صادق المجلس التأسيسي التونسي في السابع من الشهر الجاري على الفصل 40 من الدستور الجديد، وينص على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل.

ويؤكد الفصل على ضرورة المناصفة بين النساء والرجال في المجالس المنتخبة. وعوض هذا الفصل مشروعا تقدم به الاسلاميون ينص على أن “المرأة مكملة للرجل” كان قد جوبه بمعارضة شديدة من الاحزاب العلمانية والحركات النسوية والحقوقية.

صادق المجلس التأسيسي التونسي في السابع من الشهر الجاري على الفصل 40 من الدستور الجديد، وينص على مبدأ المساواة بين المرأة والرجل.

ويؤكد الفصل على ضرورة المناصفة بين النساء والرجال في المجالس المنتخبة. وعوض هذا الفصل مشروعا تقدم به الاسلاميون ينص على أن “المرأة مكملة للرجل” كان قد جوبه بمعارضة شديدة من الاحزاب العلمانية والحركات النسوية والحقوقية.

وكان المجلس التأسيسي التونسي قد اعتمد في وقت سابق الفصل الأول من الدستور الجديد للبلاد، وينص الفصل الاول من الدستور على أن “تونس دولة حرة، مستقلة، ذات سيادة، الاسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها. لا يجوز تعديل هذا الفصل”.  وهي نفس صيغة الفصل الاول من دستور 1959 (أول دستور بعد الاستقلال)، مع إضافة عبارة جديدة هي “لا يجوز تعديل هذا الفصل”. ورفض المجلس مقترحات بالإشارة الى ان الاسلام هو “المصدر الاساسي” للتشريع في البلاد.

كما نص الفصل الثاني على أن “تونس دولة مدنية، تقوم على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون. لا يجوز تعديل هذا الفصل”.

وبالمصادقة على هذه الفصول تكون تونس قد ضمنت الحدود الدنيا المطلوبة للحقوق والحريات، وكذلك مدنية الدولة. وطوت بلا رجعة النقاش حول هوية الدولة وموقع الشريعة في التشريع. 

ومنذ صياغة توطئة الدستور، تأججت معركة الهوية، وتراشق النواب التهم، فهذا ينعت آخر بالأصولي  الظلامي وذاك يرد عليه بما أقذع وينعته بالحداثي المنسلخ.

ولم يطفئ نار هذه الخلافات غير اشتداد الأزمة السياسية في البلاد  نتيجة الاغتيالات التي كان التكفير وحرب الهوية الجاني الأكبر فيها.

وتكونت لجنة للتوافقات صلب المجلس التأسيسي لتقرب وجهات النظر وتلملم شتات المواقف  بين الأغلبية الاسلامية والمعارضة العلمانية، وذلك بعد صدور مشروع دستور مطلع حزيران/جوان 2013 الذي فرق أكثر مما جمع.

يقول أحمد السافي عضو لجنة التوافقات بالمجلس عن الجبهة الشعبية (يسار) لمراسلون، إن “التركيز على مسألة مدنية الدولة جاء نتيجة ألفاظ ملتبسة وضعت في النص الأصلي مثل “تأسيسا على ثوابت الإسلام”، لكن طول المناقشات أدى إلى التراجع عن هذا اللفظ واعتماد عبارة توافقية وهي: تعبيرا على تمسك شعبنا بقيم الإسلام”.

ويضيف السافي “أكدنا على ضرورة الحفاظ على الفصل الأول من الدستور لكف سيل مناقشات غير ذات جدوى، وبما أن صيغته ترضي كل التونسيين على اختلاف مشاربهم الفكرية ومعتقداتهم توجهنا نحو منع تعديله وهو ما تم فعلا بعد التصويت على إضافة “يمنع تعديل هذا الفصل'”.

ووصف زياد العذاري، الناطق الرسمي باسم حركة النهضة، لمراسلون قبول حزبه لإزالة عبارة “تأسيسا على ثوابت الإسلام” بالرغبة في التوافق وإخراج دستور يمثل كل التونسيين. وقال أن حركة النهضة تتبنى أيضا مدنية الدولة ولم تعترض عنها إنما الاختلاف صلب الكتلة البرلمانية للحركة هو في المواقف كان حول التأويل لا المبدأ.

وأضاف أن “التنازلات لا يمكن أن تمس مسائل مبدئية في مرجعية الحركة أو من جوهر فكرها وما تبقى يمكن فعلا التنازل عنه ونحاول دائما إيجاد صياغة ترضي الجميع مدنية الدولة نعتبرها من جوهر فكرنا”.

باب الحقوق والحريات أخذ بدوره حيزا من الزمن في المناقشات صلب اللجنة المختصة، لجنة الحقوق والحريات.

وسعت لجنة التوافقات للتقليص من نقاط الاختلاف مثل المساواة بين الرجل والمرأة (تخلت المعارضة عن المساواة في الارث). وفي ضمانات الحقوق الفردية والعامة، (تخلت المعارضة أيضا عن إلغاء عقوبة الاعدام، وقيد الحق في الحياة باستثناءات يضبطها القانون). في المقابل قبلت الكتلة الاسلامية بحرية المعتقد وحرية الضمير وتجريم التكفير.

ويعلق احمد السافي على باب الحقوق قائلا ” وصلنا لحل وسط بين من مختلف الآراء” ويعود للفصل المتعلق بحرية الضمير وتجريم التكفير ليبين أنه جاء بفضل ضغط الشارع بعد تكفير النائب المنجي الرحوي والتهديد باغتياله أثناء المناقشات.

ويضيف السافي “لا يمكن القول بان الدستور احتوى كل مقترحات الجبهة الشعبية والقوى الديمقراطية في المجلس، لكن “لا يشتكي الراعي ولا يجوع الذئب”.  وبقيت لدينا العديد من التحفظات حول صيغة بعض الفصول لكننا نجحنا في تضمين فصول أخرى كالحق النقابي وحرية تكوين الأحزاب وحرية الاجتماع والتظاهر”.

الجدل الذي حسم حول هذه الفصول صلب الجلسة العامة بالتصويت على الصيغ التوافقية تحدث عنه زياد العذاري لمراسلون موضحا أن الإشكال كان أولا في رغبة كل طرف سياسي في فرض اختياراته الايديولوجية على النواب من الطرف المقابل لكن تجربة  لجنة التوافقات  تعتبر تجربة فريدة من نوعها ولم توجد حتى في بعض البلدان المشهورة بالديمقراطية”.

عرج زياد العذاري على مسألة حقوق المرأة التي تفجرت بمناسبة مناقشة الفصل المتعلق بتضمين التناصف في الترشح للمجالس المنتخبة، مؤكدا أن حقوق المرأة والحفاظ على مكتسباتها  هو شعار حركة النهضة أيضا.

لكن التصويت كشف أن عددا هاما فاق نصف نواب كتلة النهضة ( 46 نائبا) صوت ضد الفصل المضمن لحقوق المرأة والتناصف رغم أنه كان محل توافق مسبق.

وقال العذاري لمراسلون أن حرية المرأة ليست محل إجماع داخل الحزب “وليس مستبعدا أن تظهر ضمائر ومواقف النواب الشخصية في مسائل كهذه وليس غريبا أن تثير توترات لكن تم تطويقها والتصويت لفائدة التناصف”.

ووصف أحمد السافي التوافق مع نواب حركة النهضة بأن “توجه حركة النهضة ليبرالي وهذا معروف ولكن ليبراليتها ليست فاحشة لذلك وجدنا حلولا وسطى في ما يتعلق بالحقوق والحريات، وهي أيضا تعول على الجانب الاجتماعي في الدستور لأن لها أنصارها وتسعى لإرضائهم وهو ما سهل عملية التوافق وسهل أشغالها.”

وفي المقابل عزى زياد العذاري كل ما تحقق من توافقات إلى العمل في لجنة مضيقة وسط مجموعة مصغرة سهل أشغال اللجنة وعزز روح التوافق حولها.

دستور تونس القادم لن يكون أحسن دساتير العالم. كما لن يكون أسوأها، بل سيضمن الحد الادنى المطلوب من الحريات ويحافظ بذلك على ما جاء به دستور 1959 من مكاسب. وخال من الشريعة.