في 24 كانون الثاني / ديسمبر، اليوم الذي احتفل فيه الليبيون بذكرى استقلال بلدهم، ومع ساعات الصباح الأولى، انتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خبر عن عزم الشاب الليبي وليد بوسلة الانطلاق في رحلة مشي على الأقدام من مدينة مصراتة وصولاً إلى العاصمة طرابلس بمسافة قدرها 200 كيلومتر.

هذه البادرة التي أطلق عليها صاحبها اسم “مائتين وواحد”، حظيت بمتابعة لدى شرائح واسعة من الليبيين، وشكلت بارقة أمل للعديد منهم، بأن مستوى الأمن في ليبيا ليس سيئاً بالقدر الذي يروج له.

“مراسلون” التقى بو سلة بعد عودته إلى مصراتة وكان معه الحوار التالي:

في 24 كانون الثاني / ديسمبر، اليوم الذي احتفل فيه الليبيون بذكرى استقلال بلدهم، ومع ساعات الصباح الأولى، انتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي خبر عن عزم الشاب الليبي وليد بوسلة الانطلاق في رحلة مشي على الأقدام من مدينة مصراتة وصولاً إلى العاصمة طرابلس بمسافة قدرها 200 كيلومتر.

هذه البادرة التي أطلق عليها صاحبها اسم “مائتين وواحد”، حظيت بمتابعة لدى شرائح واسعة من الليبيين، وشكلت بارقة أمل للعديد منهم، بأن مستوى الأمن في ليبيا ليس سيئاً بالقدر الذي يروج له.

“مراسلون” التقى بو سلة بعد عودته إلى مصراتة وكان معه الحوار التالي:

مراسلون- بدايةً كيف جاءت فكرة الرحلة مائتين وواحد، وهل للتسمية مدلول خاص غير المسافة التي قطعتها؟

بوسلة- عندما فكرت في هذه الرحلة كنت أتعامل مع الموضوع كمغامرة، ولكن صديقي أحمد بادي اقترح أن توظف هذه الفكرة لإيصال رسالة عامة، تكون هدية لليبيا والليبيين في ذكرى الاستقلال، فتقرر أن ننظم لهذه المغامرة حملة إعلامية، وأن تكون الرسالة أن الليبيين يحبون بعضهم، وأن الطريق بين المدن الليبية آمن تماماً.

أما عن الرقم 201، فـ 200 هي مائتا كيلو متر، المسافة بين مصراتة وطرابلس، وواحد لها مدلولان، واحد هو الشخص وليد أبو سلة الذي سيقطع المسافة، ومدلول آخر يتمثل في أن ليبيا وحدة واحدة.

كم استغرقت الرحلة من الوقت؟

قطعت المسافة في خمسة أيام، وكنت أتحرك بواقع اثنتي عشرة ساعة في اليوم.

هل تلقيت دعماً مالياً من أي جهة؟

لا.. الرحلة كانت بتمويلي الشخصي.

كيف قمت بالتنسيق في أمور المبيت خاصة وأنك لاتعرف أين ينتهي بك كل يوم؟

لم أضع أي برنامج مسبق إلا في رابع يوم، عندما وصلت منطقة “غوط الرمان” البوابة الشرقية لطرابلس، حيث قررت قطع المسافة المتبقية للوصول إلى “ميدان الشهداء” في يوم واحد، وعرفت أنني سأقطعها في يوم واحد. أما في خلال الرحلة، فكانت المساجد أفضل مكان أرتاح فيه حتى لا أعرقل نفسي في المسير، وحلت المطاعم الكثيرة على امتداد الطريق مشكلة الطعام، مع أنني كنت لا آكل كثيراً، بل القليل من الطعام والكثير من الشراب، وأغلب الأطعمة كانت تأتيني من الأهالي، وحتى المطاعم هي الأخرى رفضت أخذ المال مني.

هل خضعت لأي كشوفات قبل انطلاق الرحلة أو قمت بأي تدريبات؟

باعتباري شخصاً يجب الرياضة وأتمرن في إحدى الصالات الرياضية، كنت مستعداً جسدياً لهذه الرحلة قبل شهرين من انطلاقتها، والتعب الذي حل بي كان في القدمين من كثرة المشي، ولم يكن في العضلات، ولكن الحمد لله لم أصب بأي مرض خلال هذه الأيام الخمسة.

كيف كانت أجواء الرحلة بشكل عام؟

كنت تماماً كساعي البريد الذي يوصل رسالة من مكان إلى مكان. رسالة يفهمها الليبيون على أرض الواقع، خاصة وأنني لم أحمل أي سلاح قد أدافع به عن نفسي، سوى بعض الأمتعة والطعام. هذا الساعي كان يمشي على الأرض متجهاً غرباً إلى طرابلس، يمر بين المدن ويحاول الاحتكاك بالأهالي ويتحاور معهم لاكتشاف ردة الفعل، واتضح أن ردة الفعل من الأهالي هي نفسها التي كنت أتوقعها، كلهم مرحبون، ولم تواجهني أي عقبات.

أحياناً كانت توجه لي أسئلة حول ما أقوم به، البعض علم بالرحلة من الفايسبوك، والبعض الآخر ما أن علم بالموضوع حتى استقبله بالفرح.

ما هو الإحساس أو الشعور الذي تولد لديك وأنت تقطع المسافة بين خمسة أو ستة مدن ليبية وصولاً إلى العاصمة طرابلس؟

في المرحلة الأولى كان الاندفاع والنشاط القوي، إلا أنها انتهت بتعب شديد، وأجريت معي في هذه المرحلة لقاءات إذاعية وحوارات صحفية حيث بدأ خبر الرحلة ينتشر، واتصل بي صديقي “أحمد بادي” وأبلغني بأن الرحلة أخذت صدى وانتشاراً كبيراً، لاسيما على صفحات الفيسبوك.

وفي المرحلة الثانية، بدأت اكتشف حب الناس، حيث بدؤوا بالاتصال بي أو البحث عن رقم هاتفي، وكنت أتحدث عبر الهاتف مع ليبيين وغير ليبيين في الداخل والخارج، عبروا عن سرورهم بهذه المبادرة، حتى أنني مع طول المسافة والطريق، لم أعد أحس بالملل، وبدأت أتشجع مع الاتصالات، مع أن الجو كان بارداً وممطراً أحياناً.

[ibimage==11325==Small_Image==none==self==null]

الرحالة بين مدن ليبيا

هل تذكر لنا بعض المواقف التي حدثت معك أثناء الرحلة؟

المواقف كثيرة، وأكثرها إيجابية، لا توجد مواقف سلبية. كان الناس يصرون على أن يقدموا لي الخدمات والتشجيع، لدرجة أصبح ذلك يعطلني في هذه المسيرة، حيث أنني لم أستطع تلبية كل الدعوات وبعضهم زعل مني.

أحببتهم.. تعرفت عليهم، كل منطقة أتجاوزها أو أمر بها، ما إن أصل للمنطقة التي بعدها حتى أتلقى اتصالات من أهل تلك المنطقة تطمئن عليّ، ولازال بيني وبينهم اتصال حتى أن بعضهم أخذ يرافقني لمسافات طويلة.

من أين كنت تتلقى الاتصالات؟

تلقيت اتصالات من الجاليات الليبية في كندا وفرنسا وايطاليا تركيا والإمارات وقطر وماليزيا وجنوب أفريقيا وبريطانيا. الكل مسرور جداً بهذا الأمر، أما من الداخل فقد تلقيت اتصالات من جميع المدن، عبروا عن فرحتهم بالأمر وأننا أخوة ليبيين.

اتصالاتهم كان هدفها واحد وهو أن نبتعد عن الفتن والعنف وأن نكون يداً واحدة، فنحن شعب واحد، من المفترض ألا نكره بعض، اكتشفت ذلك أكثر في الطريق، حيث لم يتعرض لي أحد بسوء، أو بأي كلمات لا تعجبني، الكل يشجع ويقدم الخدمات.

ألم تنتابك أي هواجس في الطريق؟

كان لديّ هاجس واحد، هو أن يتم خطفي أو اغتيالي حتى لا تتم هذه الرسالة. كما تعرف هناك من يريدون أن يجعلوا ليبيا أرضاً للاقتتال وعدم الاستقرار. وكان أهلي وأصدقائي أيضاً تتملكهم ذات المخاوف، ولكنني كنت مسلماً بضرورة المضي قدماً فيما أقدمت عليه، وإن كانت تلك ستكون نهايتي فلا اعتراض على ذلك.

كيف كان اليوم الأخير الذي وصلت فيه إلى ميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس؟

كان من أصعب أيام الرحلة، لأنني سرت فيه دون توقف، فقط توقفت عشرة دقائق من أجل الصلاة، حيث أنني لم أصل بسهولة، رافقني في المرحلة الأخيرة طبيب عظام، وطول الطريق كان يأتي الناس للتصوير معي، ما يزيد من عزيمتي وإصراري.

وما أن وصلت ميدان الشهداء حتى رأيت والدتي ضمن المستقبلين، فأجهشت بالبكاء ولم أستطع تمالك نفسي، ولم أبق كثيراً في الميدان، بضع دقائق أخذت فيها بعض الصور، ثم جاء شباب وأخذوني إلى فندق كورنثيا للإقامة فيه ليلتين كهدية من أحد شباب طرابلس.

وعندما دخلت الفندق وجدت الكثير من الناس في استقبالي، مع الكثير من الهدايا، كان الأمر كبيراً جداً أن أحظى بهذا القدر من الحب، حتى ان حسابي على الفيسبوك امتلأ بالكثير من الأصدقاء.

هل تطمح لرحلات أخرى؟

عُرض عليّ الكثير من البرامج الرياضية والرحلات التي يمكن أن نقوم بها صحبة شباب ليبيين، ولكن أتمنى أن نقوم برحلة إلى خارج ليبيا، أن نخرج لدولة ثانية، لإيصال فكرة جميلة عن الشاب الليبي، فالمحزن أنه في بعض الدول يظنون بأننا شعب متخلف، لا يقدم شي، ولا يفكر إلا في الأكل.  ولأني كسبت الكثير من الأصدقاء في هذه الرحلة، أظن بأنني سأجد من يتعاون معي منهم في ذلك.

تصوير – أحمد بادي