تصدّر المشهد السياسي الليبي خلال هذه الفترة مصطلح “خارطة الطريق” و”سحب الثقة من الحكومة المؤقتة” التي يرأسها علي زيدان، الأمر الذي عززه الشارع الليبي بخروج العديد من المظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة المؤقتة من جهة، وأخرى تطالب بإنهاء فترة عمل المؤتمر الوطني في شباط/فبراير المقبل.

تصدّر المشهد السياسي الليبي خلال هذه الفترة مصطلح “خارطة الطريق” و”سحب الثقة من الحكومة المؤقتة” التي يرأسها علي زيدان، الأمر الذي عززه الشارع الليبي بخروج العديد من المظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة المؤقتة من جهة، وأخرى تطالب بإنهاء فترة عمل المؤتمر الوطني في شباط/فبراير المقبل.

المؤتمر الوطني العام الذي يعتبر أعلى هيئة تشريعية في ليبيا، انتُخب في تموز/يوليو 2012  واستلم السلطة في أغسطس من ذات العام، لمهمة أساسية هي وضع الدستور المستقبلي للبلاد، والتحضير لانتخابات عامة خلال فترة 18 شهراً، بحسب الإعلان الدستوري الذي أصدره المجلس الوطني الانتقالي الجهة الحاكمة إبان الثورة.

وبحسب هذا الجدول الزمني، تنتهي ولاية المؤتمر في شباط/فبراير المقبل، إلا أن المؤتمر الوطني العام صوّت في الـ 23 من كانون أول/ديسمبر الماضي  لصالح مقترح مقدم من قبل لجنة خارطة الطريق للفترة الانتقالية، بـ 102 صوتاً من أصل 126 نائبا حضر الجلسة، ينص على أن تنتهي ولاية المؤتمر في نهاية العام 2014، وتسليم السلطة لأية هيئة تشريعية منتخبة أخرى.

قرار التمديد

وصرح عضو المؤتمر الوطني العام ولجنة خارطة الطريق المنبثقة منه محمد عماري لـ”مراسلون” أن “لجنة خارطة الطريق قدمت للمؤتمر مسودة تضمنت جميع المبادرات التي قُدمت من جميع الأطراف التي تواصلت معها اللجنة من مؤسسات مجتمع مدني ونخب سياسية”.

وأكد أن اللجنة “بينت وفندت بالأدلة القانونية والدستورية والواقعية” المعتمدة على التواصل مع المفوضية العليا لانتخابات اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور، “أن فرضية انتهاء المؤتمر في السابع من شباط/فبراير من العام الجاري ليس لها وجود”، منوهاً إلى أن المؤتمر ينظر إلى كل ما ورد في الإعلان الدستوري على أنه فترات منظمة لمهامه وليس محددة لعمره.

وأوضح عماري أن اللجنة اقترحت خارطة طريق ونظمت بجدول زمني واضح عمل المؤتمر المتبقي لينتهي في الـ24 من كانون أول/ديسمبر للعام 2014، والمؤتمر صوت مبدئياً على ذلك، مشيراً إلى أن الموافقة المبدئية جاءت لأن “المذكرة عبارة عن دراسة لجميع المبادرات من ناحية، والردود عليها من ناحية اخرى”.

ولفت عضو المؤتمر الوطني العام إلى أن القبول المبدئي مرهون بتقديم اللجنة لجملة من الاصلاحات في عمل المؤتمر لاستمراره في المدة المتبقية، وانتظار انتهاء عمل الهيئة التأسيسية للدستور، ووضع قانون الانتخابات العامة، ثم إجراء الانتخابات العامة البرلمانية أو الرئاسية، وتسليم السلطة لجسم شرعي منتخب.

بنود الخارطة

رئيس لجنة خارطة الطريق بالمؤتمر الوطني العام فوزي عقاب أوضح في مؤتمر صحفي أن اللجنة تلقت “جملة من المبادرات عددها 13 مبادرة، أفضت إلى ست أفكار تعالج ثلاث نقاط أساسية، وهي الإطار الزمني للمرحلة الانتقالية، والإطار المؤسساتي البديل، والإطار الدستوري الذي يرتبط بالتشريعات المنظمة”.

و قدم رئيس اللجنة بناءً على ذلك خارطة طريق نهائية تشمل ثلاث نقاط، أولها إصدار قانون الاستفتاء وسيكون في شهر أغسطس المُقبل، والثانية إعادة تكليف المفوضية الوطنية العليا للانتخابات حتى 24 كانون أول/ ديسمبر 2014، والثالثة إصدار قانون الانتخابات العامة.

رفض الشارع

هذا القرار الذي يدافع عنه أعضاء المؤتمر قوبل بخروج الليبيين في عدة مدن في شرق وغرب البلاد، في مظاهرات شعارها “لا لتمديد” المؤتمر الوطني العام ولايته لمدة عام تقريباً، وتأجيل صياغة الدستور وإجراء الانتخابات.

وقد كان لمدينتي بنغازي وطرابلس النصيب الأكبر في المظاهرات، التي خرج منظموها يحملون المكانس ويرفعون شعارات تطالب برحيل المؤتمر الوطني في مدته المحددة، التي تنتهي وفقاً لهؤلاء في السابع من شباط/ فبراير من العام الجاري.

كما نشطت مؤسسات المجتمع المدني في عدد من المدن الليبية في عقد جلسات نقاش ضمت نشطاء سياسيين وحقوقيين، تباينت أراؤهم بين مؤيد ومعارض وصاحب شروط على هذا التمديد.

مبادرات الحل

عدد من المسؤولين والشخصيات العامة قاموا بطرح مبادرات عدة في هذا الإطار، كما فعل رئيس تحالف القوى الوطنية محمود جبريل الذي رفض في مبادرته “أي تمديد لولاية المؤتمر الوطني العام”، مقترحاً تشكيل حكومة إنقاذ وطني واعتماد نسخة منقحة عن دستور 1951.

فيما أكد حزب العدالة والبناء في مبادرته على ضرورة التمسك بالمؤتمر الوطني العام وتحسين أدائه، باعتباره يُمثل الجسم الشرعي الوحيد والمُنتخب “بالرغم من ضعف أدائه”، وألا يتم أي تغيير إلا من خلاله، وبالمُقابل سحب الثقة من الحكومة المؤقتة وتكليف شخصية وطنية من ذوي الكفاءات فوراً بتشكيل حكومة جديدة.

ومن جهته طرح رئيس المجلس الوطني الانتقالي السابق مصطفى عبد الجليل مبادرة “الوفاق والحوار الوطني”، التي وُصفت بـ”المتأخرة” من قبل الكثيرين، ووضع فيها خيارين أمام المؤتمر الوطني العام،
الأول “أن يشكل مجلس أعلى للدولة يتكون من رئيس المحكمة العليا والقائد العام للجيش الليبي وأربعة أعضاء من المؤتمر الوطني العام يجري اختيارهم حسب التقدم في العمر، من الشرق والغرب والجنوب والعضو الأكبر عن المكونات الثقافية وإذا لم يرغبوا فلهم حق اختيار من يرونه مناسبا من التصنيف نفسه”.

على أن يشمل هذا المجلس “رئيس مجلس الحريات وحقوق الإنسان لما تقتضيه المرحلة في ملفي عودة النازحين والمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وأن يكون منصب أمانة السر والناطق الرسمي باسم المجلس للمرأة الأكبر سناً في المؤتمر الوطني، وإن لم ترضَ فلها حق الاختيار من زميلاتها، مع ضرورة استحداث منصب القائد العام للجيش الليبي بحيث تتوحد فيه صلاحيات وزير الدفاع ورئيس الأركان”.
استمرار مشروط

والخيار الآخر هو أن “يستمر المؤتمر الوطني بمهام وزمن محددين، كما تحدد صلاحيات رئيسه وتكون غير تنفيذية، على أن يتنازل لحكومة كفاءات عن صلاحياته التنفيذية بما فيها إدارة شؤون السلك الدبلوماسي وتعيين القائد العام للجيش”.

وبين عبد الجليل أن رؤيته للمرحلة الزمنية هي “3 أشهر لإعداد الدستور، وشهرين للاستفتاء عليه، وشهر لإعادته إذا لم يتحصل على النصاب”، مشيرا إلى ضرورة تزامن الأشهر الستة مع إعادة إنشاء المفوضية، وإعداد قانون الانتخابات، ليتماشى مع ما تراه لجنة الستين وهي كيفية الحكم في ليبيا المستقبل.

وقد حذر عبد الجليل خلال تصريح له عبر قناة ليبيا الوطنية من أن “التمديد للمؤتمر بعد السابع من شباط/فبراير بصلاحياته الحالية سيؤدي إلى مواجهات وصدامات مع أطراف تتطلع لتصفية حسابات منبعها الحزب والطائفة والقبيلة”.

واعتبر عبد الجليل أن هناك إجماعاً على عدم نجاح الحكومة، وأن “إسناد مهمة حكم البلاد للجنة الستين سيعيقها عن صياغة الدستور، كما أن ليبيا لا تعيش فراغاً سياسياً كي تسند قيادتها إلى رئيس المحكمة العليا”.

فشل التصويت

الحكومة المؤقتة لعبت دور متلقي الضربات في هذه الأزمة السياسية، حيث اتفق الجميع على ضرورة سحب الثقة منها وتشكيل حكومة بديلة، وتعالت أصوات تنادي بذلك في المؤتمر الوطني وخارجه، حيث خرجت مظاهرات أمام المؤتمر تطالب بسحب الثقة من الحكومة المتهمة “بالفشل في فرض الأمن وحل التشكيلات المسلحة وتفتيت المركزية” بحسب شعارات المتظاهرين.  

ولا زال المؤتمر الوطني العام يناقش في عدد من جلساته المذكرة التي قدمت من 72 عضواً واقترحت سحب الثقة من حكومة علي زيدان، إلا أنه لم يوفق في حسم النقاش حول هذه المسألة حتى الآن.

ويتمثل الخلاف بين الكتل السياسية في النقاش الدائر تحت قبة المؤتمر، في مطالبة بعض الكتل بسحب الثقة مباشرة وتمسك أخرى باستجواب الحكومة أولاً ومن ثم الموافقة أو رفض سحب الثقة منها.

محاولة الإصلاح

أما رئيس الحكومة المؤقتة علي زيدان فقد خرج في مؤتمر صحفي مؤكداً أنه “لم يأتِ للحكومة رغبة بالمناصب ومزاياها، ولكن جاء يؤدي خدمة للوطن في ظرف صعب، والجميع يعرف أنه ظرف صعب، وأن الحكومة محرقة لمن يأتي إليها، ومن يأتي إليها لن يخرج سالماً”، لافتاً إلى أن “المعوقات غير المحدودة والمطبات غير المحدودة”.

وأعلن زيدان في الوقت بدل الضائع أنه “سيكون هناك تعديل وزاري مهم في حكومته، لأن عدداً من الوزراء لا يريدون الاستمرار، ووعد بتسمية الوزراء الجدد خلال هذا الأسبوع، ومن ضمنهم وزير الداخلية ووزير الحكم المحلي، وسيكون اختيار الوزراء ليس متعلقاً بالأحزاب بل سيكونون من التكنوقراط”.