الفكرة رائعة. إذ قامت وزارة الزراعة عام 1998 بتخصيص قريتين جديدتين للسيدات الأرامل والمطلقات الأولى في “مشروع النوبارية” بمحافظة البحيرة بشمال مصر، والثانية في “مشروع وادي الصعايدة” بإسوان جنوبا.
لكن إلى وصلت الأمور ب”الفكرة الرائعة”؟ بعد حوالي خمسة عشر عاما من بداية المشروع، نتعرف على أحوال قرية “السماحة” في مركز إدفو عبر زيارة قمنا بها للقرية، وتحدثنا مع عدد من سكانها، لنرى مدى نجاح المشروع، وكيف تعيش المطلقات والأرامل اللاواتي فزن بتلك الفرصة.
البداية..عادة جميلة
الفكرة رائعة. إذ قامت وزارة الزراعة عام 1998 بتخصيص قريتين جديدتين للسيدات الأرامل والمطلقات الأولى في “مشروع النوبارية” بمحافظة البحيرة بشمال مصر، والثانية في “مشروع وادي الصعايدة” بإسوان جنوبا.
لكن إلى وصلت الأمور ب”الفكرة الرائعة”؟ بعد حوالي خمسة عشر عاما من بداية المشروع، نتعرف على أحوال قرية “السماحة” في مركز إدفو عبر زيارة قمنا بها للقرية، وتحدثنا مع عدد من سكانها، لنرى مدى نجاح المشروع، وكيف تعيش المطلقات والأرامل اللاواتي فزن بتلك الفرصة.
البداية..عادة جميلة
“الفكرة نفذتها وزارة الزراعة في قريتين فقط على مستوي الجمهورية، وكان الهدف من المشروع الحفاظ على الأبناء داخل الاسر التي فقدت عائلها من الانحراف والتشرد والضياع، ومساعدة الأسر المعيلة التي فقدت الأب بتوفير مصدر رزق لهم ” هكذا شرح لنا المهندس حمدي الكاشف المراقب العام ل”مشروع وادي الصعايدة” بداية الفكرة، ويتابع ” قرية “السماحة” تم تخصيصها إلى السيدات الأرامل والمطلقات والمرأة المعيلة التي يعاني زوجها من عجز كامل. تضم القرية 303 أسرة، حيث تم تخصيص منزل وقطعة أرض مساحتها 6 أفدنة لكل أسرة، وتبلغ إجمالي مساحة الأراضي الزراعية بالقرية 1818 فدانا”.
أوضح الكاشف أنه مع تسليم الارض والمسكن للسيدات في القرية تم تقديم العديد من المساعدات لهن منها قيام مشروع “العون الغذائي” بتوزيع معونات غذائية على السيدات في القرية لمدة ثلاث سنوات متتالية، و دعم الجمعية الزراعية في القرية بالاثاث والمفروشات، وتوفير جرار زراعي، ومنح قروض قصيرة الأجل قيمتها 3 الاف جنيه تسدد بعد مرور عام، ومنح قروض إنتاج حيواني عبارة عن 5 اغنام وكبش وتسدد قيمته خلال 3 سنوات.
يبدو حديث مراقب المشروع مثيرا للأمال، لكنه يستدرك قبل النهاية قائلا ” أن قرية الارامل والمطلقات في مشروع النوبارية هي أفضل حالا من قرية السماحة بإدفو بسبب جودة الأرض بالنوبارية والتي تسمح بزراعة جميع أنواع الفواكه مثل الفراولة والبرتقال والخوخ والليمون بخلاف قرية السماحة التي تقع في منطقة صحراوية نائية وتبتعد عن العمران وتحتاج إلى مجهود كبير من أجل استصلاح الأرض”..هل اختلفت الصورة الأن؟ ربما، ولكن بالتأكيد كان سكان القرية يعرفون أن الاراضي الجديدة تحتاج إلى مجهود كي تصبح منتجة. لكن يعود الكاشف إلى الاستدراك مرة أخرى..”صعوبة المنطقة الموجودة فيها القرية وابتعادها عن العمران بحوالي 20كم أدي إلى انخفاض عدد السيدات المقيمات فعليا في القرية بحيث تتراوح النسبة ما بين 35% الي 45% “.
فليكن..سندع مراقب عام المشروع بمقدمته واستطراداته، ونبدأ في مقابلة أهالي القرية الذين يمكنهم تقديم صورة أفضل حول كيف تمضي الحياة في قرية “السماحة” بشكل واقعي.
القرية.. منفى
“القرية عبارة عن صحراء جرداء ينقصها الكثير..الناس بتموت مرة واحدة في العمر،وإحنا نموت 100 مرة في اليوم” بهذه الكلمات وصفت سعدية حسن حسين – أرملة – القرية وأضافت أنها تظل في قلق دائم حتى يعود أبنائها من الأرض الزراعية خوفا عليهم من أن يصابوا بلسعة عقرب أو لدغة ثعبان.
أشارت سعدية إلى أنها كانت سعيدة جدا حينما استلمت الأرض والبيت ولكن بعد أيام قليلة شعرت كأنها في سجن كبير بسبب نقص الخدمات وصعوبة المواصلات وقسوة الحياة داخل القرية.
كنت أظنها هدية
“توفي زوجي في ريعان شبابه منذ 20 عاما متاثرا بمرض في الكبد، وترك لي أربعة أطفال صغار، وفرحت في البداية بحصولي على قطعة أرض ومنزل في قرية السماحة بمشروع وادي الصعايدة واعتبرتها هدية من السماء لكي أحصل علي قوت أبنائي اليتامي”، وبحسب فايزة اسماعيل أحمد 56 سنة إحدي المنتفعات بالقرية أنها فوجئت عند استلامها للأرض الزراعية بوجود نقص حاد في الخدمات بهذه القرية وتعطل ماكينات الري عقب استلامها، علاوة علي سوء حالة الأرض وحاجتها لنفقات كثيرة حتى تؤتي ثمارها. وتابعت فايزة قائلة “إن أوضاع المطلقات والأرامل في القرية بائسة للغاية فمياه الشرب يتم شرائها على حسابنا الخاص بسبب تلوث مياه الشرب بالقرية، كما أن الخدمات الصحية معدومة ولا يوجد سوى طبيب واحد في الوحدة الصحية بقرية “الشهامة” التي تبعد عنا بضعة كيلومترات، علاوة على انعدام المواصلات العامة لذا نضطر إلى تأجير سيارات خاصة للوصول إلى مدينة أدفو، علاوة على ارتفاع أسعار السولار والزيوت اللازمة لماكينات الري والتي أيضا نضطر للحصول عليها من السوق السوداء بأسعارمرتفعة”.
بوص ومياه جوفية
من ناحيتها توضح أم عبد الكريم أن بعض الأراضي الزراعية جيدة للغاية وتعطي إنتاج متميز سنويا، ولكن غالبية أراضي القرية تعاني من ارتفاع منسوب المياه الجوفية لدرجة أن هذه الأراضي اصيبت بالتلف والبوار، و لا تزرع نهائيا وأصبحت عبارة عن برك من المياه وتنمو فيها زراعات الهيش والبوص.
ولم تنفي أم عبد الكريم وجود مباني بالقرية خاصة بالاسعاف والسوق التجاري ولكن هذه المباني لا تقدم أي خدمات على أرض الواقع ولا يوجد فيها أي موظفين.
وأشارت إلى أن القرية تعاني من عدم صلاحية مياه الشرب للاستهلاك الأدمي بسبب اختلاطها بمياه الصرف الزراعي لذلك يقوم المسئولون بجلب كميات من مياه الشرب لأهالي القرية بواقع خمسة جراكن لكل أسرة اسبوعيا، وهي بالطبع كمية غير كافية لذلك تضطر السيدات إلى شراء مياه للشرب على نفقتهن الخاصة.
محاولة
“انطبقت علي الشروط اللازمة للانتفاع بهذا المشروع لأني أرملة ولا امتلك حيازة زراعية ولدي خمسة أبناء وبعدها حصلت على منزل وقطعة أرض في القرية منذ حوالي 9 سنوات” هكذا تروي نبيهه محمد عبدالله كيف حصلت على الأرض، وتتابع أنها قامت باستصلاح جزء من قطعة الارض المخصصة لها بمساعدة ابنائها خلال السنوات الماضية وأصبحت هذه الأرض مصدرا لرزقهم. المشكلة بالنسبة لها “أن معظم المنتفعات بالقرية من كبار السن ولا يستطعن القيام بمهام الزراعة واستصلاح الارض لذلك يعتمدن على أبنائهن في المقام الاول، وعندما يكون الابناء صغار تعجز المرأة عن القيام بمتطلبات الأرض”
مشكلة أخرى من وجهة نظر نبيهه “أن معظم أراضي المشروع تحتاج إلى تكلفة كبيرة من أجل استصلاحها علاوة على انتشار المياه الجوفية في أراضي المشروع مما تسبب في تلف الكثير من الاراضي وهجر الأسر للقرية، كما اضطرت بعض السيدات إلى بيع الارض والمنزل عقب استلامهما مباشرة بمبلغ 30 الف جنيه بسبب عدم قدرتهن علي الزراعة”.
التعليم..غالي
في ظل هذه الظروف كان من الطبيعي أن ترتفع نسبة التسرب من التعليم خاصة بين الإناث لأنه لا توجد مدرسة ثانوية أو تجارية بنظام الفصل الواحد في القرية وهو ما يضطر الأهالي إلى التوقف عن تعليم بناتهم بعد الشهادة الاعدادية، يقول حجاجي إبراهيم أحمد – نجل إحدى المنتفعات بالقرية – “أن عدد من الفتيات توقفن عن الدراسة بعد حصولهن علي الشهادة الإعدادية لعدم قدرة ذويهم على تدبير حق المواصلات و التي تبلغ خمسة جنيهات يوميا علي الأقل من أجل الالتحاق بفصل ثانوي تجاري في قرية أخرى، بينما يضطر بعض الأهالي إلى دفع 15 جنيها يوميا للطالب الواحد من أجل الذهاب للمدرسة الزراعية في مدينة إدفو”.
نصيحة
سعدية حسن التي استقبلتنا في البداية ختمت حديثها بنصحية للمسئولين بعدم إنشاء قري جديدة للمطلقات والأرامل في مصر بعد فشل تنفيذ هذه الفكرة في قرية السماحة والتي تحولت وفقا لرأيها إلى منفى بل زادت هذه القرية من مشاكل المطلقات والارامل بدلا من التخفيف عنهن .