يعد “البحر الفرعوني” من أكبر وأهم المسطحات المائية بمحافظة المنوفية(100 كلم شمال القاهرة)، حيث تطل عليه أكثر من 50 قرية بمراكز أشمون، الباجور ومنوف ويعمل به أكثر من 5 الاف صياد توارثوا حرفة الصيد وصنع الشباك في تلك المنطقة عن الأجداد منذ عصر الفراعنة وحتي الان.

يعد “البحر الفرعوني” من أكبر وأهم المسطحات المائية بمحافظة المنوفية(100 كلم شمال القاهرة)، حيث تطل عليه أكثر من 50 قرية بمراكز أشمون، الباجور ومنوف ويعمل به أكثر من 5 الاف صياد توارثوا حرفة الصيد وصنع الشباك في تلك المنطقة عن الأجداد منذ عصر الفراعنة وحتي الان. وعلى الرغم من الأهمية الكبرى للبحر الفرعوني الذي يطلق عليه الأهالي اسم “البحر الميت” نظرا لعدم تجدد مياهه إلا أنه يواجه كافة صور الاهمال، ويشهد تعديات يومية من الأهالي والخارجين على القانون، الذين يقومون بردم مساحات كبيرة منه للبناء عليها، أو عرض الأراضي الناتجة عن عملية الردم للبيع، وتحقيق مكاسب خيالية من وراء ذلك، بالاضافة إلى تحول مساحات أخرى من البحر إلى مقالب للقمامة، وقيام العشرات من سيارات الوحدات المحلية بالتخلص من الأطنان من مخلفات الصرف الصحي عن طريق القائها بالمياه دون تقدير للمسئولية، وخطورة هذا التصرف علي البيئة والصحة العامة للمواطنين.

خطر ردم البحيرة

في البداية يقول محمد أبوحجازي “شيخ الصيادين بالمنطقة”: “مشكلة تلوث مياه البحر مشكلة قديمة جدا، ولكنها تزداد مع مرور الأيام، والان ظهرت مشكلة أخري لا تقل خطورة عنها، حيث يقوم البعض بردم مساحات كبيرة من المياه، وتحويلها الي أراض مبان، وهناك بالفعل عمارات سكنية تم انشاؤها، وخاصة في ظل فترة الانفلات الأمني التي تلت ثورة 25 يناير، وهناك مخططات لإقامة قرى سياحية بالمنطقة بعد طرد الصيادين منها”. ويتابع أنه والصيادون توجهوا بالمئات من الشكاوى للمسئولين بالمحافظة، وكما تم تحرير العديد من المحاضر ضد من يقومون بردم “البحر الفرعوني”، ومازالت تلك المحاضر أيضا محل تحقيقات طويلة لاتنتهي. وبمرور الوقت ساءت أحوال الصيادين وتحولت حرفة الصيد إلى حرفة غير مربحة وتعود على من يمتهنها بالمتاعب دون تحقيق مكسب مادي.

تلــــــــــوث

ويضيف عبد العاطي البحار “صياد” قائلا “في الماضي كنا نصاب بالدهشة عندما نشاهد أحد الأهالي يقوم بالقاء كيس قمامة في مياه البحر، أما الان فنجد سيارات كبيرة تقوم بتفريغ حمولاتها في المياه، كما تقوم سيارات الوحدات المحلية التابعة للمحافظة التي من المفترض أنها مسئولة عن حماية البيئة، بتفريغ مخلفات الصرف الصحي بالمياه في ظل حرمان كافة قري المنطقة من حقها في تنفيذ مشروع الصرف الصحي”.

وينتقد أيمن عبدالحميد “من أهالي المنطقة” تراخي المسئولين بالمحافظة في ادراج القري المحيطة بالبحر الفرعوني ضمن خطة مشروع الصرف الصحي، وايجاد حلول لمشكلة التخلص من القمامة، مما تسبب في رفع معدلات التلوث التي أصبحت لا تطاق. ويقول “هناك كميات كبيرة من المخلفات يتم حرقها بشكل يومي بالقرب من الشاطئ تؤدي إلى اصابة أطفالنا بحساسية الصدر، كما أصبحت المياه نفسها مصدر للروائح الكريهة، ولنا أن نتخيل مسطح مائي تزيد مساحته عن 250 فدان بها تلك الكميات الكبيرة من الملوثات ماذا سيفعل بالسكان المحيطين به، فهناك المئات من المصابين من أبناء قري المنطقة بأمراض الفشل والتليف الكبدي، بالاضافة الي حالات التيفود والفلاريا وغير ذلك من الأمراض الخطيرة التي تنتشر بسبب التلوث”.

تشريد الأسر

ويتذكر أحمد المصري “تاجر أسماك” العصر الذهبي للبحر قبل أن يصيبه التلوث، فقد كانت مياهه تشتهر قديما بإنتاج أجود الأسماك، وطالما زار المنطقة وفود من الدول العربية والأجنبية للتعلم منا والاستفادة من خبرته، وكانت أسماك البلطي التي يتم اصطيادها من البحر الفرعوني تتميز عن غيرها بأسواق القاهرة وكانت تباع بسعر أغلي نظرا لجودتها، وكانت عجلة الانتاج تسير والجميع يعمل وخاصة صانعو الشباك وتجار الأسماك.

ثم يضيف المصري “اما الان فلا يوجد انتاج يكفي حتي سكان المنطقة، وعندما نذهب للصيادين لشراء السمك لا نجدهم قد اصطادوا شيئا، ومن يشاهد مياه البحر الان لا يصدق المنظر، ولا نستطيع أن نطيل النظر اليه حتي لا نبكي طويلا علي ماضينا وما وصلنا اليه، فهناك كميات كبيرة من الأسماك الميتة تطفو علي سطح المياه، والسبب وراء ذلك هو الاهمال الذي طال الجميع من المسئولين والمواطنين علي حد السواء”.

ويتساءل محمد نصر “صانع شباك” هل من منقذ للالاف من الأسر التي تعمل في الصيد ، والحرف المصاحبة لها مثل بيع الأسماك وصناعة الشباك، فهناك أسر بالفعل تركت المنطقة واتجهت للعمل في أعمال أخرى، فبعد أن كنا نحقق المكاسب تراكمت علينا الديون، وتوقف العمل تماما في بيع الشباك، وعندما نذهب للصيادين لعرض منتجنا من الشباك عليهم نجد الحال لا يسر عدو ولا حبيب، ولا أحد يشتري منا بسبب توقف عملية الصيد في أماكن عديدة من البحر وهي المناطق الأكثر تأثرا بالتلوث.

دراسات

وأكد الدكتور سعيد النجار الأستاذ بجامعة المنوفية أن مشكلة البحر الفرعوني نالت جانبا من الدراسات الأكاديمية في جامعة المنوفية، والتي تبين من خلالها أن هذا البحر عبارة عن بحيرة مغلقة يتم تجميع مياه الصرف الزراعى بها وله مخرج واحد عبارة عن مصرف كبير لتوصيل المياه للبحر المتوسط، وهو واحد من أهم المسطحات المائية فى المحافظة، وهو أحد المصايد الرئيسية بالمنوفية.

ويتابع النجار قائلا إنه رغم العديد من المخالفات والتعديات الصارخة التي يتعرض لها البحر الفرعوني إلا أن الطبيعة الجغرافية الخاصة لهذا البحر حافظت على صموده وبقائه أمام هذه التعديات خاصة أن الماء فيه يتجه عكس البحار الأخرى وهو ما يعطيه ميزة خاصة، وهو مقسم إلى ثلاثة أجزاء الأول محصور بين فرع دمياط والرياح المنوفي، وجزء ثان يمتد من الرياح المنوفى للكوبرى الذى يربطقريتي “كفر فيشا وفيشا الكبرى” وجزء ثالث من كوبرى “فيشا” بمدينة مدينة منوف.

بينما يؤكد الدكتور فرحات عبدالسيد أستاذ المجتمع الريفي بجامعة المنوفية أن الطبيعة الريفية لسكان المنطقة التي يمر بها البحر الفرعوني هي التي أدت الي صموده منذ عصر الفراعنة وحتي الان، علي الرغم من كمية الملوثات التي نالته، وهناك اصرار من الصيادين علي مواصلة صمودهم في سبيل “أكل عيشهم” وهو الذي يجعلهم يقفون في وجه خطط تحويل المنطقة الي قري سياحية عن طريق بناء الفلل والعمارات السكنية، التي حتما ستباع لمن يملك الثمن.

“حلول دائمة”

ما هو رأي المسؤولين عن الوضع في البحر الفرعوني إذن؟ الدكتور أحمد شيرين فوزي محافظ المنوفية أكد أن المحافظة تسير بخطى سريعة نحو إيجاد حلول دائمة للمشكلة، حيث تم إعادة تشغيل كافة “الفتحات” التي تغذي البحر بالمياه العذبة، والتي تم انسدادها في فترة ماضية بسبب انخفاض منسوب المياه خلفها وتراكم كميات من المخلفات أمامها. والان أصبحت مياه البحر تتجدد بصفة مستمرة عن طريق كميات المياه العذبة التي يتم ضخها يوميا، بالاضافة الي القاء أطنان من “الزريعة”  الصغيرة بالبحر لضمان زيادة الانتاج السمكي.

وأضاف المحافظ أنه أعطي تعليمات مشددة بضرورة اجراء أعمال تطهير للمخلفات بالبحر الفرعوني بصفة مستمرة وازالة الحشائش، ومتابعة عملية ضخ المياه العذبة، حتي لا تتكرر المشكلة مرة أخرى، واعداد دراسة عن امكانية تعميق مجري البحر وتطويره عن طريق لجان علمية مختصة.  

وحتى تظهر نتائج ملموسة لهذه الإجراءات سيتعين على صيادي البحر الفرعوني الاستمرار في كفاحهم اليومي لكسب لقمة العيش.