تخيل أن قناة تلفزيونية مهتمة بمباريات كرة القدم بشرت جمهورها بأنها ستنقل لهم حصريا مباراة كرة قدم معروفة النتائج مقدما، بماذا ستتميز التغطية إذا؟
طبق الفرضية السابقة على تغطية الفضائيات والصحف المصرية الحكومية والخاصة للتصويت على الدستور المصري الجديد يومي 14 و15 يناير/ كانون ثاني الجاري، ستصل للنتيجة نفسها. تغطية القناة للمباراة ستتعمد على تعدد زاويا التصوير، على ما يُكتب على الشاشة من تفاصيل، هكذا يمكن أن نصف أيضا تغطية الشاشات والصحف لمجريات الاستفتاء ومؤشرات النتائج، حركة مستمرة، سخونة مفقودة.
تخيل أن قناة تلفزيونية مهتمة بمباريات كرة القدم بشرت جمهورها بأنها ستنقل لهم حصريا مباراة كرة قدم معروفة النتائج مقدما، بماذا ستتميز التغطية إذا؟
طبق الفرضية السابقة على تغطية الفضائيات والصحف المصرية الحكومية والخاصة للتصويت على الدستور المصري الجديد يومي 14 و15 يناير/ كانون ثاني الجاري، ستصل للنتيجة نفسها. تغطية القناة للمباراة ستتعمد على تعدد زاويا التصوير، على ما يُكتب على الشاشة من تفاصيل، هكذا يمكن أن نصف أيضا تغطية الشاشات والصحف لمجريات الاستفتاء ومؤشرات النتائج، حركة مستمرة، سخونة مفقودة.
غياب الصراع
أكثر من 96 % من الذين ذهبوا لصناديق الاقتراع للتصويت على الدستور الجديد في مصر قالوا “نعم”، توزعت النسبة الباقية بين من قالوا “لا” ومن أبطلوا أصواتهم، لا صراع حقيقي في الشارع، لا خروقات انتخابية، لا تأثير على أصوات الناخبين، بالتالي لم يكن لدى القنوات سواء التأكيد على أن الإقبال تخطى الحاجز الذي حققه دستور الإخوان الذي أطاحت به ثورة 30 يونيو/ حزيران.
الكاميرات وزاويا التصوير، المراسلون، الضيوف، كل هؤلاء ركزوا على أن ما يجري ليست اختيار بين “نعم” و”لا” وإنما رسالة من الشعب المصري يرفض فيها الإرهاب، يعطي ضربة قاصمة لجماعة الإخوان، يؤيد خريطة الطريق، يفوض الفريق أول عبد الفتاح السيسي قائد الجيش للترشح للرئاسة.
الصحف المصرية سارت على النهج نفسه، الأهرام الحكومية صباح يوم الاستفتاء كان عنوانها “الشعب يقول كلمته اليوم وغدا”. المصري اليوم الخاصة اختارت عنوان “يومك يا مصري” واعتبرت أن المغتربين قدموا البشارة حيث تجاوزت نسبة “نعم” أكثر من 90 % بين أصوات المصريين في الخارج.
ثورة “نعم”
صباح يوم الأربعاء، ثاني أيام الاستفتاء، اعتبرت جريدة اليوم السابع الخاصة أن ما جرى في اليوم الأول “ثورة نعم” ، ومع ظهور المؤشرات الأولية للتصويت مساء الأربعاء عقب اغلاق صناديق الاقتراع، صدرت الصحف المسائية ظهر الخميس بعناوين تصف ما جرى بأنه “انجاز تاريخي ..أكثر من 95 % قالوا نعم للدستور” كما العنوان الرئيسي لجريدة الأهرام المسائي الحكومية، بالنسبة للكثير من المنتمين لثورة يناير كان الأمر الوحيد المرتبط بالتاريخ في نتائج الاستفتاء عودة النسب التسعينية التي اعتاد عليها المصريون في استفتاءات جمال عبد الناصر.
حملات فجة
عندما شعرت وسائل الإعلام المصرية أنها اتمت المهمة بنجاح، حشد الناس أمام اللجان، الخروج بنسبة نعم تاريخية تؤكد أن الشعب على قلب رجل واحد، بدأت الشاشات رحلة سد الثغرات، وتبرير غياب الشباب عن الصناديق. الشباب الذي هو من المفترض أعطى لهذه القنوات الحرية الكاملة بعد ثورة يناير، غاب رغم تأييده معظمهم للدستور الجديد بسبب “فجاجة” الحملات الدعائية لنعم، واتهام من يصوت بلا بأنه موال لتنظيم الإخوان الذي نعتته الحكومة المصرية بالإرهابي منتصف شهر ديسمبر/ أيلول الماضي.
أكاذيب على الهواء
لكن الأمر لم يتوقف عند التظاهر بالتغطية الجادة لحدث سياسي مفتقد للسخونة والتنافس، هناك من استغل النتائج لبث رسائل محددة، من بين هؤلاء الإعلامية مريم أمين مقدمة برنامج “وهو كذلك” على راديو 90 90، أحدث محطة راديو في مصر، يديرها عبد اللطيف المناوي آخر رئيس لقطاع الأخبار في التلفزيون المصري قبل سقوط مبارك.
أمين قالت لجمهورها مساء الخميس 16 يناي/ كانون ثاني، إنها سعيدة بأول مرة تقول فيها “نعم” وتخرج النتيجة كما تقول، بينما في كل الاستفتاءات والانتخابات التي أعقبت الثورة كانت هي ومعارفها يجمعون على خيار، لكنه يخسر في النهاية، مع تلميح للغط حول تزوير الانتخابات الرئاسية لصالح محمد مرسي، القضية التي تداولها اعلاميون محسوبون على نظام مبارك لتبرير هزيمة المرشح المنافس أحمد شفيق، لكنها لم تصل حتى الآن لساحات المحاكم.
مريم أمين أرادت اقناع جمهورها بأن كل ما سبق من نتائج مشكوك به. لم تكتف الاعلامية المحسوبة على التلفزيون المصري الرسمي بذلك، بل وجهت التحية للمصريين بالخارج الذين اقبلوا بكثافة على التصويت وكانت كل الكشوف ممتلئة على حد قولها. معلوماتها غير صحيحة فعدد الذين شاركوا بالخارج تخطى حاجز الـ 100 ألف ناخب من أصل 700 ألف تقريبا مسجلين رسميا، لكن أمين تعلم أن لا أحد سيدخل على الهوا ويعارض ما تقول.
معركة خاسرة
على الجهة المقابلة، لم تتعلم قناة الجزيرة، الصوت الإعلامي الوحيد في الوطن العربي المناصر لجماعة الأخوان، لم تتعلم من الدرس، ورفضت الاعتراف بالهزيمة التي تحققت بسبب الإقبال على المشاركة (39 % من عدد المسجلين ذهب إلى مراكز الاقتراع) بينما نقلت الجزيرة تصريحات واحصاءات لمصادر إخوانية، تشكك في نسب الإقبال، تركز على اللجان التي كانت خاوية لا المزدحمة، تتهم النظام بالتزوير، باتت الجزيرة وكأنها مصممة على الاستمرار في معركة خاسرة بدون هدف سوى أن طريق العودة للوراء لم يعد مفتوحا.
المركز الأول
القنوات المصرية من جهتها بحثت هي أيضا عن نصر مصطنع، عن تميز فيما يتعلق بزاويا التصوير وعدد الكاميرات، وأطلقت كل قناة بيانا صحفيا تقول فيه أن جهة ما منحتها لقب “الأفضل في متابعة الاستفتاء”، حتى قبل أن تعلن النتائج رسميا.
المثال الأكثر غرابة كان لقناة سي بي سي اكسترا التابعة لشبكة قنوات سي بي سي، القناة انطلقت قبل أسبوع فقط، ومع ذلك حصلت على المركز الأول حسب استطلاع مؤسسة “نبض الوطن”. الصحف نشرت الخبر نقلا عن المركز الإعلامي لشبكة سي بي سي، دون أن تسأل من هي أصلا مؤسسة نبض الوطن.
حسب موقع اليكسا المختص بترتيب المواقع على مستوى العالم، فإن ترتيب موقع نبض الوطن nabdelwatan.net على مستوى مصر 9836 وعلى مستوى العالم مليون و717 ألف، وبالضغط على أيقونة “من نحن” لن تجد أي معلومة عن المؤسسة، أما أخر استطلاع قامت به فأظهر أن برنامج “ستار اكاديمي” الأكثر مشاهدة بين برامج المنوعات، مع الوضع في الاعتبار أن البرنامج كان يعرض حصريا على شبكة سي بي سي.