“انزل إلى الصندوق الانتخابي ووافق علي الدستور لتنال رضي الرب”. “صوتك أمانة إعطه لمن ينادي بتطبيق الشريعة”. “قاطع الاستفتاء لأنه أضاع مواد الهوية الاسلامية”. “من يقاطع الاستفتاء فهو آثم”. “كل من ينزل للموافقة علي الدستور سيكون مؤيدا من الله”.

تنتشر مثل تلك الدعوات وغيرها مع كل استحقاق انتخابي يتم في جمهورية مصر، ولا يقتصر استخدام تلك الدعوات والشعارات علي الاحزاب الدينية بل تشترك فيه الأحزاب المدنية أيضا، سواء تلك التي تحكم أو الموجودة في خندق المعارضة.

“انزل إلى الصندوق الانتخابي ووافق علي الدستور لتنال رضي الرب”. “صوتك أمانة إعطه لمن ينادي بتطبيق الشريعة”. “قاطع الاستفتاء لأنه أضاع مواد الهوية الاسلامية”. “من يقاطع الاستفتاء فهو آثم”. “كل من ينزل للموافقة علي الدستور سيكون مؤيدا من الله”.

تنتشر مثل تلك الدعوات وغيرها مع كل استحقاق انتخابي يتم في جمهورية مصر، ولا يقتصر استخدام تلك الدعوات والشعارات علي الاحزاب الدينية بل تشترك فيه الأحزاب المدنية أيضا، سواء تلك التي تحكم أو الموجودة في خندق المعارضة.

مسلمون ومسيحيون وعلمانيون، الكل يتورط في استخدام الدين للوصول إلى هدف سياسي وان تفاوتت درجات هذا الاستخدام، لاسيما في مجتمع تتجاوز نسبة الامية التعليمية به حاجز الـ 26 % حسب تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء في عام 2012.

وفي هذه الأيام يشتد الصراع السياسي بين نظام الحكم الحالي والاحزاب والقوى الدينية المتحالفة معه (الازهر والكنيسة وحزب النور السلفي) من جهة، وبين الأحزاب الدينية الموجودة في المعارضة في التحالف الوطني لدعم الشرعية (الاخوان المسلمون والجماعة الاسلامية وغيرهم) حول الاستفتاء على الدستور المزمع عقده في 14 و15 كانون الثاني/يناير القادم. وذلك بالرغم من أن قانون مباشرة الحقوق السياسية ينص علي حبس كل من يستعمل القوة أو العنف أو استخدام شعارات دينية في الاستحقاقات الانتخابية لأنه يفتح الباب للطائفية ويهدد الوحدة الوطنية.

مؤيد من االله

بدأت القوى المتحالفة مع النظام الجديد الحاكم للبلاد بعد 30 حويران/يونيو بدعوات مبكرة للشعب المصري بالنزول إلى الاستفتاء على الدستور والموافقة عليه لإنجاح خارطة الطريق التي رسمها المجلس الاعلي للقوات المسلحة بعد الاطاحة بمرسي.

ولم تنتظر هذه القوى خروج المنتج النهائي للدستور لاقناع جمهورها بمواده بل انطلقت الدعوات اثناء انعقاد جلسات لجنه الخمسين لصياغة مواد الدستور.

ولم تستنكف مؤسسات دينية راسخة من القيام بالدعوة الصريحة لتأييد الدستور الجديد. فقد أشاد الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية في السابع من كانون أول/ديسمبر الجاري بالدستور الجديد مؤكدا أنه حافظ علي ما أسماه بمواد الهوية الدينية مطالبا الشعب بالموافقة عليه، في حين دعى شيخ الازهر جموع الشعب المصري بعدم الاستجابة لدعوات مقاطعه الدستور والنزول الي اللجان الانتخابية للتخلص من حالة الاستقطاب الموجودة في الشارع. كذلك دعى الشيخ علي جمعه مفتي مصر الاسبق جموع الشعب المصري إلى الموافقة على الدستور مؤكدا أن كل من سنزل للتصويت بالموافقة علي الدستور سيكون مؤيدا من الله.

أما الكنيسة المصرية فقد أعلنت صراحة أنها لن تتدخل في السياسة ولن توجهه الاقباط للتصويت في الاستفتاء سواء بالقبول والرفض، إلا أنها أعلنت أنها راضيه تماما عن التعديلات التي تمت علي دستور 2012 وأنها راضية عن الشكل الذي خرج به المنتج النهائي لدستور 2013 وأنه أفضل دستور في التاريخ المصري وهو ما يعتبره كثيرون دعوة واضحة لشعب الكنيسة للموافقة علي الدستور.

من يوافق على الدستور آثم

من جهتها اعلنت الاحزاب الدينية المشاركة في التحالف الوطني لدعم الشرعية وهي أحزاب البناء والتنمية الذراع السياسي للجماعة الإسلامية واحزاب الأصالة والحضارة والوسط والجبهة السلفية وبالطبع حزب الحرية والعدالة وجماعة الاخوان المسلمين عن موقفها الرافض لدستور 2013 وعن مقاطعتها للاستفتاء، داعية أنصارها باسم الدين إلى عدم النزول إلى صناديق الانتخاب، مؤثمة كل من يشارك فيه، لأنه أضاع ما وصفوه بمواد الهوية التي كانت موجودة في دستور 2012 وأنه تم انتاجه من سلطة أراقت دماء آلاف المصريين بحسب وصفهم.

وأكدت عزة الجرف القيادية بحزب الحرية والعدالة وعضو مجلس الشعب السابق في تصريحات صحفية أن كل من ينزل إلى الاستفتاء على الدستور “آثم ويحمل في رقبته دماء الاف المصرين الذين ماتوا منذ فض اعتصام رابعة العدوية ومشارك في الظلم الواقع على آلاف المعتقلين من خيرة أبناء مصر القابعين في السجون وآلاف المصابين وأوجاع اليتامى والثكالى وسرقة الوطن ومقدراته”.

في حين أصدر كبار مشايخ السلفيين فتاوي بمقاطعه الاستفتاء على دستور 2013 بدعوى مخالفته الشريعة الاسلامية ومنهم ابو اسحاق الحويني ومصطفي العدوي.

وقد بدأت جماعة الاخوان المسلمين والجبهة السلفية والقوي المتحالفة معهم في حملة واسعة لمقاطعه الاستفتاء علي الدستور. وانتشرت البوسترات التي تدعو الشعب الي مقاطعه الاستفتاء في الكثير من الشوارع المصرية كما استغلت الجماعة الحراك الطلابي الرافض للنظام الحاكم في الحشد لرفض الاستفتاء.

الكل يستخدم الدين

رضا الدنبوقي الناشط الحقوقي و مدير مركز السنهوري للحقوق والحريات يرى أن التداخل بين الدين والسياسة في الحياة المصرية مسألة معقدة للغاية فالجميع حريص على أن يكون ابن مجتمعه والجميع بلا استثناء يعتمد على الدين ورجاله وعلى الشعارات الدينية في حياته وعلى وجه الخصوص فى الاستحقاقات الانتخابية وذلك من الإسلاميين أو غيرهم.

ويتابع قائلا “حتى التيارات العلمانية في مصر تصر على استخدام الدين، وقد اثبتت الاستحقاقات التى تمت فى الاعوام الماضية تلك الحقيقة من ذلك استخدام ايات القران مثل (وما النصر الا من عند الله) وقوله تعالى (وما أريد الاصلاح ما استطعت وماتوفيقى الابالله)”.

ويعطي الدنبوقي مثالا آخر على استخدام الشعارات الدينية، فيقول إن حزب الوفد العلماني يستخدم شعار الهلال مع الصليب، وهما شعاران دينيان. مضيفا أن “الكنيسة المصرية لعبت دورا كبيرا في الحياه السياسية المصرية خلال العقود الماضية نتيجة للاحساس المتنامي لدي الاقباط بالاضطهاد وعدم العدالة، وسعي أنظمة الحكم المتتابعة علي مصر في تغذية هذا الاحساس”.

الأمية هي السبب

في حين اكد محمد عبداللطيف الباحث السياسي انه وفي مجتمع يعاني ثلث سكانه من الامية يغلب استخدام العاطفي علي الخطاب العقلي والمنطق وأن هذا الخطاب العاطفي لا يقتصر علي السياسة فقط  بل يمتد إلى الاعلام والسينما والمسرح والتلفزيون والادب وكل نواحي الحياه لانه يكون الخطاب الاكثر تأثيرا في المتلقي.

واضاف عبداللطيف “استخدام الخطاب الديني وتوجيه الناس بالعاطفة الدينية يأتي في المركز الاول في المجتمعات الاكثر فقرا والتي تنتشر فيها الامية ومن بينها المجتمع المصري وكافة المجتمعات العربية ودول العالم الثالث، في حين ينتشر الخطاب النفعي والمصالح في المجتمعات المتقدمة، وبخاصة بين الساسة الذين يبنون شعبيتهم من خلال برامج نفعية للمواطن تعتمد على الاقناع العقلي”.

وواصل عبداللطيف ان هذا الخطاب العاطفي الديني يستخدمه كافة من يعملون بالحقل السياسي في مصر سواء كانوا في المعارضة او السلطة احزاب دينية او يسارية او ليبرالية. “الكل يستخدم هذا الخطاب بدرجات واشكال مختلفة لان الكل يعلم ان هذا الخطاب هو الاسهل للوصل الي الهدف”.

ويقول “ان نظرنا الي الاحزاب والجماعات الدينية سواء تلك القديمة التي تمارس العمل السياسي منذ عقود مثل الاخوان المسلمين والجماعة الاسلامية اوالحديثة مثل حزب النور والاصالة فاننا سنجد استخدام واسع للخطاب العاطفي والديني للحصول علي اصوات العامة بهدف الوصول السريع للسلطة حتي وان اختلفت مصالح هذه الاحزاب وتحالفاتها”.

اما الاحزاب الليبرالية واليسارية فيرى عبد اللطيف أنها تستخدم أيضا الدين في خطابها السياسي سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ويقول “سنجد كافة الخطابات والحملات السياسية دائما ما تبدأ بايات من القرآن الكريم ونصوص من الانجيل. كما اننا سنجد استخدام للرموز الدينية بشكل واسع في المؤتمرات السياسية مثل وجود احد كهنه الكنيسة وبجواره شيخ من الازهر مثل ما حدث مؤخرا في أحد المؤتمرات السياسية التي وجدنا فيها الشيخ علي جمعه مفتي مصر الاسبق يدعو المواطنين بالنزول إلى الاستفتاء علي الدستور والموافقة عليه بدعوي أن كل من سينزل سيكون مؤيدا من الله ثم نجد أحد كهنة الكنيسة يدخل إلى المسرح وسط تصفيق من الحاضرين ليقف بجوار الشيخ علي جمعه بحضور قيادات سياسية يسارية وليبرالية”.

وبين القوى المؤيدة وتلك الرافضة او المقاطعة للدستور يظل الشعب المصري في حيرة وسؤال عن أي الطريقين يحمل رضى الله، بعد أن استخدم كلا الطرفين المعارضة والنظام والقوي المتحالفة معه الدين لقيادة الشعب إلى صناديق الاقتراع.