة إدريس بولطيعة إن عناصر كتيبته تلقوا تهديدات، كما تعرض هو شخصياً للخطف في العاصمة طرابلس في محاولةٍ لإيقاف القضية، إلا أنه لم يكشف عن هوية خاطفيه أو من هددوا رجال كتيبته.
كما أن بولطيعة صرح لوسائل إعلام محلية في وقت لاحق أنه وقع إثبات عدة حالات تزوير من قبل الخبرة القضائية “بضبط المتهمين، ووجود أدلة مادية واضحة من أوراق وأختام، بالإضافة إلى اعترافات المتهمين بفعلتهم”.
المساس بالهوية
يتداول الليبيون قصصا عديدة عن جوازات سفر ووثائق جنسية جرى منحها لوافدين كثر ممن توفرت فيهم شروط الولاء والانتماء لـ “فكر القذافي”، وإسقاطها عن عدد كبير من ذوي الأصول الليبية الذين لم تتوفر فيهم تلك الشروط. لكن استمرار التلاعب والتزوير في منح الجنسيات حتى بعد الثورة كان له وقع المفاجأة بالنسبة للشارع الليبي.
وكانت وزارة الداخلية في حكومة زيدان قد أصدرت في كانون أول/ديسمبر 2012 قراراً بايقاف منح الجنسية الليبية، وذلك إلى حين يتم تنظيم الأمر ووضع الضوابط والشروط القانونية من قبل السلطة التشريعية، ونص القرار على أن يتم إلغاء الجنسيات التى أصدرت بالمخالفة للقانون فى عهد القذافي.
الناشط السياسي صلاح بونباء قال لـ”مراسلون” بصفته أحد المهتمين والمتابعين للقضية إنه يجب “معاقبة المتورطين وفق القوانين، وتشكيل لجنة تضم قضاة ومختصين لمراجعة كافة ملفات من مُنحوا الجنسية خلال الفترة السابقة، وإسقاط الجنسية عن الملفات التي يكون فيها تزوير”.
كما طالب بو نباء بوقف منح الجنسية الليبية في هذه المرحلة إلى أن يتم كتابة الدستور وبناء مؤسسات الدولة لأن “التزوير في السجلات المدنية قضية خطيرة تتعلق بالهوية الليبية”.
تضارب الأرقام
من جانبه أكد المتحدث باسم مصلحة الأحوال المدنية الليبية يوسف قرقوم لـ”مراسلون” حدوث واقعة التزوير، لكنه شكك في صحة الرقم الوارد في المؤتمر الصحفي واصفاً إياه “بالرقم الفلكي جداً جداً”، مرجعاً سبب المبالغة في حجم المشكلة لوجود “نزعات قبلية وخصومات شخصية، وإسناد الموضوع لكتيبة لا تملك صفة مأمور الضبط القضائي”.
وأكد قرقوم على أن ما اكتشفته مصلحة الأحوال المدنية من حالات تزوير في مدينة البيضاء وتم تحويلها للنيابة العامة “لا يتعدى 72 حالة فقط”.
إلا أنه وبالرغم من ذلك لم ينفِ حدوث حالات تزوير في فروع مصلحة الأحوال المدنية بعموم ليبيا قائلاً “لقد قمنا بإقفال “مكتب العائدون” بمدينتي طبرق والبيضاء لوجود مشاكل فيهما، كما ضبطنا قضايا تزوير منذ البداية لكن للأسف بسبب عدم تفعيل القضاء بشكل كامل وعدم وجود جهة تتمكن من القبض وإحضار المتهمين لم تتم محاسبة الفاعلين”.
وحول القضية موضوع الحديث قال “نحن ننتظر أن تبعث لنا إدارة الجوازات بعدد التزويرات ومدى صحة الجنسيات الصادرة من عدمها”.
تعاون المواطن
قرقوم الذي تعرض هو الآخر للخطف في وقت سابق على خلفية حديثه لوسائل الإعلام عن ملف تزوير الجنسيات، أقر بتورط موظفين في مصلحة الأحوال المدنية في عمليات تزوير.
لكنه استدرك “42 عاماً من الفساد لا نستطيع بين يوم وليلة القضاء على أثرها، ولا ننكر وجود أشخاص مفسدين، لكننا لا نستطيع قانونياً أن نتخذ فيهم إجراءات رادعة إلا بتعاون المواطنين، عن طريق تقديم البلاغات، ولذلك أقمنا منظومة خاصة بشكاوى المواطنين وبلاغاتهم”.
وأضاف المتحدث باسم مصلحة الأحوال المدنية الليبية لـ “مراسلون” بأن هناك مواطنين من دول مصر وتشاد النيجر ومالي يحملون الجنسية الليبية، وبأن رئيس وزراء القذافي البغدادي المحمودي وقّع خلال فترة الثورة فقط على منح 2500 جنسية لمواطنين أفارقة، هذا عدا الجنسيات التي كان يمنحها النظام السابق لأغراض سياسية.
وقد أصدر القذافي أيام “هوسه” بالوحدة العربية وسعيه بكل الطرق لتحقيقها قانون رقم 18 لسنة 1980 بشأن أحكام منح الجنسية، والذي نص على أن “الجنسية العربية هي حق لكل عربي يدخل الأراضي الليبية ويرغب في الحصول على هذه الجنسية”، ويعامل حامل الجنسية العربية معاملة المواطن الليبي.
وأوضح القانون أصحاب الحق في ذلك بأنهم “من ينتمي بجنسيته لإحدى الدول العربية، أو من يثبت انتماؤه أو أحد والديه للأمة العربية”، مستثنياً العرب الفلسطينيين الذين كان يسوق أنه بذلك يحافظ على حقهم في العودة إلى بلادهم المحتلة.
وامتد نطاق القانون ليشمل حتى أولاد العربيــات الجنسـية المتزوجات من غير الليبيين، والأجنبية المتزوجة من حامل الجنسية العربية، والعلماء من ذوى التخصصات العالية أو الخبرة الخاصة التي تحتاجها ليبيا.
إلا أن القذافي عاد في أواسط التسعينيات، وبعد يأسه من تحقيق مشروع الوحدة العربية وتوجه إلى أفريقيا، التي أعلن نفسه ملك ملوكها، وفتح أبواب جماهيريته لاستقبال مواطنيها، وقام دون إصدار أي قانون هذه المرة بمنح الجنسية الليبية لعدد غير معروف من الأفارقة، لأسباب ووفق شروط لم يعلن عنها، شهدت عليها سجلات مصلحة الأحوال المدنية التي تحوي عدداً كبيراً من هذه الحالات.
تحجيم المشكلة
في غضون ذلك قال عضو لجنة الأمن القومي بالمؤتمر الوطني العام (البرلمان) محمد عبد القادر بيترو في حديث لـ”مراسلون”، إن عمليات التزوير المعلن عنها “لا نستطيع الجزم بأنها خروقات إلا بعد أن يبت القضاء فيها”.
ورفض الإفصاح حول ما تقوم به لجنة الأمن القومي من عمل فيما يخص مصلحة الأحوال المدنية الليبية، لأن ذلك “شأن داخلي لا يمكن التصريح به” على حد قوله.
وأوضح “نحن تهمنا كل كبيرة وصغيرة، ويهمنا المواطن والدولة الليبية وهويتها، وتهمنا صحة المواطن وغذاؤه وأمنه، كل ذلك يدخل ضمن اهتماماتنا، ولكن لا أستطيع التصريح عما نقوم به من إجراءات”.
وأضاف أنه يستطيع “طمأنة المواطنين بعدم استفحال الأمر، وبأن هذا شأن يهم لجنة الأمن القومي التي لديها اتصالات مع الجهات المعنية وتتفهم الأمور، ولكن ليس من صلاحياتنا التدخل في الأمور القضائية”.
أما المتحدث باسم مصلحة الأحوال المدنية الليبية، يوسف قرقوم، فيبقى متفائلاً بفضل دخول منظومة أرشفة إلكترونية مؤخراً إلى السجلات المدنية، وهو ما تم بفضله الكشف عن عدد كبير من الجنسيات الممنوحة لغير ليبيين – أفارقة بشكل خاص – بطريقة “غير قانونية”، بحسب قرقوم.
ويتوقع كذلك أن يتم الكشف عن أي حالات تزوير في الأرقام الوطنية بعد تفعيل هذه المنظومة الموحدة، وهي إمكانيات لم تكن متاحة سابقاً حيث كانت المصلحة تعتمد الطرق البدائية في التسجيل على دفاتر وأوراق والمراجعة فيها تتم يدوياً على حد قوله.