الجورشي خصّ موقع “مراسلون” بهذا الحديث، واحترز على صدور الكتاب في هذا الظرف الحرج الذي تمرّ به البلاد، معتبرا أن الكتاب قفز على مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي على وشك الصدور.

مراسلون: كنت من بين الأسماء التي تحدّث الكتاب الأسود عن علاقتها المتوترة مع نظام بن علي. فهل أنت مع صدور هذا الكتاب أم ضدّه؟

الجورشي خصّ موقع “مراسلون” بهذا الحديث، واحترز على صدور الكتاب في هذا الظرف الحرج الذي تمرّ به البلاد، معتبرا أن الكتاب قفز على مشروع قانون العدالة الانتقالية الذي على وشك الصدور.

مراسلون: كنت من بين الأسماء التي تحدّث الكتاب الأسود عن علاقتها المتوترة مع نظام بن علي. فهل أنت مع صدور هذا الكتاب أم ضدّه؟

الجورشي: يمكن إثارة ثلاثة اعتراضات في سياق صدور هذا التقرير الذي يسمّى بالكتاب الأسود؛ السياق السياسي العام الذي صدر فيه هذا الكتاب يتسم بالتشنّج وغياب الرؤية السياسية، وأيضا وجود الكثير من المؤشرات التي توحي بعمق الأزمة الهيكلية التي تتخبّط فيها البلاد، كما أن إصدار هذا التقرير لم يراعي الظرف الصعب الذي تمرّ به البلاد وهو ما حوّله إلى عنصر إضافي للاحتقان وتعميق الخلافات على الساحة السياسية.

في تقديرك، هل كان التوقيت الذي صدر فيه الكتاب توقيتا بريئا؟

أستبعد أن يكون رئيس الجمهورية سعى من خلال إصداره إلى خلق مزيد من الصراعات على الساحة التونسية، لكن من المؤكّد أن إصداره دلّ على عدم توفّر رؤية أكثر شمولا لدى الرئاسة التي تفاجأت من ردود الفعل الواسعة ضدّ المنهج وأسلوب التعامل مع أرشيف البوليس السياسي. زد على ذلك أن المجلس التأسيسي في هذه المرحلة يتهيّأ للمصادقة على قانون العدالة الانتقالية، الذي يعتبر الأرضية المناسبة لتقييم المرحلة الماضية وإخضاع أصحابها إلى منهجية المحاسبة والمصالحة.

يرى البعض أن هذا الكتاب ساوى بين الجلاّد والضحية فما رأيك أنت؟

من المؤكّد أن هذا الكتاب وفّر فرصة للذين كانوا مورّطين في المرحلة السابقة في دعم وتنفيذ الاستراتيجية الإعلامية السابقة التي كانت تهدف إلى إخضاع التونسيين لنظام الاستبداد، فإذا بهم اليوم يتحوّلون إلى نوع من الضحايا، نتيجة النوايا العكسية لهذا التقرير والأخطاء الكبرى التي تضمّنها.

المرزوقي بكتابه الأسود، هل طبّق جزءا من العدالة الانتقالية أم أن عدالته كانت انتقائية وانتقامية؟

كنت قد أشرت إلى أن هذا الكتاب قد قفز على مشروع العدالة الانتقالية ووفّر الفرصة لخلخلة هذا القانون وإضعافه نتيجة غياب التنسيق في هذا السياق مع وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية المكلفة بهذا الملف. وهو ما فسح المجال لعدة أخطاء، كالأخطاء المنهجية التي تجلّت على مستوى أسلوب التعامل مع وثائق الأمن الرئاسي، كإصدار وثيقة دون التصرّف فيها مع احترام صلاحيات هذا الإصدار والحيثيات القانونية المقيدة للقانون المنظّم لمؤسسة الأرشيف الوطني ودون مراعاة حرمة من انتهكت أعراضهم بمقتضى هذه الوثيقة.

هل يمكن الحديث عن سقوط أخلاقي في الكتاب؟

الإشكال الذي تم التورّط فيه هو أسلوب التعامل مع أرشيف الأمن السياسي، لأن الذي حصل هو الاستناد إلى هذه التقارير البوليسية دون تقييمها بشكل جدّي وهو ما جعل أصحاب الكتاب الأسود ينقلون ما ذكره البوليس السياسي دون تحرّ ودون تعامل جدّي وأخلاقي مع تهم هذا البوليس، وهو ما أدّى إلى نقل هذه المعطيات التي أوردتها الأجهزة الأمنية في الكتاب الأسود بشكل يوحي للأشخاص بأنها تعبّر عن موقف رئاسة الجمهورية.

كيف سينظر التاريخ إلى هذا الكتاب في رأيك؟

ربما لن يبقى من هذا الكتاب إلّا تأكيد على سوء التعامل مع الظرفية الراهنة والوقوع في ورطة تجاوز منهجية العدالة الانتقالية التي تميّز بين محاربة آليات تعتمد عليها الأنظمة الدكتاتورية وبين الأشخاص الذين ربمّا تورّطوا في دعم تلك الأنظمة، حيث تعطيهم العدالة الانتقالية فرصة التعبير عن أنفسهم والاعتذار لضحاياهم وإشعارهم بتحمّل مسؤولياتهم ممّا يمكّن الشعب من تجاوز الماضي وتحقيق مصالحة لا ضغينة فيها ولا أحقاد.