موجة نشر غير معهودة لإحصاءات وتقارير حول الإلحاد في البلدان العربية، كشفت عن وجود ملايين الملحدين في تلك الدول، وخلفت جدلا واسعا حول فئة لم تكن في الحسبان قبل أشهر قليلة.
فالسائد في دول العالم العربي أن الملحدين مجرد قلة من الأفراد، والإحصاءات الرسمية لا تذكرهم، فهي لا تسمي صراحة غير أتباع الديانات السماوية: المسلمين، ثم المسيحيين، وفي بعض البلدان يضاف إليهم القليل من اليهود.
موجة نشر غير معهودة لإحصاءات وتقارير حول الإلحاد في البلدان العربية، كشفت عن وجود ملايين الملحدين في تلك الدول، وخلفت جدلا واسعا حول فئة لم تكن في الحسبان قبل أشهر قليلة.
فالسائد في دول العالم العربي أن الملحدين مجرد قلة من الأفراد، والإحصاءات الرسمية لا تذكرهم، فهي لا تسمي صراحة غير أتباع الديانات السماوية: المسلمين، ثم المسيحيين، وفي بعض البلدان يضاف إليهم القليل من اليهود.
ومن بين أهم ما نشر حول الإلحاد في العالم العربي تقرير صدر الشهر الماضي عن “الاتحاد الدولي للإنسانية والأخلاق” (IHEU) يقول إن هناك 13 بلدا في العالم عقوبة الإلحاد فيها -وفقا للقانون- هي الإعدام، جميع تلك البلدان ذات أغلبية مسلمة، ومنها 7 دول عربية، هي: موريتانيا، قطر، السعودية، الصومال، السودان، الإمارات، اليمن. وهو ما قد يفسر صمت هذه الفئة، واكتفاءها بالعالم الافتراضي (الانترنت)، باستثناء حالات نادرة شجعها على الحديث أجواء “الربيع العربي” وما صحبها من آمال بإتاحة آفاق أرحب من الحرية.
ومن أهم ما نشر أيضا استطلاع للرأي أجراه معهد “جالوب انترناشيونال” للإجابة عن سؤال هو: بغض النظر عن ذهابك إلى دور العبادة أو عدمه، هل تقول إنك متدين، غير متدين، ملحد عن قناعة؟ وجاءت النتائج في العالم العربي كالتالي: 77% قالوا إنهم متدينون، 18% غير متدينين، 2% ملحدون، و2% لم يجيبوا. وكانت المفاجأة في السعودية حيث كشف الاستطلاع عن أن 5% قالوا إنهم ملحدون عن قناعة (75% متدينون، 19% غير متدينين، 1% لم يجيبوا).
أرقام لا تمثل المجتمع
يقول مصطفي خضري، رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام (تكامل مصر): إن المنهجية العلمية التي اعتمد عليها استطلاع “جالوب انترناشيونال” من حيث المبدأ صحيحة. لكنه يرى أن “حجم العينة المسحوب -وفق الجداول الواردة بالدراسة- لا يعطي هامش خطأ أقل من 5% بل أكثر من ذلك بكثير”. مشيرا إلى أنه “توجد أخطاء في البيانات، حيث ذكر القائمون على الدراسة أنهم سحبوا عينة من 3131 مشارك من العالم العربي، في حين أنه بموضع آخر من الورقة المنشورة أشاروا إلى أن العدد يتكون من 3628 مشارك في 5 بلدان، هي: مصر (1000)، السعودية (502)، العراق (1000)، لبنان (500)، فلسطين (626)”.
ويشكك خضري في النتائج الخاصة بالسعودية، قائلا: لم تذكر الدراسة في منهجيتها هل سحبت العينة من المواطنين الأصليين فقط، أم ضمت المقيمين بالمملكة من غير السكان الأصليين، ففي هذا البلد توجد عمالة لا دينية وافدة من الهند وغيرها.
وأضاف رئيس “تكامل مصر”: استطلاعات الرأي الهاتفية لا يمكن التعويل عليها في تمثيلها للمجتمع المسحوبة منه (دولتين من بين خمس دول عربية تم سحب عيناتهم من خلال الهاتف).
معتبرا أن “النتائج بالرغم من أنها تظهر قلة الملحدين في الوطن العربي، فهي غير دقيقة فيما يخص المتدينين وغير المتدينين، حيث إن إجابة العينة على هذا السؤال لا تثبت التدين أو عدمه (سؤال خادع)، وهنا نقول يمكن التعامل مع نتائج الدراسة على أنها مؤشرات تنسب للعينة فقط، لكنها غير ممثلة للمجتمع العربي”.
ردود أفعال
أثارت تلك الأرقام مخاوف المتدينين من المسلمين والمسيحيين على حد سواء، وطالبت بعض الأحزاب والحركات والشخصيات السياسية الأزهر والكنيسة بالتصدي لهذه الظاهرة. كما عقدت العديد من الندوات واللقاءات التي تناقش الأمر وكيفية مواجهته.
وعملت بعض الصفحات والمجموعات -المنشأة حديثا والقديمة- بموقع فيسبوك على التصدي للظاهرة، من أشهرها: صفحة “مكافحة الإلحاد” وتضم أكثر من 19 ألف معجب، و”أكبر صفحة لمقاومة ظاهرة الكفر و الإلحاد” وبها 10 آلاف معجب، ومجموعة “الرد علي الملحد بهدوء في ثمان نقاط بدون مهاترات” بها 6 آلاف عضو، وصفحة “حملة شباب تونس المسلم ضد الإلحاد و اللادينية” بها 2500 معجب. هذا بخلاف المنتديات والمواقع الدينية التي بدأت تشن حملة مضادة.
تفسيرات متباينة
يفسر البعض هذه الظاهرة بأنها نتاج لصعود تيارات الإسلام السياسي إلى ذروة الحكم بعد ثورات الربيع العربي، ومن بين هؤلاء سياسيون، وإعلاميون، وعدد من علماء الأزهر الشريف، الذي يرى البعض أيضا أنه موال للدولة والنظام الحاكم، خاصة في الصراع الدائر بين جماعة “الإخوان المسلمين” وحلفاءها، وبين الحكومة المؤقتة التي تولت زمام الأمور بعد عزل الرئيس السابق محمد مرسي، القيادي بالجماعة، في 30 يونيو الماضي.
ويرى مؤيدو هذا التفسير أن سلوك رموز الإسلام السياسي، هز عقيدة الكثيرين، خاصة الشباب، لأن منهم من يرى فيهم النموذج الصحيح للإسلام، والمدافع الأول عن الدين، وسط حملات تشكيك مستمرة من قبل الإسلاميين في مصداقية رجال الأزهر.
لكن قطاعا آخر يقول بأن الإلحاد موجود بالمجتمع العربي منذ زمن بعيد، وما أسهم في ظهوره هو نسمات الحرية التي استشعرها البعض مع إتيان ثورات الربيع العربي. ويرجع البعض السبب في ذلك إلى رغبة بعض الشباب في السير ضد التيار ليعلن عن وجوده، أو لمشكلات اجتماعية، أو نفسية.
شباب قرر الإلحاد
حين تطالع ما يقوله هؤلاء الشباب، أو تتحدث إليهم دون أحكام مسبقة، تكتشف أن لديهم تجارب متباينة أدت إلى اتخاذهم هذا القرار، لكن قاسما مشتركا يربط بينهم، وهو تأثرهم بالخلط التاريخي بين فهم وتفسيرات علماء الدين للنصوص المقدسة (القرآن والحديث النبوي)، والنصوص المقدسة ذاتها.
يقول هيثم أبو السعود (25 سنة): منذ طفولتي كنت أتشكك في الأقاصيص التي اسمعها واشعر بأنني عاجز عن تصديقها لأنني كنت أتابع القنوات التلفزيونية المتخصصة في الاكتشافات العلمية، مثل: Discovery وAnimal Planet، ولكن لا بأس، لم أكن أبالي فأنا لم اختر اسمي أو لغتي أو معتقدي، وحين بلغت السادسة عشر من عمري، تشككت في كل ما تم تلقينه لي في طفولتي، وتوافدت التساؤلات على رأسي، ولم أجد لها جوابا منطقيا.
ويضيف هيثم: لا ريب في أن الأوضاع اليوم تختلف عن الأمس، فاليوم من الصعب أن تتحكم الأنظمة وسياسية الدولة في الأفراد، لا يمكن لشخص أن يقيد حرية تداول المعلومات، يمكن لكل فرد من خلال بوابة Google أن يبحث عما يشاء في أي وقت شاء”، مضيفا: “هم (في إشارة لرجال الدين) لا يعلمون أن معظمنا متبحر إلى أبعد الحدود في القراءة الشاملة في كتب التاريخ المختلفة التي تتناول الحضارات من منظور رحب الأفق، كذلك نحن نتابع احدث التطورات العلمية”.
وتروي “السيدة هـ. أ.” -كما طلبت أن نطلق عليها- وهي من السعودية: قبل أن أصبح لا دينية كنت أستخف بما أسميه “الطقوس” وأفترض أن الإيمان الذي يعبر عنه بمواصفات معينة في شخصية الإنسان تجدها في الأدب الإسلامي هو الأهم، كنت أنتقد رجال الدين، بل وما جاء في القرآن كثيرا، حتى قرأت للفيلسوف سبينوزا (فيلسوف هولندي) ينكر فيها الإله الشخصي، كما يقول فيها إن الإرادة الحرة وهم.
تعقب قائلة: أرى أن أهم دليل في صالح وجود إله هو وجود إرادة حرة، ومع ذلك فإن الأديان تصادر هذه الإرادة الحرة، وتحاول صب كل البشر في قالب واحد، وتقديم الطاعة العمياء على العقل متمثلا ذلك في وجود أشخاص ورموز مقدسة، ونصوص مقدسة.
بين الشك والإيمان
كثير من المسلمين يؤكدون أن العديد من التساؤلات ترد بخاطرهم، ويفضل أغلبهم التوقف عن مواصلة التفكير في إجابة عن تلك الأسئلة حتى لا يفقد إيمانه.
تقول راندا (30 سنة) من العراق إنها مرت بتجربة الشك في وجود الله، وتساءلت “إذا كان الله قد خلقنا، فمن خلق الله”، لكنها أكدت أنها تحب دينها، وحين وصلت إلى مرحلة لم تستطع فيها الإجابة عن الأسئلة التي تدور برأسها قررت التوقف على الفور حتى لا يستدرجها “الشيطان” إلى الإلحاد.
ولفتت راندا إلى أن الكثير من المفكرين مروا بمرحلة الشك، ولكنهم في نهاية الأمر خاضوا رحلة من الشك إلى الإيمان، موضحة: “أنا أخشى ألا استطيع الوصول إلى بر الأمان مثلهم قبل أن يباغتني الموت، فالأمر يتعلق بما بعد الحياة الدنيا، حياة الخلود، وأن لا أريد أن أخلد في عذاب الجحيم بعد أن أفقد إيماني بالله”.
كريم البحيري (28 سنة) -وهو صحفي وناشط سياسي مصري- يعتقد البعض أنه ملحد لأنه يتحدث بشكل مختلف عن آراء العلماء، ويستطيع انتقادها بحرية، وحين سألناه عن عقيدته، قال: لا أحب الحديث عن ديني لأن أفكاري هي إلغاء خانة الدين في بطاقة الهوية، وهذا النوع من الأسئلة يعمق فكرة تقسيم الناس على أساس هوياتهم الدينية.
ويضيف البحيري: أنا أؤمن بوجود خالق، وبوجود دين، ولكني متأكد من أن كل ما يطرح الآن على الساحة من تفسيرات دينية، هو خاطئ، وأنها لا تخدم سوا تجار الدين بمختلف توجهاتهم، وصحة ما اعتقده أو خطأه، هذا الصراع لا يحسم على الأرض، ولكنه يحسم في السماء بعد الموت.
ويوضح: ديني ببساطة، هو دين يؤمن بالحرية ما لم تضر أحدا، ويؤمن بحق الآخر في اعتناق ما يشاء من مذاهب فكرية أو دينية، ويمنح حق الثورة على الاستبداد، والطبقات المذكورة فيه تعنى طبقات عقلية، ولحظية، ولكنها لا تعنى طبقات مالية، وهو دين لا يقبل باستبداد الحكام، ويحرض على الثورة ضد أي مستبد ظالم أو فاسد، ويقيم العدل والمساواة بين البشر، مهما كان اختلافهم المالي، أو الديني، أو الفكري، وهو دين لا يشجع على قتل الأبرياء، أو من نختلف معه عقائديا، هو دين يشجع العلم، ويكره الجهل.